صناعة الإسلاموفوبيا ـــ أحابيل اليمين السياسي في إثارة المخاوف من المسلمين!(تأليف: ناثان لين)

 
تأليف: ناثان لين 

 

يناقش ناثان لين في هذا الكتاب أكثر القضايا أهمية في العصر الحديث، التي تفرض تهديداً كبيراً على المجتمع المسلم في العالم، وبالتحديد في أوروبا والولايات المتحدة، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 في نيويورك .
يستعرض الكتاب الأسرار القذرة للفئة الصغيرة الجشعة في الغرب التي تتحكم بمفاصل السياسة والقرار من وراء الكواليس، وكيف تحاول التلاعب بالرأي العام، وإشاعة مناخ من الخوف وثقافة الكراهية تجاه المسلمين في الغرب، حيث تعود عليهم بالفائدة المالية والسياسية .
يسلط الكتاب الضوء على صنّاع الإسلاموفوبيا وحجم الملايين التي تنفق للترويج لهذه الصناعة الخطرة التي تتجذّر في العمق الثقافي للشعوب الغربية، ولاتقتصر المشاركة على الإطار النخبوي فقط، بل تشاركهم شبكات من المدونين والمموّلين والكتّاب والمثقفين والوعّاظ والسياسيين الذين يلعبون دوراً كبيراً في تأليب وتأجيج الرأي العام ضد المسلمين، وترسّخ في أذهانهم الصور النمطية المتعلقة بممارسة العنف والذكورية الطافحة، والعمل على إبراز الحوادث الفردية السلبية في العالم الإسلامي واتخاذها على أنها نموذج معمّم يمارسه المسلمون، الأمر الذي يؤثر سلباً في جميع المسلمين الذين يحترقون بنيران قلة من المتطرفين المسلمين، ممن يتبرأ منهم العالم الإسلامي .
والكاتب رئيس تحرير “أسلان ميديا”وكاتب مساهم في “بوليسيميك”وقد شارك في تأليف كتاب: “إيران، “إسرائيل«، والولايات المتحدة: أمن النظام في وجه الشرعية السياسية”الصادر في (2011) .
يقع الكتاب في 222 صفحة من القطع المتوسط، ،2012 صادر عن دار “بلوتوبرس”البريطانية .
تحالف الصهاينة واليمين المتشدد والسياسيين العنصريين وراء العداء للإسلام… يعاين هذا الكتاب الجانب المظلم من صناعة الإسلاموفوبيا، الذي يعد الوحش الحالي في الغرب، ويناقش كيفية الترويج لهذه الصناعة وإخافة العامة من الدين الإسلامي، كما يبين أن الزيادة المفاجئة في المشاعر المعادية للمسلمين في الولايات المتحدة وأوروبا ليست نتيجة مناخ من الشكوكية متطور بشكل طبيعي، بل هو نتاج متابعة وتركيز وضخ أموال على مدى العقد الفائت، ووصل هذا الجهد في الترويج لها إلى الذروة في بداية العقد الثاني .

بدايات الإسلاموفوبيا
قدم للكتاب جون ل .إيسبوسيتو الأستاذ الجامعي في علم الأديان والدراسات الإسلامية والشؤون الدولية فيجامعة جورج تاون والمدير المؤسس لمركز الأمير وليد بن طلال للتفاهم الإسلامي- المسيحي في الجامعة نفسها في العاصمة واشنطن، حيث يرى إيسبوسيتو أن الإسلاموفوبيا لم يبرز إلى الوجود بعد أحداث 11 سبتمبر في ،2001 بل هو مثل معاداة السامية وزينوفوبيا (كراهية الأجانب)، له جذور تاريخية عميقة وطويلة . إلا أن انبعاثه في الفترة الراهنة ظهر نتيجة التدفق الكبير للمسلمين إلى الغرب في أواخر القرن العشرين، إضافة إلى حدوث الثورة الإيرانية، وأزمة الرهائن الأمريكيين، وأعمال إرهابية أخرى في الثمانينات والتسعينات، وكان أبرزها مؤخراً تفجير برجي التجارة العالميين في 11 سبتمبر والهجمات الإرهابية المتكررة في أوروبا .
لكن يشير إلى أن اللقاء الأول لأغلب الأمريكيين مع إسلام غير معروف لهم ظهر مع الثورة الإيرانية في عام 1978 وأخذ الرهائن في السفارة الأمريكية، ونتج عن ذلك تفجر الاهتمام بالدين الإسلامي وتوجه الصحافة إلى تغطية كل ما يتعلق به، إضافة إلى تسليط الضوء على الشرق الأوسط والعالم الإسلامي الذي توسع بشكل تصاعدي على مر السنين . ويؤكد إيسبوسيتو أن الإسلام والشرق الأوسط اليوم يظهر بصورة سلبية في العناوين الرئيسة، وعلى الرغم من أن الدين الإسلامي هو الثاني في العالم والثالث في الولايات المتحدة، ويشكل المسلمون جزءاً متلاحماً من الموزاييك الأمريكي في القرن الواحد والعشرين، فإن الأعمال الإرهابية التي حدثت فيها وفي العالم أسهمت في تصاعد الإسلاموفوبيا فيها .
يجد إيسبوسيتو أن الإسلام والمسلمين ينطبق عليهم المثل الدارج ولكن بشكل معكوس، وهو “المتهم مُدان حتى تثبت براءته«، حيث غالباً ما يتم النظر إلى الإسلام على أنه السبب الفعلي للراديكالية والتطرف والإرهاب .
يستعرض إيسبوسيتو أيضاً استطلاعاً قام به مركز غالوب في 2006 عن الإسلام والمسلمين، حيث وجد أن الأقليات في الولايات المتحدة يحملون مشاعر سلبية تجاه الناس من الدين الإسلامي، ويفضلون استعمال التدابير الأمنية المتشددة مع المسلمين كطريقة لمنعهم من ممارسة الإرهاب وأقل من نصف المستجيبين للاستطلاع يعتقدون أن المسلمين الأمريكيين مخلصون للولايات المتحدة . وقرابة ربع الأمريكيين أي ما يعادل 22% منهم قالوا إنهم لا يرغبون بأن يكون جارهم مسلماً، و31% يشعرون بالعصبية إذا ما كان رجلاً مسلماً معهم في رحلة طيران، و18% قالوا إنهم يشعرون بالعصبية إذا ما كانت امرأة مسلمة معهم في رحلة طيران، وأربعة من كل عشرة أمريكيين يفضلون استخدام تدابير أمنية صارمة ضد المسلمين أكثر من تلك المفروضة على المواطنين الأمريكيين من غير الدين الإسلامي، ويطالبون بحمل المسلمين الأمريكيين بطاقات خاصة بهم لإخضاعهم لتدابير أمنية خاصة عند الطيران، وعندما سئل المستجيبون عما يعجبهم في العالم الإسلامي، كانت إجابات ما يقارب 33% “لاشيء”وما يقارب 22% “لا أعرف”. وفي دراسة لغالوب في 2010 وجدت أن كل أربعة أشخاص من أصل عشرة لديهم بعض التمييز تجاه المسلمين وهو ضعف الرقم مع باقي الأديان .
في خاتمته يجد إيسبوسيتو أن الإسلاموفوبيا مثل معاداة السامية لن تزال بسهولة أو قريباً . ويرى أن “الإسلاموفوبيا ليست مشكلة للمسلمين وحدهم بل هل مشكلتنا”. ويشير إلى أن الحكومات وصناع القرار، والإعلام، والمؤسسات التعليمية، والقادة السياسيين والدينيين يلعبون دوراً مهماً في خلق تحول في المجتمعات الغربية والتأثير في المواطنين والسياسات لاحتواء الأصوات التي تنادي بكره الإسلام والمسلمين، وهذا ممكن الحدوث إذا ما تضافرت الجهود لتعزيز التفاهم والسلام العالميين . ويؤكد أنه من خلال الاطلاع على تاريخ معاداة السامية والعنصرية في أمريكا، لم يكن التشدد والتطرف أمراً فطرياً، بل مكتسباً .

السيطرة بإشاعة الخوف
يستشهد لين خلال الكتاب بالكثير مما ورد في الصحافة والإعلام والكتب والأبحاث عن موضوع الإسلاموفوبيا في الغرب، والخوف الذي رسخه الإعلام في أذهان العامة، وما يمكن أن يفرز منه، ونقتبس بعضاً مما أورده الكاتب عن ممارسة الخوف وتأثيره في الأفراد والشعوب على لسان شخصية البروفيسور الإنجليزي جورج فالكونر في فيلم “رجل عازب”2009 من إخراج توم فورد: “الخوف، رغم كل شيء، هو عدونا الحقيقي . إن الخوف يستولي على عالمنا، ويستخدم كأداة للتلاعب في مجتمعنا . بالخوف يدير السياسيون سياساتهم وتقنعنا شركات الإعلان بشراء أشياء لانحتاج إليها”. وعن زرع الخوف في رؤوس الشعب الأمريكي نقتبس: “الخوف الذي يهاجموننا به هو الخوف من أن هناك شيوعيين يخترقون صفوفنا من كل زاوية، والخوف من أن هناك بلداً في البحر الكاريبي لايؤمن بطريقتنا في الحياة وهو يشكل تهديداً لنا . الخوف من أن الثقافة السوداء يمكن أن تسيطر على العالم”.
تمتاز مقدمة الكتاب بغنى كبير، حيث يقدم الكاتب للقارئ العديد من النماذج في الولايات المتحدة وخارجها، وتوضح النماذج مدى تأثير الإعلام الغربي في ذهنية المواطنين وانعكاس ذلك على الحياة العامة للمسلمين . ومن هذه النماذج المواطن الأمريكي من أصل بنغالي المدعو أحمد شريف، يبلغ 44 عاماً، ويعمل سائق سيارة أجرة في مدينة نيويورك، صعد معه شاب في حدود الواحدة والعشرين من عمره، ويدعى ميشيل إينرايت كانت سحنته بيضاء وشعره أشقر، ألقى التحية عليه بالطريقة الإسلامية . اعتقد السائق أنه مسلم، ثم بدأ يسأله ميشيل عن شهر رمضان، ولكن ما لبث أن وجّه كلمات مسيئة إلى الإسلام والمسلمين، خاصة أن الجو العام كان متوتراً كثيراً بشأن بناء مسجد “غراوند زيرو”على مسافة قريبة من مكان تفجير برجي التجارة العالميين، وعندما شعر السائق باستياء وإهانة كبيرة أوقف السيارة على نقطة تفتيش قبل مكان نزول الشاب، الذي توضح أنه كان جندياً في أفغانستان، وقد كان يتوجّس من كل مسلم يلتقيه، بالأحرى كان يعتبره إرهابياً بمجرد أنه مسلم، وهناك أمسك الشاب بعنق السائق واضعاً مُدية حادة أدمت عنقه وذراعيه وأصابعه، توسل إليه السائق ألا يقتله وبكى قائلاً: “لا تقتلني، عملت بمشقة كبيرة . لدي عائلة”. حاول السائق أن يبعده عن نفسه بوثبة قوية، بعد ذلك خرج الشاب من السيارة مدعياً أن السائق حاول سرقة محفظته، وقد دافع عن نفسه ثم صرخ: “لقد أتيت للتو من أفغانستان، أريد أمي”. ألقت الشرطة القبض عليه، ووضعت يديه في القيود، ثم بدأ يقول للشرطة: “الشرطة ملامة على السماح للمسلمين بتفجير الأبنية في هذه البلاد”.
نجا السائق من الرحلة الدموية التي بدأت بالسلام عليكم، وانتهت بصدمة وحالة خوف من تكرار هذه العملية، ودفع به الأمر إلى نقل عائلته من مانهاتن إلى بوفالو . وأفادت تقارير إخبارية أن جريمة ميشيل إينرايت تصنف ضمن جرائم الكراهية . وخلال التحقيق أدعى إينرايت أن الأمر حدث تحت تأثير الخمر، إلا أن المحقق وجد في صفحات من مفكرته اليومية عبارات نذكرها: “إنهم قتلة، جاحدون للمساعدة التي عرضت عليهم، ومجرمون قذرون عديمو الضمير”.

بعيداً من التوقعات
يشير الكاتب إلى أن المناخ السياسي والاجتماعي لعام 2010 كان ناضحاً بتعابير الكراهية . فبعد تسع سنوات من 11 سبتمبر ،2001 توقع الكثير أن المشاعر المعادية للإسلام كانت في تراجع، إلا أن الأمر لم يكن كذلك، فقد ازداد العداء للإسلام والمسلمين بحسب الكثير من التقارير والإحصاءات عن عدد من مراكز الأبحاث . في عام ،2001 أظهرت التقارير أن آراء 59% من الأمريكيين كانت إيجابية تجاه المسلمين بعد شهرين فقط من التفجيرات الإرهابية في 11 سبتمبر، إلا أن الأمور بدأت تتغير في السنة التالية، على الرغم من أن أعمال العنف من قبل المجموعات الإسلامية المتطرفة كانت قليلة . في عام ،2002 أظهر تقرير للإف بي آي أن جرائم الكراهية تجاه المسلمين ازدادت بنسبة 1600%، ففي عام 2000 سجلت 28 حالة، أما في عام 2002 فقد وصل الرقم إلى 451 حالة، وفي عام ،2004 واحد فقط من كل أربعة أمريكيين تحدث بإيجابية عن الإسلام . ووفقاً لمركز بيو للأبحاث في العاصمة الأمريكية واشنطن، فإن 46% من الأمريكيين اعتقد أن الإسلام يشجع على العنف أكثر من أي دين آخر . ولم تكن هي مؤسسة الأبحاث الوحيدة التي سجلت هذا الاتجاه السلبي الصاعد تجاه المسلمين، ففي السنة التالية، أفاد تقرير لشبكة “إيه بي سي نيوز”أن 43% من الأمريكيين لايزالون يعتقدون أن المسلمين لايكنون الكثير من الاحترام للشعوب التي تدين بدين آخر . وبحلول عام 2005 قرابة 6 من 10 أمريكيين اعتقدوا أن الإسلام دين يشجع على العنف .
بعد الحرب على العراق بأربع سنوات أجرت صحيفة “واشنطن بوست”استطلاعاً أظهرت فيه أن نصف الأمريكيين ينظرون بطريقة سلبية إلى الإسلام، ومع حملة الانتخابات الأمريكية في ،2008 والتي تسلم فيها باراك حسين أوباما، الكيني الأصل، الذي أصبح الاسم المتوسط له (حسين)، وهو اسم إسلامي، هدفاً سهلاً لمروجي الروايات المعادية للمسلمين، وقد عززوا الصورة التي أظهرت أن ديانته الأصلية أي الإسلامية تعد لطخة في سجله، وأنه لايزال يدين بالإسلام، وأي زيارة له لأي مسجد كان كافياً لإثارة زوبعة من الانتقادات من معارضيه .
ويشير الكاتب إلى أن تقريراً آخر لمركز بيو للأبحاث في واشنطن في 2008 في أوروبا، أظهرت أن الآراء الإيجابية كانت قليلة تجاه المسلمين، وأن نصف الإسبان والألمان لهم آراء سلبية، في حين 46% من البولنديين و38% من الفرنسيين شعروا بالشيء نفسه .
وبحسب التقارير الأخيرة أيضاً من مركز بيو للأبحاث فإن اليمين الأمريكي يجد أن المسلمين غرباء على أرضهم وأن قيمهم وثقافتهم لا تمت إليهم بصلة، خاصة أن ما يقارب 65% من المسلمين في أمريكا هم من الجيل الأول للمهاجرين، كما في فرنسا تبين أن ثلثي المهاجرين الجدد هم من المسلمين وفي بريطانيا ربعهم، وتعدّ هذه الأرقام خطرة لمتشددين مثل ميشيل إينرايت، حيث يرون الأمر على أنه يشكل تهديداً لثقافتهم وقيمهم .

تعميم الصور النمطية
يستشهد الكاتب بمقال للكاتب دانيال بايبس، وهو معلق سياسي أمريكي محافظ، يعدّه البعض جدّ الإسلاموفوبيا في الولايات المتحدة، في مقاله يوضح تقاطع العنصرية المعادية للمهاجرين والإسلاموفوبيا قائلاً: “إن المجتمعات الأوروبية الغربية غير مهيّأة للهجرة الهائلة للشعوب من البشرة السمراء الذين يطبخون أطعمة غريبة ولا يلتزمون تماماً بالمعايير الجرمانية للنظافة الشخصية . . كل المهاجرين يجلبون معهم عادات ومواقف غريبة، لكن العادات الإسلامية هي إشكالية أكثر من غيرها . كما يظهرون على أنهم يظهرون مقاومة ورفضاً لكل اندماج”.
إلا أن الكاتب يفند ما كتبه من خلال توضيح التاريخ الأمريكي الذي لم يكن تبرز فيه أية جماعة دينية ولا استحكم به أي نظام اجتماعي أساسي أو كانت هناك قيم ومعتقدات أخلاقية معينة، وبالتالي سيكون من المستحيل الإدعاء بأن المسلمين أو أي جماعة دينية أخرى سيرفضون شيئاً ما، طالما أن المجتمع يتسم بالتنوع الذي نشأ في تكوينه من وفود المهاجرين من مختلف أصقاع الأرض .
يقف الكاتب على تأثير الأزمة الاقتصادية في خلق أجواء من التوتر الاجتماعي بين الجاليات المهاجرة والسكان الأصليين الذين يعتقدون أن المهاجرين يستولون على فرصهم في العمل ويخفضون من أجور العمال، وقد تشكلت المشاعر المعادية تجاه المسلمين مع الأزمات الاقتصادية منذ عام ،2000 خاصة أن أغلبية المهاجرين من الدول المسلمة أعدادهم في تزايد . ويشير الكاتب إلى أن اليمين استغل هذا الجانب، خاصة أنه يعرف سلطة الخوف، وبالتالي جيّر الأوقات غير المستقرة لمصلحته، بالتحديد في قضية المجمع الإسلامي بارك ،51 وبناء مسجد غراوند زيرو، حيث نشأت منظمات معادية للمسلمين والدين الإسلامي .
بعد مقتل زعيم القاعدة أسامة بن لادن على يد القوات الأمريكية في أبوت أباد في باكستان، كان هناك اعتقاد أن المشاعر المعادية للمسلمين سوف تنخفض، إلا أن الأمر ظهر عكس ذلك بحسب التقارير الأخيرة خلال ،2012 فحسب تقرير لل”سي إن إن”ظهر أن نصف الشعب الأمريكي لا يشعر بالراحة من ارتداء النساء للبرقع، أو أن يتم بناء مسجد في منطقتهم، أو أن يصلي رجل في مطار . وما يقدر ب 41% من الأمريكيين قالوا إنهم لا يشعرون بالراحة إذا ما كان مدرّس أطفالهم مسلماً .

صناعة مختلفة
يتساءل الكاتب عن الأسباب التي تقف وراء هذه الزيادة المستمرة في تأجيج المشاعر المعادية للمسلمين في العالم، ويستغرب من حالة عدم الثقة والكراهية المتصاعدة تجاه المسلمين على الرغم من مرور عقد من الزمن على أحداث الحادي عشر من سبتمبر .
ويشير إلى أن موجة من الإسلاموفوبيا التي هزت مشاعر العامة الأمريكيين هو نتاج الاتحاد المتماسك والرصين لليمين الأمريكي . فمنذ اصطدام الطائرتين ببرجي التجارة العالميين، وهم لايتوانون عن إقناع المواطنين بأن المسلمين يشكلون تأثيراً خطراً في الغرب . ويرى أن المدونين المتشددين، والسياسيين العنصريين، ورجال الدين الأصوليين، ومثقفي شبكة “فوكس نيوز”الإخبارية، والصهاينة المتدينين، يسهمون في صناعة الكراهية تجاه المسلمين أو ما يسمى الإسلاموفوبيا .
يجد الكاتب أن صناعة الإسلاموفوبيا تختلف عن الصناعات الأخرى التي تصنع منتجاتها تحت مظلة متحدة، حيث هي ديناميكية ومرنة أكثر، مع أجزاء متحركة غير متصلة بفرع واحد . ويشير إلى أن مموليها لايزالون سائرين في الطرق نفسها ومترابطين بأشكال متعددة . ويشرّع كل منهم عمل الآخر، كما أن صناع الإسلاموفوبيا سخّروا قوة الإنترنت لتوسيع شبكاتهم الصغيرة في المنظمات الوطنية والإقليمية والعالمية . وغالباً ما تتطور المجموعات الصغيرة وتخرج بخطابات معادية للمسلمين على مر الزمن، وأخيراً تنتج أرباحاً مفاجئة، تعمل تحت القيادة نفسها أو المشابهة لها . ومن هذه المنظمات: أوقفوا أسلمة أمريكا، وهي مجموعة نشطاء إسلاموفوبيين انطلقت على يد المدونة باميلا غيلر، وهؤلاء شكلوا لهم فرعاً من المنظمة في أوروبا باسم “أوقفو أسلمة أوروبا”. تلعب هاتان المجموعتان دوراً كبيراً في تأجيج المشاعر المعادية للمسلمين، ووحدا جهودهما في إيقاف مشروع بناء مركز إسلامي في نيويورك بالقرب من مركز برجي التجارة العالميين . وفي عام ،2011 اندمجت المجموعتان في مجموعة “أوقفوا أسلمة الدول”.
يرى الكاتب أن العلاقات المالية تلعب دوراً كبيراً في هذه الصناعة، فالعلاقة بين العامل ورب العمل توضحت في الرابط بين المدون والكاتب الأمريكي روبيرت سبنسر ومديره ديفيد هورويتز، حيث خلق بيئة موائمة للمشاركة بشكل فعال في الأحاديث الإسلاموفوبية، ويتلقى من جراء ذلك راتباً شهرياً، أي أن الأمر بالنسبة إلى سبنسر هي قضية ربحية أكثر مما هي نابعة عن قناعة .
يكتب روبرت سبنسر يومياً صفحة الافتتاحية في مدونة باسم “جهاد ووتش”التي يديرها بشكل مستقل، وهي تابعة لمركز ديفيد هورويتز للحرية، ويعتبر منبراً لحركة مكافحة الجهاد في العالم، والنظرة إليها في العصر الحديث . هورويتز يصفها بعبارة: “صغيرة إلا أنها عائلة فعالة بشكل واضح”.
في رأي الكاتب أن من يسهم في صناعة الإسلاموفوبيا عبر شراء منتجاتها، يفعل ذلك لأنهم يحتاجون بعض الشيء إلى المنتج، وهؤلاء الذين يمولون الإسلاموفوبيا ليسوا مختلفين، حيث تقف وراء أشخاص مثل روبيرت سبنسر وديفيد هورويتز شخصيات أيديولوجية ضبابية للغاية، ترى أن ترويج المشاعر المعادية للمسلمين ضرورة لتمكينهم من وضع يدهم العليا في حرب كونية يخوضونها على بعد آلاف الأميال في الضفة الغربية .
يجد الكاتب أن أنصار “إسرائيل”المتشدّدين في مسعاهم للتوسع في الأقاليم الفلسطينية، هم في الأغلب أنصار أساسيون لما يمكن أن يسمى “الملاكمة الثقافية الزائفة”التي تنشرها صناعة الإسلاموفوبيا . وهؤلاء يجدون أنه كلما زاد العداء للإسلام والمسلمين في العالم، دفع ذلك إلى خلق جو تصبح فيه المقاومة أقل مع السياسات “الإسرائيلية”تجاه الفلسطينيين . ويبين أن هؤلاء الداعمين ل”إسرائيل”والمروجين للمشاعر المعادية للمسلمين، بغض النظر عن معتقداتهم السياسية والدينية، إلا أن محافظهم تمتلئ على نحو كبير.

الإدارات الأمريكية أشاعت الخوف من الإسلام لتبرير حروبها في الشرق الأوسط
يشير الكاتب في الفصل الأول من الكتاب بعنوان “وحوش بيننا: تاريخ من زرع الخوف في أمريكا”إلى أن الأنظمة الأمريكية حاولت استخدام الخوف لإقناع مواطنيها بفكرة معينة، ولتحقيق غايات ومصالح الفئة المتحكمة، ولم يكن هذا النمط مرتبطاً بالدين الإسلامي أوالأحداث الإرهابية، التي قام بها متطرفون إسلاميون من القاعدة وغيرها، بل كان موجوداً خلال الحرب الأهلية، وفي فترة التوسع، وحتى في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وفي الحرب الباردة تم ترويج الخوف من نفوذ الشيوعيين، وفي العقدين الأخيرين عملت الإدارات الأمريكية على إشاعة الخوف من الإسلام والمسلمين لتبرير حروبها في الشرق الأوسط، والعمل على عسكرة المدن والمجتمعات .

إثارة الأحقاد
يقف الكاتب في الفصل الثاني بعنوان “شبكة الاحتيال: إثارة الكره على الإنترنت”على بعض التفاصيل التي قام بها بعض رؤساء الحركات والمنظمات المعادية للجهاد والإسلام خلال طرح الآراء العنصرية التي روجوها عبر الإنترنت، وحققوا أرباحاً بعد حصولهم على منح من منظمات إيديولوجية تشوه سمعة المسلمين وتضعهم في خانة النبذ الاجتماعي والسياسي والثقافي .
يوضح الكاتب بشكل كبير كيف أن نقرة زرّ على صورة أو مقطع مصور أو مشاركة في نقطة نائية من العالم، يمكن أن تتحول إلى قصة كبيرة، وتسبب كثيراً من اللغط أو حتى التظاهرات . ومن أهم الشخصيات التي تنشر الكثير من المشاركات على الإنترنت وتتم متابعتها ومناقشتها على صعيد واسع: روبيرت سبنسر، ودانييل بايبس، ومارتن كرامير، وباميلا غيلر، التي كتبت الكثير عن محاربة الجهاد الإسلامي وبناء المساجد في الولايات المتحدة ومن إحدى مشاركاتها على الفيسبوك: “في عام ،1944 وقف الأمريكيون في وجه شر النازية . وقد حان الوقت اليوم ليقف الأمريكيون في وجه شر إرهاب الجهاد الإسلامي والتعالي الإسلامي”.
ويعلق الكاتب على روبيرت سبنسر، الذي صنف الثاني في موقع غوغل عند البحث عن كلمة “جهاد«، وقد بلغت عدد مشاركاته على مواقع التواصل الاجتماعي أكثر من ثلاثين ألف مشاركة، وتعتبر كتبه من أكثر الكتب مبيعاً .
 تربى سبنسر في بيت كاثوليكي، بدأ بالإطلاع على أصوله التركية من جديه اللذين وصلا الولايات المتحدة بعد فترة قصيرة من الحرب العالمية الأولى، واهتماماته بالإسلام بدأت في أوائل الثمانينات، ونشر عقب إطلاق موقع “جهاد ووتش”بسبع سنوات خمسة كتب عن الإسلام، ويرى أن سبنسر حصل على فرصته في الشهرة وفي الوصول إلى عدد كبير من القراء الأمريكيين، بسبب جهل القراء بالتاريخ الإسلامي والتقاليد الإسلامية، فضلاً عن عدم معرفتهم باللغة العربية التي نزل بها القرآن .
ويشير الكاتب إلى أنه على الرغم من عدم معرفة سبنسر واطلاعه على الدراسات الإسلامية أو حقول العلوم والمعارف المتصلة بها، إلا أنه تناول هذا الموضوع، ومما كتبه سبنسر: “طلبوا مني بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول أن أكتب كتابي الأول (إزاحة الستار عن الإسلام) بغية تصحيح بعض إساءات الفهم التي كانت شائعة عن الإسلام في ذلك الوقت”. وقد اعتمدت العديد من المجلات والدوريات الكاثوليكية على كتبه في فهم الدين الإسلامي والتعامل معه، وهو في ما يطرحه يعزز جانب الخوف لدى القراء، ويحذر من حدوث هجمات إرهابية أكثر .
يستعرض الكاتب آراء العديد من العلماء وأساتذة الجامعات المرموقين والمتعمقين في الدراسات الإسلامية، حيث رفض هؤلاء كتاباته، ومن ضمنهم كارل إيرنست، وهو أستاذ جامعي متميز في الدراسات الإسلامية وكان مع سبنسر في الدراسة، ومما قاله حول كتابات سبنسر: “إن ما ينشره سبنسر يصنف في خانة التطرف الإسلاموفوبي، الذي روجته ودعمته منظمات اليمين الأمريكي، التي تمارس نوعاً من التشدد أشبه ما يكون بمعاداة السامية والتمييز العنصري”.

الفوضى الإعلامية
في الفصل الثالث بعنوان: “الفوضى الإعلامية: بث الجنون المعادي للمسلمين”يشير الكاتب إلى أنه في أي صناعة يعتبر الإعلان من الإجراءات الأساسية التي تقود إلى نجاح المنتج والوصول إلى المستهلكين أو المستهدفين بالصناعة . وفي صناعة الإسلاموفوبيا يذهب الأمر إلى حدود أكبر من ذلك لإيصال الرسالة إلى العامة بشكل واضح . والاختلاف، مع ذلك، هو أنه في العديد من الحالات، الشبكات ذاتها التي تنشر منتجهم هم أنفسهم من المشاركين فيها لإثارة وإشاعة الخوف العام من المسلمين . فهذه العلاقة ليست علاقة بائع ومشترٍ، حيث الشخصيات المتعددة التي تبيع الخوف تشتري أماكن على الشبكات التلفزيونية الأساسية لترويج بضاعتهم . بالأحرى هي علاقة المنفعة المتبادلة، حيث الإيديولوجيات والميول السياسية تتلاقى لتقدم الأجندة نفسها . ويرى الكاتب أن محطة التلفزة الأمريكية “فوكس نيوز”التي تجد نفسها على أنها “منصفة ومتوازنة”هي خلاصة هذه العلاقة . حيث كانت في أغلب سنوات العقد الأخير في قلب لعبة ترويج الإشاعات حول الإسلام، وأخيراً أصبحت موطن عدد كبير من نشطاء الجناح اليميني الذين كانوا متواجدين بانتظام على موجاتها الهوائية لدفع الصور النمطية عن المسلمين إلى الواجهة .
ويشير الكاتب إلى استطلاع معهد بروكينغز الذي أجري حول القيم الأمريكية في سبتمبر/أيلول ،2011 حيث وجد أن قرابة الثلثين من الجمهوريين، الذين يعرفون بحزب الشاي، والأمريكيين الذين يثقون إلى حد كبير بشبكة “فوكس نيوز”وجدوا أن القيم الإسلامية تتعارض مع القيم الأمريكية، بالإضافة إلى أن قرابة ستة من عشرة من الجمهوريين يقولون إنهم يثقون “بشبكة فوكس نيوز”ويقولون أيضاً إنهم يعتقدون أن المسلمين الأمريكيين يحاولون فرض الشريعة الإسلامية على الولايات المتحدة . وعلى النقيض من ذلك، تتلاءم آراء ومواقف الجمهوريين الذين يشاهدون شبكات أخرى للأخبار مع أغلب السكان .
كما يناقش آراء العديد على شبكة فوكس نيوز، ممن استضافتهم الإعلامية لورا إنغراهام مثل ديزي خان المديرة التنفيذية للمجتمع الأمريكي للتقدم الإسلامي، وهي زوجة الإمام فيصل عبد الرؤوف، الذي كان يقود مبادرة بناء المركز الإسلامي بارك 51 في نيويورك، وحينها قالت إنغراهام “إن ما بادرت به خان وزوجها في ما يتعلق بالمركز الإسلامي هو محل إعجابها، ولا يمكن أن يسبب ذلك من مشكلة لأي من الناس«، إلأ أنها في وقت لاحق على شبكة “آي بي سي”نيوز صرحت بما ينافي ذلك .
يجد الكاتب أن أغلب النقاشات حول دور الإعلام في صناعة وترويج الإسلاموفوبيا تميل إلى تناول الموضوع من جانب واحد تتكاتف وتنسق جهود شبكات التلفزة مثل “فوكس نيوز”ومجموعة إيديولوجية من الخبراء الذين يعملون على نشر وترويج الصور النمطية عن الإسلام والمسلمين وإزالة كل الصور الإيجابية .

البعبع المعاصر
يشير الكاتب في الفصل الخامس بعنوان “عن السياسة والنبوءة: تحالف اليمين المناصر ل “إسرائيل«”إلى أن الصهاينة المتدينين يرون أن أرض “إسرائيل”لابد أن تطهر، ولا يقدمون أية تنازلات لمن يعيق خططهم المقدسة كما يصفها الكاتب، وأنهم لايرحبون بأية ديانات أخرى، رافضين كل أشكال التعدد الديني والثقافي، حتى أن العلمانيين غير مرحب بهم في الأرض المقدسة . ويتناول بشكل رئيسي آراء المحامي اليهودي الأمريكي المحافظ ديفيد يروشالمي .
يجد الكاتب أن قضية “إسرائيل”ليست بعيدة عن قضية الإسلاموفوبيا، حيث صناعة الإسلاموفوبيا مؤلفة من تحالف من أعضاء العديد من ظلال اليمين المناصر ل”إسرائيل«، وعلى الرغم من الاختلافات في الأسباب لأجل حملاتهم العدائية بحق المسلمين، إلا أنهم في الحقيقة متواجدون في المعسكر المناصر ل”إسرائيل”والمعادي للمسلمين . وبالنسبة للصهاينة المتدينين تشكل النبوءة الحافز الرئيسي لتأجيج الإسلاموفوبيا . والفلسطينيون في رأيهم ليسوا فقط سكاناً غير مرغوب فيهم، فهم ليسوا عرباً فقط في الأرض اليهودية، بل ليسوا مسلمين حتى، يرونهم أنهم المستقطعون من ثوب آخر، ويشيرون إلى أن كلام الله واضح تماماً في هذا الشأن . وكذلك يبسّطون لغتهم المتعلقة بالإسلام والمسلمين في حديث ديني يدعم عودة اليهود إلى الأرض المقدسة كمقدمة إلى العودة الثانية للمسيح .
يبين الكاتب أن هنالك من يدعم “إسرائيل”من جانب ويعادي المسلمين من جانب آخر، وهذه المعاداة والمحاباة تأتي من منشأ سياسي . فالعلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة و”إسرائيل«، على سبيل المثال، ترشد وجهات نظرهم العالمية المتشددة، وسواء كان الأمر غرورهم شبه القومي أو مخاوف على استقرار الشرق الأوسط، فإن الإسلام جاء ليجسد في أذهانهم تهديداً بعيد المدى ولاتحده حدود، ويسعى إلى عرقلة ضمانات المشهد السياسي الحالي . وحوافزهم الإيديولوجية المختلفة، تتلاقى مع رؤية اليمين المناصر ل”إسرائيل”التي ترى “إسرائيل”مهددة من التوسع الإسلامي، والسياسيون في الداخل “الإسرائيلي”يسعون إلى تعزيز الأجندة القومية لتخويفهم من السيناريوهات المرعبة . في الماضي، كان الموقف المعادي للشيوعية والمعارضة الشديدة لنمو القومية العربية هو الذي منح ““إسرائيل”دعماً غربياً قوياً، إلا أنه، اليوم، جاء الإسلام ليحل مكان المخاوف القديمة ويصبح البعبع المعاصر كما يصفه الكاتب .
يشير الكاتب إلى أنه عندما شعر الأمريكيون بالصدمة من تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، لم يستوعبوا بشكل كامل أن الأحداث قد حدثت أمام أعينهم، في حين كانت العديد من الأوساط “الإسرائيلية”أقل اندهاشاً . وهنا يورد الكاتب ما كتبه الصحفي دوف غولدستين في صحيفة “معاريف”“الإسرائيلية”الصادرة في تل أبيب: “إن “إسرائيل”تقاتل الإرهاب منذ أكثر من مئة سنة”ويكمل في مكان آخر: “ليس هناك من بلد في العالم وقف في وجه الإرهاب فترة طويلة كهذه وبحزم شديد . إن “إسرائيل”لاتحتاج أحداث الحادي عشر من سبتمبر الدموية، فحرب “إسرائيل”على الإرهاب بدأت بفترة طويلة قبل أن تندب الولايات المتحدة ضحايا الإرهاب”.

عواقب الإسلاموفوبيا
يتحدث الكاتب في الفصل السادس بعنوان “إلى واشنطن ومابعدها: الإسلاموفوبيا كسياسة حكومية”عما يسمى (الحرب على الإرهاب) التي أطلقها الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش بعد أحداث 11 سبتمبر على الفور، حيث حرّض على الإسلاموفوبيا إلى أكبر درجة ممكنة، ورسخ في أذهان اليمين السياسي الأمريكي والشعب الأمريكي على حد سواء فكرة أن الدول التي غالبيتها مسلمة، مشكوك في أمرها وتحمل الكثير من الخطورة والتهديد على أمنها وقواتها المنتشرة في العالم، وقد قال بوش بوضوح في كلمة له في أغسطس/ آب 2006: “إن هذه الدولة (الولايات المتحدة) في حرب مع الفاشيين الإسلاميين«، بعد أن سبق وقال في 2001 إنها “حملة صليبية«، حيث حملت هذه الكلمة مدلولات دينية، وذهب بوش فيما بعد إلى توضيح الفرق بين “المسلمين الأخيار”و”المسلمين الأشرار”بحسب الكاتب الأمريكي- الأوغندي محمود معمداني، الذي كتب حول هذا الموضوع في مقال، ثم طوره إلى كتاب كامل .
ويذكر الكاتب أن الحملات العسكرية الأمريكية في كل من أفغانستان والعراق بينت أن هناك موجة مستمرة من الأخبار السيئة بالنسبة للأمريكيين في كل نشرة مسائية في القنوات الأخبارية، سواء كان مقتل جنود أمريكيين بتفجير انتحاري أو انفجار قنبلة، أو هجمات أخرى من شأنها أن تزهق أرواح الجنود الأمريكيين .
وبعد ثماني سنوات من الخطاب الإعلام التجييشي لإدارة بوش، حاول خلفه باراك أوباما أن يبتعد عما روجه بوش في ما يتعلق بالإسلاموفوبيا، إلا أن الأمر لم ينجح معه، فقد كان الضرر قد ألحق بالشعوب والدول وأغلب من يدين بالدين الإسلامي .
في الفصل السابع والأخير من الكتاب بعنوان: “عبر المستنقع: تأثيرات الكره القاتلة في أوروبا”يتحدث عن تأثير الأعلام الذي يعزز الإسلاموفوبيا وزينوفوبيا (كره الأجانب) التي تعتبر من أكثر مظاهر التمييز العنصري في أوروبا، وقد تركت آثاراً قاتلة فككت التماسك المجتمعي، وساهمت في خلق فجوات في الدول التي كانت تحارب كل شكل من أشكال المعاداة على أساس العرق أو الدين أو الجنس .
ويستعرض الكاتب شكل التأثير في بعض المجتمعات الأوروبية، ومن أهمها النرويج، التي تتمتع بمستوى عالٍ من الرفاهية مقارنة مع بقية الدول الأوروبية إلى جانب السويد والدنمارك، ويورد الحديث عن المتطرف المسيحي من اليمين المحافظ النرويجي أندريس بيهرينغ بريفيك، الذي ارتكب مجزرة بحق شباب من حزب العمل الحاكم في معسكر بالقرب من أوسلو في ،2011 وهو أحد إفرازات آلة الإعلام الغربية التي تهاجم الإسلام والمسلمين والمهاجرين، وقد شكلت المجزرة التي ارتكبها بريفيك صدمة في الأوساط الأوروبية، وبالتحديد الاسكندنافية . ويشير الكاتب إلى أنه لم يكن هناك مكان للمسلمين في وجدان وعالم بريفيك المريض، وفي اعتقاده أن المسلمين سيسيطرون على القارة الأوروبية من خلال الهجرة، وأنهم سيبدأون بالقضاء على العرق الآري الأبيض، ويجعلونه شيئاً من الماضي، وكان مهووساً بالإحصاءات التي أثرت فيه، حيث كان بريفيك يذكر أن عدد المسلمين سيزداد في أوسلو كما تركيا وكشمير وكوسوفو ولبنان . كما كان بريفيك قد تأثر بكتابات روبيرت سبنسر، ووصفه بأنه يستحق أن ينال جائزة نوبل عن كتاباته .
يرى الكاتب أن كتابات المدونين المعادية للإسلام قد جذبته، وقد ساعد في هذا الجذب والإعجاب تلك الأرضية الهشة في أوروبا، التي ساعدت على تحويل هذه الأفكار إلى أفعال عنيفة معادية، حيث كانت أوروبا ممتلئة بالمشاعر المعادية للمسلمين والتقاطع الحاد بين الدين والسياسة قد حفر جروحاً عميقة في النسيج الاجتماعي لمجتمع متنوع لكنه بشكل كبير مقسم .

المسلمون على خط النار
يرى الكاتب أن الإسلاموفوبيا في أوروبا لم تكن مثل الإسلاموفوبيا في الولايات المتحدة أو أي مكان آخر . فلها طعمها المختلف، ومع ذلك فهو لاذع وقوي على حد سواء، وفي العديد من البلدان قاد الخوف من الإسلام والمسلمين إلى مأسسة السياسات الحكومة التمييزية على نحو كبير . ولم تكن المشاعر المعادية للمسلمين مشاعر بين أجزاء معينة من السكان . بل كانت تطبق بشكل عملي برعاية حكومية بهدف تشويه قصص التعدد الثقافي، التي أخذت شكلاً معيناً مع وصول السكان المهاجرين واسترجاع عنفوان أوروبا المسيحية البيضاء .
في ،2009 حظرت الحكومة السويسرية المنارات وأبراج المساجد، على الرغم من أن الدستور السويسري يضمن حرية الدين، وعلى الرغم من حقيقة استمتاعها الطويل بالانسجام الديني إلا أن اللاعبين السياسيين رأوا في تلك المنارات والأبراج تهديداً سياسياً على أمن بلدهم . وبعد ذلك بسنتين سنت الحكومة الفرنسية سياسة إشكالية مشابهة لها، تحظر فيها ارتداء المسلمات الحجاب بشكل كامل، والقرار كان الأول من نوعه في فرض تقييدات على الثوب الشخصي، وفي الوقت الذي كان حظر المنارات فيه رمزياً فقط، إلا أن بعض المسلمين اعتبر أن الحجاب هو التزام ديني، وتلقى هذا الإجراء ترحيباً في البرلمان الفرنسي . ويقدر عدد المسلمين في فرنسا ب 10 % من الفرنسيين .
بعد فرنسا، سنت بلجيكا قانوناً منعت فيه ارتداء الحجاب في المؤسسات الحكومية والعامة، وقد سنّ بشكل كامل في يوليو/ تموز ،2011 وكانت ذروة صراع البلاد الطويل مع الهجرة والهوية، والبلجيكيون لايختلفون عن جيرانهم الأوروبيين في حملهم الصور السلبية عن الأجانب .
يجد الكاتب أن المسلمين يواجهون خطراً وتهديداً حقيقيين في أوروبا إزاء السياسات الحكومية التي تنتهجها، وتعزز الصور النمطية السلبية عن الإسلام والمسلمين، وتخلق هوة سحيقة بينهم وبين المنتمين لأديان وطوائف أخرى، خاصة أن عدد المسلمين قد ازاد من 30 مليوناً في 1990 إلى 44 مليوناً في 2010 . ويتوقع إذا ما استمرت هذه السياسة أن تزاداد حالات العنف ويقود إلى مزيد من التوتر في بينان المجتمع الأوروبي وقيمه الأصيلة .
يجد الكاتب في النهاية أن الإسلاموفوبيا مشروع متنام، وأن خلق حالة الخوف هذه تخلف آثاراً مدمرة على المجتمع، والسياسيون يتلهفون إلى إحداثها والاستفادة منها، ويرى أن هؤلاء مجموعة صغيرة إلا أن نطاق تأثيرهم كبير، وعواقب برامجهم تحدث كراهية للمسلمين ضمن مجموعات ضعيفة من الناس، الذين يستمعون لآلتهم الإعلامية، وهم بذلك يحقنون المجتمعات الأوروبية والأمريكية بجرعات من السم القاتل، الذي من شأنه أن يهلكهم في الفترة المقبلة .
يحث الكاتب القراء والساسة الغربيين على ضرورة مواجهة ومقاومة كل من يقطّع المجتمعات الإنسانية إلى كتل وأقليات مختلفة، ويحرضونهم ضد بعضهم بعضاً، وكل من يقامر بحرية الآخرين من أجل تحقيق الربح أو المنفعة السياسية . ويرى أنه مع التقدم المستمر للسياسات العنصرية فإن المعركة سوف تصبح أصعب، والرهانات أعلى، ومخاطر التصعيد تصبح حقيقية أكثر، وتترسخ حالات التمييز بعمق . ويرى أنه فقط بحماية الأفراد والمجتمعات بعضهم بعضاً من أي تقسيم عنصري، ورفض الوقوع كضحايا لحركات تهدف إلى عزل المسلمين واضطهادهم في الولايات المتحدة وأوروبا وفي كل مكان في العالم، لا يمكن أن يكون للإسلامافوبيا أي تأثير ووجود.

صحيفة الخليج

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى