‘ظِلّ متحجر لطائر لا يهدأ’ قصص تغوص في الفلسفة

 

تترك قراءة المجموعة القصصية للقاص الجزائري عبدالرزاق بوكبّة والتي تحمل عنوان “ظِلّ متحجر لطائر لا يهدأ” سؤالاً هو، هل يمكن أن تغوص القصة القصيرة جدا في حقل الفلسفة لا تتأخر الإجابة كثيرا حينما نعلم أن المساحة التي توفرها القصة القصيرة جدا، أو كما أسماها القاص “القصة القصيرة كثيرا”، تقوم على مثلث الكثافة والاختزال والصورة كأضلاع متساوية لتقديم النص الخالص المصفى، بمعنى النص الذي يتخفف من الثرثرة والزوائد والإطالة، كسمات وخصائص تجوهر النص.

وهذا واحد من الجوانب الشكلية الذي يحوزه النص ويسعى له الكاتب بإدراك عميق لمفهوم القصة القصيرة جدا ومراميها بوصفها مقولة جدلية لا تتوقف عند التصوير والوصف، وإنما تعاين أفكارا طالما أنكرتها القصة لمصلحة الصورة واللغة.

في المجموعة التي تقع في 88 صفحة من القطع الوسط، الصادرة عن “الآن ناشرون وموزعون” بعمان، صورة ذهنية تنبش المسكوت عنه لمقارعة أسئلة الفلسفة ذاتها لملامستها بشعرية عذبة تنزع عن الفلسفة ثقلها وتجهمها ووعورتها، وتصيّرها حدثاً يومياً متداولاً بحنكة القاص، وأحياناً باحتيالاته باللعب على اللغة التي ظهرت في مفارقة العنوان، ووصفه للمجموعة بأنها “قصة قصيرة كثيرا” .

إن تلك الفلسفة تتجلى في اختيار عناوين القصص التي جاءت كعتبات مفردة، معرّفة كذوات متعينة بقصد، لتدل على بنية النص وتفاصيله ومغزاه بلا مواربة. ويختار القاص عناوين، مثل: “المفكر، الشاعر، السائح، الكوني، الصوفي، الكاتب، الفلكي،.. “، وهي أسماء وصفات تحيل للمعنى المباشر للبطاقة التعريفية لبطل القصة التي تحرض المتلقي على معرفة التفاصيل، فالعنوان هنا يمثل شركا وفخا للدخول إلى القصة.

ويقول الناقد عبدالله المتقي: إن هذا النمط من الكتابة “يؤثر في المتلقي أكثر مما يؤثر في السامع، لأن الإيحاء المقصود هو أسلوب استفزاز بنمط الكتابة كما في الفنون البصرية”.

ويضيف المتقي: هذه المجموعة “تشن حربا عن قصد على الذات والواقع، لتحكي لنا عن الواقع الساخن وأجوائه، حيث تتفاعل ثيمات كبرى وحساسة.. في أعماق الذات والخارج”.

في قصص بوكبّة رغم صِغَر مساحة القصة وحجمها وعدد كلماتها انفتاح على القضايا الكبرى والكون كما يتراءى في متخيل أبطالها وإيماءاتهم وأسئلتهم وصمتهم أحيانا، وهي إشارات يقولها القاص برشاقة الومضة وقصف الرعد وشعاع البرق الذي يضيء ما حول الإنسان فيرى المشاهد كحركة سينمائية لشريط فيلم يمضي بسرعة.

ومن أجواء المجموعة:

“المستقبلي”:

تسلق قامته حافيًا

وحين بلغَ مخّه، أداسَ على خلايا الحنين.

ومن “الكوني”:

ذَرَعَ المدينة نائمًا، وهو يحلم بأن يذرَعَها صاحيًا، كي يقارنَ بين وشم جدّته، وزرقة البحر

ثم يقيم في الاختلاف.

صدر للمؤلف “من دسّ خُفَّ سيبويه في الرّمل؟”، نصوص، 2011، “أجنحة لمزاج الذئب الأبيض، وتليها فصول الجبّة”، نصوص، 2008، “جلدة الظل: من قال للشمعة أف؟”، رواية، 2009، “عطش الساقية: تأمّلات عابرة للقار”، رحلات في المكان والإنسان، 2010، “نيوتن يصعد إلى التفاحة”، تأمّلات في المشهد الثقافي الجزائري، 2012، “ندبة الهلالي: من قال للشمعة أحْ؟” رواية، 2013. “يبلّل ريق الما”، تجربة زجلية، 2013، “الثلجنار”، تجربة زجلية مشتركة مع عادل لطفي، المغرب، 2014، “وحم أعلى المزاج”، سيرة نصّ قبل الكتابة، 2015، “كفن للموت” قصص، 2015، “يدان لثلاث بنات” سيرة، 2017، “ظلّك فليل الغابة شجرة”، تجربة زجلية، 2018.

 

 

ميدل إيست أون لاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى