عبد الله الخاني : الشاهد !!! (3)

الوزير والدبلوماسي عبد الله الخاني في الحلقة الثالثة من حوار مطوّل وحصري وخاص لـ «الوطن»: الشعب كان يصفق لكل انقلاب فهو لم يتأهل للديمقراطية … معرفتي بالغرب تجعلني متشائماً حيال ما يجري والمستقبل نفق مظلم.

بين القصر الجمهوري والخارجية أمضى عبد الله الخاني أيامه قبل الوحدة وفي أثنائها، فكان في سفارات الجمهورية العربية المتحدة في إسبانيا وبلجيكا وتركيا.. وعندما وقع الانفصال لم يؤيده، وبقي قائماً بالأعمال بسبب الانتماء الحزبي، وهو يصرح لأنه لم يكن متحزباً، وكانت سفارته في باريس ليصبح بعد الحركة التصحيحية وزيراً للسياحة، ليؤسس للحركة السياحية، وللفنادق المميزة على المستوى العالمي… ومن رحلته يعتب الخاني على المفهوم الشعبي للديمقراطية، فهو صفق لكل الانقلابات، لأنه يخشى من القوة… ويرى أن الشعب بحاجة إلى تأهيل للعملية الديمقراطية واليوم في غمرة ما يحدث في سورية يقول من تجربته: «إنهم في الغرب يخططون لمئة سنة وينفذون، لذلك أرى المستقبل نفقاً مظلماً».

أنت أين كنت في عهد الوحدة؟

الرئيس عبد الناصر كان يعرفني جيداً، لأنني كنت دائماً برفقة الرئيس القوتلي لأنني كنت في القصر الجمهوري في سورية، أراد أن أنتقل إلى القصر عنده فعرض علي ذلك، لكنني كنت أفضل أن أذهب إلى الخارجية، فرجوت الرئيس القوتلي إن كان بإمكانه أن يدعمني في هذا الموضوع، وفي الحقيقة دعمني، واستجابت الخارجية المصرية رأسا وأعطوني أموراً أكثر مما طلبت، لأنه في الأساس عندما يكون السفير سوريا يكون الشخص الثاني مصرياً أو عندما يكون رئيس البعثة مصرياً يكون الشخص الثاني سورياً، فطلبت أن أذهب مع عبد الرحمن العظم إلى إسبانيا.. ووافقوا، وذهبت كشخص ثانٍ مع عبد الرحمن إلى إسبانيا، بعدها صار خلاف بين موظفي السفارة المصريين في بروكسل، وأخبروا الرئيس عبد الناصر الذي طلب سحبهم كلهم وإرسالي إلى بروكسل، وكان هذا بعد مضي ستة أشهر على وجودي في إسبانيا، وأصبحت في بروكسل قائماً بأعمال الجمهورية العربية المتحدة، ثم أرسلوا بعد مدة سفيراً اسمه صالح خليل وكان أميناً عاماً وبقي له سنتان تقريباً كي يحال إلى التقاعد، وكنا منسجمين جداً في بروكسل، ثم أرسلوا سفيراً بلجيكياً إلى مصر، والذي كان سعيداً جداً بقدومه إليها، فأقمنا له حفلة وداع في بروكسل، وخاصة أنه كان يحلم بالسفر إلى مصر، في هذه الأثناء حدث الخلاف بين بلجيكا والكونغو، والأخيرة كانت مستعمرة من مستعمرات بلجيكا، حيث طردوا البلجيك وكل من كانت بشرته بيضاء، وفي وقتها أخذت مصر جانب باتريس لومومبا الذي قُتل، فأرسلت قوات إلى الكونغو لتدعمه، ولكن الطيار لم يكن يعرف إحداثيات المطار، وظن نهر الكونغو مهبط الطائرات، سقطت الطيارة في نهر الكونغو، ونجا من بها من التماسيح، وبالنتيجة تأزمت العلاقات بيننا وبين البلجيك وقامت مظاهرات تندد بقتل لومومبا وساءت العلاقات جداً بين مصر وبلجيكا، فقطعت بلجيكا العلاقات الدبلوماسية وعدنا إلى مصر، وبعد مدة تمّ نقلي إلى أنقرة.

ما السر ببقائك مع شكري القوتلي وحسني الزعيم والشيشكلي وحتى الانفصاليين، بقيت ولم تتعرض للأذى؟

لكل واحد سببه، مع الرئيس القوتلي ذكرت بأنه أخذني كابن له رغم أنه لم يعرفني أبدا من قبل، وكان دافعه لاختياري للعمل معه كي أتابع نشرات الأخبار بسبب تمكني من اللغتين الفرنسية والإنكليزية، أما مع هاشم الأتاسي نحن وأسرته كنا على معرفة، وبالنسبة لحسني الزعيم لم أكن معه.

نعم لم تعمل معه مكانياً إلا أنه لم يعفك من مهامك؟

صحيح لأن محسن البرازي أصدر مرسوماً بنقلنا كلنا من القصر الرئاسي إلى وزارة الخارجية، وأديب الشيشكلي عندما جاء كنت أنا حصلت على منحة للدراسة، وعند عودتي كان حدث انقلاب ثم عاد هاشم الأتاسي، ولم يكن بإمكاني أن أتركه لأنه لم يبقَ في القصر غيري مع موظف آخر، وضارب آلة كاتبة، وفي تلك الفترة كان الخلاف بينه وبين خالد العظم، الذي كان يرى نفسه أفضل من رئيس جمهورية وأفضل من هاشم الأتاسي نفسه لكنه تبع الرئيس القوتلي بسبب وصية أبيه.

مادمت لم تؤيد الانفصال فلماذا أبقوك معهم؟

وقتها لم أذهب سفيراً إلى الباكستان، وطلبت أن أذهب مع عبد الرحمن العظم لأنني بالأساس كنت أنا وهو صديقين، ولكن تسألني لماذا لم يسرحوني مادمت لم تؤيد الانفصال.؟ ناظم القدسي خال زوجتي، والرئيس شكري القوتلي حضر عقد قراني في حلب، لهذا السبب لم يتم تسريحي، بعدها جاء حزب البعث وبقيت في الخارجية.

بعد لندن أين ذهبت؟

بعد لندن، ذهبت إلى مدريد، بروكسل، أنقرة، لندن، باريس، الأمم المتحدة.

كلها كنت قائماً بالأعمال؟

في فرنسا أرسلوني كقائم بالأعمال ريثما يتم سحب السفير وأنا أحل محله، لأنني كنت برتبة سفير، ولكنني لم أكن سفيرا لأنني لم أكن بعثياً، وبالطبع السفير يجب أن يكون بعثياً، وكانوا في وقتها أرسلوا سامي الجندي الذي كان معتبراً نفسه منفياً.

بعد باريس؟

بعد باريس عدت إلى دمشق.

بعد حكومة الانفصال.. جاء.. تيار 8 آذار؟

نعم.

وأيضاً مع البعثيين.. أنت بقيت؟

نعم… بقيت.

إذاً ما السر؟

السر في بقائي سببان، الأول هو ضرورة تأمين نفقاتي ونفقات عائلتي.

ما السر بأنهم أبقوك؟

أبقوني لأنهم وجدوا بي الكفاءة، وعندما أرادوا أن يتخلوا عن سامي الجندي أرسلوني بدلاً منه، وصرت سفيراً في باريس، إذاً هذا الأمر لم يكن حباً بي.

لكن أثناء باريس حصلت نكسة 1967 هذه المرحلة ماذا تعني لك وأنت في موقع في باريس وفي عاصمة للقرار؟

لقد كانت النكسة صدمة شديدة جداً علي لأنها لم تكن مجرد هزيمة لنا، بل لأننا خسرنا أهم قطعة أرض، والتي هي تحمي سورية، وخسرناها من دون حرب، حتى إننا لم نحارب بما يكفي لحمايتها، هذه كانت صدمة كبيرة، في هذه الأثناء قام سفير الصين بدعوة السفراء العرب على العشاء، وأنا كنت اعتذرت من السفير، لكنه أصر عليّ وقال «يجب أن تأتي لأن في الأمر ضرورة»، وبعد العشاء عنده نزلنا إلى القبو وفيه قاعة سينما، وما هو معروف بأن اليابانيين هم خصوم للصينيين، وكان ما شاهدناه فيلما عن الحرب بين الصين واليابان، وكيف كان النساء والرجال الصينيون في النهار يعملون بأمور الزراعة والفلاحة، وفي الليل يقومون بحفر الأنفاق، وتجهيزها للحرب على اليابان، وعند الحرب هجم اليابانيون على الصينيين، لكن الأخيرين نزلوا في الأنفاق فلحق بهم اليابانيون وسكبوا عليهم ماء ساخناً وقاموا بإحراقهم، وانتهت الحرب بخسارة الصينيين وما تبقى منهم عاد لحراثة الأرض، لكن الأمر لم يمر مرور الكرام، لأنهم أخذوا العبرة من الخطأ وسبب خسارتهم في الحرب، فتجاوزوا أخطاءهم، وبالتالي عادوا وصمموا الأنفاق بزوايا وجعلوا مجرى في الوسط للمياه الحارقة، كما عملوا منافذ للدخان كي لا يتعرضوا للاختناق، وأيضاً وضعوا في كل زاوية رامي سهام، والتاريخ أعاد نفسه، ولكن هذه المرة النتيجة كانت مختلفة لأنه عندما نزل اليابانيون كي يقوموا بقتلهم، وكلما حاولوا النزول كان رماة السهام لهم بالمرصاد وقضوا عليهم بسهامهم، ثم وضع اليابانيون الماء الساخن ولكن مجاري الأنفاق التي عدلها الصينيون جرت من خلالها المياه الحارقة في ضمن التوجيه الجديد الأمر الذي لم يؤذ أحداً، وكذلك عندما ألقوا عليهم الغاز في الأنفاق، خرجت الغازات من المنافذ، وبالنتيجة انتصر الصينيون، وهكذا وبعد أن انتهى الفيلم قال السفير الصيني «أنا قمت بدعوتكم كي تروا هذه الرواية، فالحرب بينكم وبين إسرائيل طويلة، تخسرونها أول مرة والثانية والثالثة، ولكنكم تتمرنون كي تكسبوها في النهاية»، وطبعا بكلامه رفع معنوياتنا.

بعدها صرت وزيراً للسياحة؟

نعم وقد أسست لعمل الوزارة حسب أفضل الطرائق العالمية.

ما أهم أمر قدمته للسياحة؟

قبل كل شيء تم إنشاء خمسة فنادق تحمل تصنيف خمس نجوم، اثنان في دمشق هما المريديان والشيراتون، وواحد في اللاذقية، وواحد في حلب وآخر في تدمر.

أنت باشرت هذه الفنادق لكنها افتُتحت فيما بعد؟

نعم أنا وافقت عليها، ولكنني أشرفت على بناء المريديان والشيراتون بشكل كامل، ولكن بالنسبة إلى فنادق تدمر وحلب واللاذقية، وضعت تصاميمها كاملة، لكن لم أشرف على بنائها، كما وضعنا خطة للسياحة في سورية، وكانت خطة ممتازة ولكنها للأسف لم تُنفذ، كما وضعنا الأسس القانونية للسياحة في وقت لم يكن في سورية شيء اسمه سياحة، وفي وقت كان كل من لا يمتلك الكفاءات من الموظفين يتم نقلهم إلى وزارة السياحة، وأثناء ممارسة عملي الوزاري في السياحة، وضعت نظاماً، كما وضعت كتابين عن سورية، وعقدت نحو خمس وثلاثين اتفاقية مع الدول المجاورة والأوروبية، وحصلت على منح للموظفين للتدرّب في سويسرا، إسبانيا، ألمانيا، والدول الاشتراكية.

ماذا بعد السياحة؟

بعد السياحة استقلت ولكن وزير الخارجية عندما رغب معاونه الوحيد العمل في وظيفة في الأمم المتحدة في إفريقية وطلب الالتحاق بها، وستبقى الخارجية من دون معاون وزير، عرض المعاون على الوزير أن أكون بدلاً منه، فعملوا مرسوما دون أن أعلم بإعادتي، وباعتباري كنت مستقيلا، تم التعاقد معي لمدة سنة وعدت إلى وزارة الخارجية.

ما الدروس المفيدة والجميلة التي أخذتها من هؤلاء السياسيين الذين عملت معهم من عهد شكري القوتلي إلى حافظ الأسد؟

هناك مجال للمقارنة بين الرؤساء الذين توالوا على سورية، وبين الأنظمة التي كانت مرافقة لهم، بين النظام الديمقراطي والنظام الرئاسي والنظام الحزبي، فكنت مضطراً للمقارنة بينها، ووجدت أن النظام الديمقراطي هو أفضل هذه الأنظمة، لكن مازلنا للأسف غير مؤهلين لهذا النظام، لأنه على الشعب كلّه أن يفهم قيمته ويستوعبه ويدافع عنه، ففي أول انقلاب مثلا صفق الشعب، وفي الانقلاب الثاني أيضاً صفق الشعب، وفي الانقلاب الثالث أيضاً صفق الشعب، بمعنى أن الشعب لم يتأهل للنظام الديمقراطي!!.

إذا الشعب هو الذي خذل الديمقراطية؟

الشعب للأسف كان يخشى القوة ومن أين تأتي القوة؟ من الجيش طبعاً الذي يقوم بانقلابه ويمسك السلطة والشعب معه، وكان هذا شيئاً خطيراً.

هل تعتقد بأن سورية مرت بديمقراطية حقيقية؟

أنا عشت الديمقراطية، ولكنها لم تكن حقيقية بشكل كامل.

بماذا تجلّت الديمقراطية؟

أصبح لدينا صناعات محترمة، وأصبح هناك نهضة صناعية، كما أصبح هناك احترام للسوري في الخارج، كان جواز السفر السوري أفضل من جواز السفر السويسري.

شهدت هذه المرحلة؟ وكنت تذهب إلى أوروبا من دون فيزا؟

نعم أنا شهدت هذه المرحلة وذهبت إلى فرنسا وبريطانيا من دون فيزا وكذلك إلى إيطاليا.

لكنك دبلوماسي؟

لا ليس موضوع دبلوماسي، فالدبلوماسي بحاجة إلى فيزا، أصدقاؤنا الذين درسوا في أوروبا لم يأخذوا فيزا حينما ذهبوا إليها.

ماذا بالنسبة للنظام الرئاسي والنظام الحزبي؟

النظام الرئاسي كان مرتين من خلال الرئيسين جمال عبد الناصر وحافظ الأسد، بالنسبة إلى المصريين لا يتوافق معهم إلا النظام الرئاسي، فمن أسباب الانفصال بيننا وبينهم، أن الأعلى عندهم يسحق الأدنى منه، بصرف النظر من هو.

هل تعلمنا هذا نحن منهم؟

نعم وللأسف.

أما النظام الحزبي فهو أسوأ الأنظمة بغض النظر عن نوعه؟

النظام الحزبي بغض النظر عن نوعه، يستأثر بالحكم وبكل شيء، يعني مثلاً لا يطمح شخص أن يكون سفيراً إلا إذا كان حزبياً، وهذا أمر خطر، لأنه يطرد العملة الحسنة للخارج، ولأنه مسألة ثقة، وللأسف غير الحزبي لا يمكن الثقة به.

أين المفهوم الوطني عند الحزبي؟

المفهوم الوطني غير وارد عند الحزبي، وفي أي حزب من الأحزاب على المستويين العربي والعالمي والأمثلة كثيرة.

من شكري القوتلي إلى اليوم وأنت تشهد هذه التقلبات وحسب فكرك السياسي والدبلوماسي.. ماذا غدا في سورية؟

هذا يسمى بالإنكليزي سؤال بمليون دولار، والمستقبل لا يعرفه إلا رب العالمين، ولكن الذي يرى كيف ينهار الوضع في سورية، وفي كتابها الأخير قالت السيدة نجاح العطار «هكذا بدأ الانهيار»، في حين أنا أقول هكذا بدأت الانهيارات والتي بدأت من اليوم الأول من حرب عام 1948 وحرب 1956 وحرب 1967 وحرب 1973، يعني كلها انهيارات مستمرة، وصعب أن نقول يمكننا أن ننهض، وخاصة أن رئيس هيئة الأركان الأميركية السابقة تنبأ لنا بخمسة عشر عاماً كي تنتهي الأزمة، وأنا أقول لن تنتهي بهذا الزمن، لأن وقتها طويل، وإن انتهت لن تنتهي إلا بالأسوأ.. أنا لست متفائلاً أبداً ولم أكن متفائلا في يوم من الأيام وأنا متشائم، فمن عام 1956 عندما كنت في الجامعة الأميركية كنت أجمع الوثائق وكانت وقعت بيدي وثائق من إلياهو ساسون كان وزير المالية في حكومة شاريت، والرسالة كانت موجهة إلى شاريت، وقال له كي تعيش إسرائيل براحة أقترح أن نفكك الدول المحيطة بنا، هذا من جهة وأن نقوي علاقتنا بالدول المحيطة بالدول العربية من جهة أخرى، وهذا ما حصل فإسرائيل قوّت علاقاتها مع الدول المحيطة مثل الحبشة وتركيا وإيران زمن الشاه، وفي الرسالة اقترح أن يبدأ في مصر باعتبارها أكبر دولة عربية، وإن الأقباط فيها قلائل، ويعتبرون أنفسهم مضطهدين، فقال له شاريت هذا موضوع خطر ولا يمكنني أن أبت فيه، وضروري أن نسأل بن غوريون، والأخير لم يوافق عليها لأن الأقباط في مصر يشكلّون تقريباً 11% من السكان، وإذا تمت إثارتهم تتم خسارتهم والقضاء عليهم من المسلمين، فسأله إن لم تكن مصر فأين إذاً؟، فأجاب لبنان وهذه بسهولة يمكن أن تُفكك، فالمسيحيون فيها قلة وغير قادرين على حكم لبنان، فسألوا مرة أخرى بن غوريون الذي رفض ولاسيما أن فرنسا تعتبر لبنان الولد المدلل، وفي الوقت نفسه فرنسا تزودنا بالأسلحة وتبني لنا المفاعل النووي فلا يمكننا أن نزعج فرنسا، فاقترح عليه سورية فقال له سورية فيها الجيش هو الذي يقوي كل المناطق، أو العكس، وفيها أقليات كثيرة يمكن أن يتم تفكيكها كي تسقط، ثم سأله عن العراق فقال له العراق ليس وقته الآن لأنه تابع لبريطانيا، وبريطانيا صديقتنا، ولكن سيأتي الوقت، أنا منذ وقعت هذه الوثائق بيدي وأنا متشائم، لأن هؤلاء يخططون لمئة سنة وينفذون، لذلك أرى المستقبل نفقاً مظلماً.

ما الأمور التي ميّزت شكري القوتلي؟

عقوبة الإعدام لم ينفذها بإنسان، وكان أول زعيم عربي وشرقي يوقف العمل بعقوبة الإعدام لأنه عمل بوصية والدته التي قالت له «ابني يرضى عليك لا تقتل أحداً»، وحتى من هم محكومون بحكم الإعدام لم ينفذ فيهم الحكم.

ألغى حكومة الإعدام أم لم يوقعها؟

هو في زمنه لم يوقع عقوبة الإعدام بأحد.

لكن تم إعدام أشخاص كثر في عهده؟

لا.. تم إعدام شخص واحد في عهده، واتُهم القوتلي بأنه وقّع على عقوبة إعدام، إلا أنه لم يوقع أبداً، وبموجب الدستور الذي وضع عام 1950 إذا لم يوقع رئيس الجمهورية المرسوم المرفوع إليه يُصدره رئيس الوزراء على مسؤوليته بعد عشرة أيام من رفعه.

إذا لم يوقع… فمن وقع؟

رئيس مجلس الوزراء صبري العسلي.

لماذا بقيت مع جميع الرؤساء؟

ربما من يلاحظ بقائي مع جميع الرؤساء في تلك الفترة، يمكن أن يقول عني بأن عبد اللـه الخاني كان رجلاً منافقاً، ولكن لماذا لا نقلب السؤال ونقول لماذا هم من اعتزموا على الإبقاء عليّ إلى جانبهم، واعتمدوا علي كأفضل الموظفين الذين يقومون بالأعمال، وحتى البعثيون كانوا يعتمدون عليّ ومثلاً إبراهيم ماخوس وزير الخارجية والمعروف بعصبيته كان يعتمد علي أكثر من كل الناس، وأيضاً يوسف الزعين، والرئيس حافظ الأسد كان كلفني مهمات لم يكلّف بها غيري، وكانت مهمات سياسية ذات قيمة ومهمة جداً، منها لأنور السادات والأرجنتين وتيتو رئيس يوغسلافيا ورئيس رومانيا، وهذا كله نتيجة ثقة. ومثلاً عندما حدث أيلول الأسود اتصل رفيق جويجاتي بالهاتف من أميركا وكان نائباً للمندوب الدائم لسورية في الأمم المتحدة، وكانت الساعة التاسعة صباحاً في توقيتنا المحلي وبلغني أن الولايات المتحدة بعثت بالأسطول السادس إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، والرئيس نيكسون نزل إلى غرفة العمليات في البيت الأبيض، وبريطانيا قامت بالإنزال في الأردن وإسرائيل استنفرت، والوضع خطير جداً والسفير الدائم كان لسورية جورج طعمة أصيب بنزيف في المعدة وتم نقله إلى المستشفى، مضيفاً: «أنا وحدي ولا أعرف ماذا أفعل، وأرجو أن ترسلوا لي أحداً لأنه لا حيلة لي» هذا ما بلغني به، فقال لي وزير الخارجية مصطفى السيد عليك الذهاب فأجبته «أنا لا أعرف لماذا دخلتم الأردن، ولا أعرف ما يدور في الأمم المتحدة، فأنا لم أذهب للأمم المتحدة من قبل، وهذه كلّها أمور أنا غير عالم بها، وأفضّل أن ترسلوا أشخاصاً من الحزب»، فأجابني قائلاً: «اذهب وتصرف»، وقتها وفقني اللـه وذهبت إلى أميركا وكانت بريطانيا مطالبة بعقد اجتماع لمجلس الأمن لإدانة سورية وسحب قواتها من الأردن.

ماذا فعلت عندما ذهبت للأمم المتحدة في أيلول الأسود؟

ذهبت إلى المندوبين الأصدقاء، بداية مندوب الاتحاد السوفييتي وقلت له «كيف تقبل أن تتقدم بريطانيا بطلب إلى مجلس الأمن بإدانة سورية»، فأجاب «أنا طلبت أن يسحبوا كل القوات من الأردن»، فقلت «أي قوات.. أساساً لا يوجد إلا قوات منظمة التحرير وهذا ليس بطلب»، فقال لي: «ماذا أطلب إذاً»؟، فأجبته «عليك طلب إلغاء إدراج قرار طلب بريطانيا في مجلس الأمن»، فقال لي «عليك أن تقابل رئيس مجلس الأمن»، وبالفعل ذهبت وقابلت رئيس مجلس الأمن الذي أخذ الموضوع بالضحك، وقال لي «بريطانيا طلبت»، فقلت له «بريطانيا وأميركا هما من يهددان الأمن في المنطقة وإذا لم يسحبا الطلب فوراً فسأقدم طلباً إلى مجلس الأمن لإدانة بريطانيا وأميركا بأنهما تهددان الأمن بالإنزال البريطاني في الأردن والأسطول الأميركي في البحر المتوسط»، وتابعت «إما أن تنفذ الطلب أو سأقدم أنا الطلب»، وطبعاً قال لي ضاحكاً «سأنقله»، وطبعاً كلمهم وكانت النتيجة أن بريطانيا سحبت القرار من مجلس الأمن، وهذا ما أعطاني بعض الراحة، وكانت حينها الساعة الخامسة مساء وكنت لم أنم، ثم قابلت رفيق جويجاتي وقلت له: «الآن علينا أن نعقد مؤتمراً صحفياً بأن سورية لم تتدخل، بل المسؤولة هي قوات تابعة لمنظمة التحرير»، وكان أثناءها مراسل رويترز على الحدود وشاهد أن القوات هي تابعة لمنظمة التحرير، هنا ردّ عليّ جويجاتي «منظمة التحرير معترف بها من جامعة الدول العربية وهي دخلت إلى الأردن كي تدافع عن نفسها، وسورية ليس لها علاقة أبداً، قال جويجاتي إذا أقمنا مؤتمراً صحفياً، فالصحفيون كلهم يهود وسيكتبون ما يريدون بعيداً عن الحقيقة»، فقلت له «إذا ما العمل؟»، فقال: «عليك أن تظهر على التلفزيون»، وطبعاً وافقت وأحضر مندوب التلفزيون المتخصص في الأمم المتحدة، وفي الساعة السادسة ظهرت وقلت ما حصل، ثم جاءنا ردود كثيرة فالأمر كان إيجابياً وكلمني مندوب التلفزيون بأنه سيأتي ليأخذني في الساعة السادسة صباحاً على الاستديو حيث سيذاع برنامج على كل أميركا الشمالية إلى حد البرازيل، لم أنم ليلتها، وأخذني إلى التلفزيون لأشرح الأمر بشكل أوسع، وعندما عدت إلى الأمم المتحدة صاروا يتصلون بنا من الجامعات والمؤسسات لأجل أن أذهب كي أتحدث عما حصل.

بعدها عدت إلى سورية؟

بعدها ذهبت كي أطمئن على السفير المندوب الدائم جورج طعمة الذي كان رجلاً يستحق التقدير لثقافته وعلمه وخصوصاً في القضية الفلسطينية، طبعاً اطمأننت عليه وخرج من المستشفى. في اليوم التالي وعندما كنت عند الدكتور نجم الدين الرفاعي زميلي في الجامعة الأميركية في بيروت والذي كان مديراً عاماً في الأمم المتحدة اتصلوا بنا وأخبرونا بوفاة جمال عبد الناصر، كان الخبر صاعقاً، والساعة التاسعة صباحاً في نيويورك فاتصلنا بالمندوب الدائم المصري محمد حسن الزيات ولم يكن في السفارة، فاتصلنا في منزله وكان نائماً وطلبنا من الآذن إيقاظه لأهمية الأمر، فتمنع بشدة في البداية، ولكن بعد أن أخبرناه بأن الرئيس جمال عبد الناصر توفي ذهب مسرعاً كي يوقظه ويخبره، في هذه الأثناء كنت أنا في الجمعية العامة، ورئيساً للوفد السوري في الأمم المتحدة، وكانت سورية رئيسة للمجموعة العربية الإفريقية، وأنا كسوري ومحب لجمال عبد الناصر بشكل خاص، ارتجلت كلمة لتأبينه وكانت الأولى، كنت تقريباً أبكي وأنا أرددها، وذكرت فيها ما قدمه لبلده وإنهاء المعاهدة مع بريطانيا وكيف أمّم قناة السويس وبنى السد العالي وترأس مجموعة دول عدم الانحياز.

صحيفة الوطن السورية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى