«جوكر التمثيل» يقدّم أداءً مدهشاً في «أغمض عينيك»: «الأستاذ» عبد المنعم عمايري!…منذ عام 1998 وتحديداً أثناء تصوير مسلسل «الثرّيا» (كتابة نهاد سيريس ــ إخراج هيثم حقي) ولحظة تجسيده اللقطة التلفزيونية الأولى بدور «وفائي» وحتى الموسم الرمضاني الحالي الذي يؤدي فيه باحترافية مدهشة بطولة مسلسل «أغمض عينيك» (كتابة لؤي النوري وأحمد الملّا ــ إخراج مؤمن الملّا ـــ بطولة: أمل عرفة، منى واصف، فايز قزق، أحمد الأحمد) مرّ وقت طويل حفر خلاله النجم السوري عبد المنعم عمايري مكانةً عالية في الدراما، جعلته مختلفاً عن الجميع، لدرجة يمكن القول بثقة مطلقة بأنه «جوكر» التمثيل في بلاده، طالما أنّه بذريعة موهبته الخلّاقة وتبنّيه العميق لشخصياته لم يعتد طعم السقوط، وإن وقع، سيظلّ واقفاً!
«الأستاذ» عبد المنعم عمايري أدائه في «أغمض عينيك»
هذا الموسم يضع العمايري بصمته البليغة، باقتراح أدائي منكّه بخبرة السنين الطوال! ممثل في ربيعه الرابع والخمسين. قرّر أن يختبر شخصيّة «مؤنس» المدرّس الخمسيني الرصين الذي أفجعته ساعة الغفلة بفقدان زوجته وابنه معاً. ثم وضعته الأقدار أمام مسؤوليات جسام بضرورة تبنّيه طفلاً مصاباً بطيف التوّحد. فأخذه الإرباك إلى تردد وضياع سرعان ما تغلّب عليه بفضل إرادته وصلابته وثقافته الحياتية الموغلة في العمق في مهنة التدريس أيضا وجعل الطفل ينصاع عاطفياً كأنه والده الروحي.
العمل السوري الخالص يجنح باتجاه موضوع حساس وشائك أيضا. ويغوص في قضية إنسانية مؤثرة بعيداً من موضة الابتذال والعنف والدموية اللاهثة وراء التريند… ولعلّ الكاستينغ الصحيح. والسوية الأدائية عموماً في «أغمض عينيك»، كانت منفذاً حقيقياً لنمط الحكاية المتصاعد بهدوء في زمن السرعة اللاهبة وللمطارح الأفقية في تواتر الأحداث!
أداء العمايري المنضبط في المسلسل
عموماً لن يحتاج المتابع أكثر من بضع حلقات حتى يلتفت إلى شغل العمايري المنضبط إلى الحدود القصوى. إذ يرشّد في تظهير حالاته الانفعالية كما ينبغي، ويعطي على المقاس من دون زيادة أو نقصان. خلافاً لما هو عليه خارج «اللوكيشن» من شغب! السمة التي لم تفارق حياته الشخصية من المؤسسات التعليمية إلى البيت والشارعأيضا. وحتى في المقاهي والحانات أيّام السلم والحرب، حمل الرجل اختلافاً صريحاً. ثم بات على درجة من النضج والوعي صار يعترف بتمايزه حتى عندما تكون له تبعات سلبية جارحة… إلى درجة قد يهجو بصوت جهوري في مجلس عزاء يفترض أن يتسيّده الصمت. أحد أصدقائه الراحلين لأنه لم يستأذن قبل أن يمضي في رحلته الأبدية! كلّ تلك الفوضى الحياتية تنقلب التزاماً مطلقاً أمام الكاميرا. وكأنه في كلّ مرّة يقدّم نموذجاً تمثيلياً مختلفاً، ليكون بمثابة إنجاز فني جديد يشفع له كلّ زلاته خارج المهنة.
الشغل عنده غالباً سينحو بعيداً من العناية المفرطة بشكل الشخصية ومظهرها الخارجي. لمصلحة التبنّي الداخلي لعوالمها وحالتها النفسية أيضا. وبناء التاريخ المحكم واللازم لها، حتى ولو لم يكن مكتوباً على الورق. ليصبح كناية عن ترجمة عملية لأسلوب فن التجسيد الذي يبدأ من سبر الأغوار النفسية للشخصية وتبنيها وفهم سلوكياتها. إلى درجة تجعل المشاهد يلمس بوضوح ساطع التباين المهول بين شخصيات يؤديها ممثل واحد في فترة زمنية قصيرة نسبية، من دون منح الأولوية للماكياج مثلاً والحالة «البرّانية»… كلّ ذلك بإلهام صريح من كلّ ما خبره في الحياة إلى جانب نصيحة معلّمه الأوّل المدرّس الشهير يحيى العمايري الذي قال له يوماً: «أن تكون ماسح أحذية يتقن عمله جيداً أفضل بمليون مرة من أن تكون طبيباً فاشلاً».
صحيفة الاخبار اللبنانية