
ماذا يكتب عن دمشق وأهلها وكنوزها في مجموعته القصصية … اذكريني دائماً
كما ينظر المتصوفون إلى الحياة والخالق. كذلك ينظر عماد نداف الكاتب الصحفي والقاص والأديب وشيخ المعدين للبرامج في الإذاعة والتلفزيون قبل الثورة السورية وبعدها ,وقبل دخوله السجن وبعد خروجه، حتى أن من يعرف عماد شخصيا أو من يعرفه كاتبا وقاصا وصحفيا فإنه يعلم دون عناء أن عماد ودمشق عاشقبن للابد. فكل ما في دمشق مهوى فؤاده .
…تختصر عناوين نصوص الحكايا والنصوص في مجموعته القصصية اذكريني دائما هذا الوله والعشق فيقدم دمشق نموذجا للحضارة الانسانية ومهدا للتاريخ وجسرا يربط الماضي بالحاضر والمستقبل فيضيىء لنا جوانب اجتماعية وانسانية وحضارية واقتصادية وسياسة من حياة الدمشقيين الآسرة الجميلة.
أكثر من ستين عاما عاشها الكاتب الصحفي عماد نداف في دمشق وهو ابن عسال الورد القرية الوادعة في ريف دمشق. كانت هذه الفترة كافية لينغمس روحيا وجسديا مع مدينته الفاضلة فمن اذكريني دائما، التي توحي للوهلة الأولى أن عماد نداف يخاطب دمشق ليس إلا ويطلب منها ان تذكره دائما، .. الى أبو شاكر بائع العصير الذي أصيب بقذيفة ، الى الحاج زهدي شكاي الذي قاوم المحتل الاسرائيلي ورفض مغادرة منزله في القنيطرة… الى ابو شادي الحكواتي .. الى بابا نويل السوري وزورق من ورق، الى صاحب السعادة الانفجار.. والدخول الى ابواب دمشق السبعة الى الاذاعة في رمضان الى البديري .. ٱبو التوت الحلاق الذي طبق المثل الذي يقول …بيكون عم يحلق بيصير يقلع ضراس..
ففي دمشق تتعرف الى واحدة من اجمل مدن الشرق . ليس لانها قديمة وليس لان الغوطة تقع جهتها الشرقية ولا لأن النهر الذي يدخل اليها من جهة الربوة يتفرع فيها لسبعة انهار صغيرة ..ولا لأن الماء ينبع في كل بيت من خلال بحرة في وسط الدار , ولا لأن الياسمين والكباد والعنب الزيني والبرتقال اليافاوي والليمون الحلو موجود في كل بيت ..بل لان فيها تفاصيل ساحرة لاشياء يومية … ولا تنتهي حكايات الكاتب الدمشقي المسكين والطيب عماد نداف بحكايات الخوف من الموت وتساؤلات الفتى داخل القصر الجمهوري و( حكايات مخفية في شقوق جدران دمشق وهي قصة او ظاهرة جديرة بالاهتمام تعبر عن مجتمع دمشق المثقف والمتعلم والمنفتح على كل الثقافات من خلال شخصية ابو الورق الذي يصفه الكاتب بهيئة ملاك بلحيته البيضاء، اما اوراقه فهي من كل مكان ومن كل زمان ومن كل المجتمعات، حيث يمكن ان نقرأ فيها عن يوحنا المعمدان وعمر بن عبد العزيز ونزار قباني ، ولكن للاسف تراجعت بيوت الطين وفي الأبنية العالية ليس هناك من شقوق تحتضن أوراقا دمشقية …ولكن في الحقيقة إن هذه المجموعة القصصية تحتوي على شقوق عديدة نقرأ فيها حكاية الحميماتي العاشق وقبقاب أبي الذي احتفظت به فرنسا . وعن السر الذي اكتشفناه بعد وفاة جدي ومحاولة لإكتشاف الموت .. وكوابيس السيدة زوجتي ..وقبلات حنا مينا السبع ..وأه يا ابي عشت اكثر منك ..وعندما تجاورك الحربا كتب بقلم الكوبيا ؟؟ وعن سعيد قطرية .. مرارة الحديث عن المر : ..: مضت جنازة بشار في شوارع دمشق كان وسيما انيقا معطرا لايهاب هذه الرحلة الاخيرة الى المقبرة كان يحب الحياة رغم مرارة الوجع الذي حاصره مذ كان طفلا. لقد كان يبتسم حتى وهو في الجنازة .
يمكنك ان لا تقرأ لعماد نداف ولكن اذا ما قرأت له فانك لاتستطيع الا ان تتذكر ما قرأت لانه يكتب بصدق وقد عاصر مرحلة سياسية واجتماعية وشهد تحولات كبرى في سورية، ولن تخطىء الهدف فكتابات نداف هي فيلم طويل جدا عن الشام وأهلها، فهي بكل ما فيها جنة اختارها الله ففي الشام يتحدثون بلسان عصفور ودمشق كما يصفها عماد نداف في (حكاية …الشام وماركة الفول المدمس ..بوز الجدي ) هي تشبه فتاة جميلة ضاحكة الوجه تجيد نسج الحكايات وسردها … يحول عماد محل بوز الجدي الذي يبيع الفول المدمس، الأكلة الشامية الشهيرة إلى ماركة مثل كنتا كي … ويقول جورج طرابيشي ابن السبعين عاما قبل وفاته فيما قاله لعماد نداف في قصته (عند قلعة حلب ) إن اسقاط الأنظمة أسهل من بناء أنظمة جديدة، وإن الإيديولوجيا التي أنتجتها أنظمة الحكم ثابتة غير قابلة للتحول ، والشباب قاطع هذه الإيديولوجيات …
وينهي المفكر السوري جورج طرابيشي بالقول : اخشى أن تضيع هذه البلاد التي انتمي اليها ….وفي قصة أخرى ثمة عنوان يتساءل هل جربت السكن في حي المالكي في دمشق نقرأ تحته هذه الأيام مراكز الإيواء كثيرة لمن لا يجد غرفة وكذلك الحدائق مليئة بالعشاق وهناك من يمضي قيلولته على حافة الرصيف أو على مقعد حديقة عامة وهناك لوطيون يدخلون ألى ما بقي من دور السينما التي لاتزال تفتح أبوابها لزبائن بالمصادفة …
أجمل ما في حكايا وقصص ونصوص عماد نداف عن دمشق التي تحمل عنوان اذكريني دائماً إنك تشعر وكأنك على الهواء مباشرة فهو يصف الأشخاص والأشياء والطبيعة عيانا بيانا بشكل أقرب إلى الواقع دون أي شطحات خيالية أو تصورات يدرج الأدباء على اضافتها إلى نصوصهم، فما يسمعه عماد من الناس وما يعيشه معهم ، وماتشاهده عيناه ، وما تلمسه يداه وما يتذوقه فمه، وما تلامسه قدماه في دمشق العدية بمائها وجبالها وشوارعها وعاداتها وقبابها وجوامعها وابوابها وحماماتها وناسها وفقرائها واغنيائها وكتابها يعكسه في كتاباته وفي نصوصه وفي حياته اليومية ، ولا غرابة في ذلك، فعماد نداف في دمشق دائما لم يغادرها الا الى السجن والى ايطاليا دورة تدريبية لمدة شهر …. وكانت حال عماد مع دمشق مثل حال زهدي شكاي مع القنيطرة زمن الإحتلال كالراهب في كنيسته أو الشيخ في مسجده لا يبرح الشام ابدا….
(يتبع)
بوابة الشرق الأوسط الجديدة