كتب

عندما يكون المثقف مخبراً : حكاية المثقفين العالقين في (غابة الصنوبر) !

عماد نداف

خاص

 هكذا ببساطة يسهل على الكاتب وضع الشخصيات التي يريدها في صندوق روايته، ليتمكن من رسم مصائرها والسيطرة على أحداثها، ثم يقدم لنا المعنى الخاص بنصه، وقد شهد الأدب العالمي الكثير من هذه الأساليب بدءا من الشيخ والبحر عندما وضع أرنست هيمنغواي (الصياد)  في زورق ورماه إلى مصيره في البحر ليصارع سمكة القرش ، هذا الصراع الذي جعلنا نتابع هذا المصير بشغف.

وكذلك فعلت الكاتبة غادة السمان في رواية بيروت 75 عندما وضعت شخصياتها في سيارة تتجه إلى بيروت في الحرب الأهلية اللبنانية، وأذكر أن خيري الذهبي قام بشيء شبيه عندما وضع شخصياته في بيت محاصر في رواية (ليالي عربية) .

الكاتب السوري محمد أحمد الطاهر الحائز على جائزة حنا مينة في الرواية، ارتكب هذه (الفعلة الأدبية) نفسها في أسلوبه السردي، فجمع شخصياته (مثقفون) في حافلة تتجه إلى الجزيرة السورية للمساهمة في نشاط أدبي، فاختطفوا، وكان علينا أن نتابع مصائرهم بشغف.

هذه الطريقة خرجت عن الاعتيادية، عندما أمسك بتلابيب شخصية من شخصيات الحافلة (إبراهيم) ، وهو كاتب ويعمل في المحاماه، وأخرجها من السرد الأولي للحدث، وجعلنا نراقب كل شيء من خلالها، وقد تورطت في العمل مع أجهزة الاستخبارات (العميد عساف) كمخبر تم إسناد مهمة صعبة إليه، جعلته يكتب تقريرا عن المرأة الساحرة التي أحبها (سارة) بعد أن أمضى في بيتها في بيروت ليلة حمراء في علاقة لم يكن يحلم بها.

أي أن الرواية تطرح فكرة (المثقف المخبر)، وكان السياب قد نجح في وصفه في واحدة من أروع قصائده ، ويقول فيها :

أنا ما تشاء أنا الحقير

صبّاغ أحذية الغزاة و بائع الدم و الضمير

للظالمين أنا الغراب

يقتات من جثث الفراخ أنا الدمار أنا الخراب

شفة البغيّ أعفّ من قلبي و أجنحة الذباب

أنقى و أدفأ من يدي كما تشاء أنا الحقير..

إذا كانت هذه هي هوية (المخبر) فكيف هي هوية (المخبر المثقف)؟

رواية (غابة الصنوبر) تطرح هذه الإشكالية ، في ظروف الحرب على السوريين، فالمثقفون الذاهبون إلى الرقة من أجل فعالية ثقافية، يوقفهم الحاجز، الذي يقوده فاسد متوحش اسمه الصنوبري، فيحتجزهم وتغتصب كاتبة من أعضاء الوفد بل ويغتصب أحد الكتاب من قبل عناصر الحاجز، ثم تقوم مجموعة مسلحة بقتل الصنوبري، وتعمد إلى فك أسر المثقفين، وهي هنا محاكاة جديدة لوقائع الحرب في سورية، وفيها نتعرف على تداخل الأدوار والارتباطات، وصولا إلى المهمة التي يكلف بها الكاتب (إبراهيم) لصالح المخابرات ، والتي سميت بعملية (الشاي الأسود) .

هذه العملية تستهدف كشف تجمع سياسي يعمل في الخفاء لإطلاق قوة سياسية من بيروت قادرة على التغيير في سورية، وبين أعضائها (سارة) التي يقع (إبراهيم) أسير جمالها وحبها، رغم ارتباطه بامرأة تحبه ووفية له اسمها (ماجدة) يلتقي معها في مكتبه كزوجة، لذلك يقوم العميد عساف باستغلال هذه النقطة، للإيقاع بسارة عبر إبراهيم، وينجح إبراهيم ويسافر إليها، ويجمع المعلومات عنها، ويعود إلى دمشق ليكتب تقريرا عنها وعن الجماعة التي تعمل معها المرتبطة بأجهزة استخبارات غربية، والتقرير مؤلف من ثلاثين صفحة، يستثمره العميد عساف بإلقاء القبض على عدد من المتورطين، ثم على سارة نفسها.

الصراع الداخلي الذي يعيشه إبراهيم بعد اعتقال سارة يدفعه إلى مراجعة العميد عساف الذي يضعه عند حده كمخبر لاينبغي له تجاوز حدوده، ثم يمن عليه بالموافقة على زيارتها في السجن،  فما الذي يجري بعدها، وماهي الرسالة التي يريد الكاتب الطاهر تقديمها للقراء؟

ذلك هو سر الرواية التي نشرت مؤخرا عن دار توتول في دمشق ، والتي تطرح أسئلة على غاية الأهمية عن المثقفين والسياسة والأمن والحرب في سورية ، فهل نجح محمد الطاهر في محاكاة هذه الوقائع فنياً؟

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى