عن «النصرة» والمعركة المرجحة بين «الحر» و«الدولة الإسلامية» (طارق العبد)

 

طارق العبد

تشير معطيات الواقع الميداني في سوريا إلى صراع جديد قد يشتعل في أي لحظة، بين «الجيش السوري الحر» ومقاتلي «الدولة الإسلامية في العراق والشام». ويتبدى التوتر بين الطرفين من خلال أنباء من المناطق المحررة تتحدث عن حالة استبداد غير مسبوقة تتبعها جماعة «الدولة الإسلامية»، تبدأ بإذلال أبناء حلب عند المعابر بين مواقع سيطرة النظام ومواقع «الجيش الحر»، مروراً بحملات اعتقالات بتهمة العلمانية، وصولاً إلى اغتيال أحد قادة الكتائب المقاتلة في ريف اللاذقية. كل ذلك شكل عوامل تأهب لاقتتال بين الطرفين يتفق عليه الجميع.

بين «النصرة» و«الدولة الإسلامية»

لم يكن ظهور مسلحي «دولة العراق والشام» مسألة مألوفة كحال «جبهة النصرة»، وهي تعتبر بمثابة الرحم، الذي خرجت منه جماعة «الدولة» بزعامة أبي بكر البغدادي.
وكان البغدادي أعلن تأسيس «الدولة الإسلامية في العراق والشام» قبل أشهر فقط، وفق ما يعتقد انه بطلب من زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري إنشاء دولة إسلامية في المنطقة. لكن الطلب الأخير لم يلق قبولاً حينها من «جبهة النصرة»، فبرغم مبايعتها لـ«القاعدة»، إلا انها تحفظت عن قرار إنشاء الدولة على اعتبار انه سابق لأوانه.
ومنعاً للخلاف بين البغدادي وزعيم «النصرة» أبي محمد الجولاني، لم يعترف الظواهري بالكيان الجديد، فانتقد «الدولة الإسلامية» متهماً البغدادي بالتسرع من دون استشارة «التنظيم»، وانتقد «جبهة النصرة» لرفضها فكرة الدولة، بحسب ما جاء في شريط بثه مناصرون للتنظيم السلفي على مواقع التواصل الاجتماعي.
ويبدو أن كلام الظواهري لم يجد آذاناً مصغية لدى البغدادي، الذي أصر على بقاء الدولة، وبالتالي نشأ الانشقاق في التكتل السلفي في سوريا بين مسلحي «جبهة النصرة»، التي يشكل فيها المقاتلون الأجانب نسبة قليلة، و«الدولة الإسلامية» التي تضم مجموعة كبيرة من المقاتلين المتعددي الجنسيات.
ووفقاً لمصادر ميدانية في مناطق المعارضة، فإن الاختلاف بين «النصرة» و«الدولة الإسلامية» يمتد إلى أبعد من الولاء لأحد الزعيمين. فـ«النصرة» تعمل على مبدأ يقترب من عمل «الجيش الحر»، وهو إسقاط النظام، ومن ثم بناء الدولة الإسلامية، بينما يعتمد أنصار البغدادي على مبدأ إنشاء دولة الخلافة بغض النظر عن إسقاط النظام، وبالتالي فقد قرروا اعتزال العمل العسكري والتركيز على تعزيز سطوتهم بداية من ريف حلب وبعض أحياء المدينة، إلى ريف ادلب وتحديداً بنش، وبدرجة أقل في سائر المناطق وريف اللاذقية، وصولاً إلى الرقة.
وللرقة حالة خاصة، إذا انهم يسيطرون على غالبية المقار المدنية، بالاشتراك مع جبهة «أحرار الشام» ذات النهج السلفي (لم تعلن ولاءها للقاعدة).
ولعل ما يجري في الرقة يسترعي التدقيق، فبحسب بعض الناشطين، بدأت «جبهة النصرة» بالانسحاب تدريجاً، تاركة مواقعها لأنصار «الدولة الإسلامية». وهؤلاء يقيمون الحواجز والمحاكم الشرعية، ويتحكمون بالطرق المؤدية إلى المنطقة، ويفرضون سلطة ديكتاتورية تستنسخ التجربة العراقية، إذ تكفي الأفكار العلمانية كي يتعرض صاحبها للاعتقال والتعذيب على اعتبار أنه «مرتد وكافر».

«النصرة».. خارج السرب

في موازاة تحرك أنصار «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، تبدو «جبهة النصرة» غير معنية بكل ما يجري، وكأنها تغرد خارج سرب كل ما يحدث من حولها، فما زالت تتعاون مع الكتائب ذات النهج القريب من نهجها، وخصوصاً في ريف دمشق وحلب. وقد بث مكتبها الإعلامي صوراً تظهر دور مقاتليها في معركة خان العسل مؤخراً.
ويكتمل المشهد بخطاب لأبي محمد الجولاني يرفض فيه أي عملية سياسية أو حكم ديموقراطي، مشدداً على الدولة الإسلامية، لكن بعد سقوط النظام. وتبرأ أيضاً من أخطاء قام بها أفراد الجبهة، ودعا إلى تصحيح التعامل مع الشعب في المناطق التي باتت تحت سيطرتهم.
وتشير مصادر في مناطق سيطرة المعارضة إلى أن «النصرة» ستتبع سياسة النأي بالنفس عن الصراع المحتمل بين «الدولة الإسلامية» وكتائب «الجيش الحر» على اعتبار أنها قـد عــززت حضورها، ولن تقوم بجر نفسها إلى أي قتال وشيك. بل ان الكتائب القريبة منها لن تتردد في الدفاع عنها، في حال تحولت إلى هدف لهجمات كتائب أخرى.

خلاف أيديولوجي وانفجار الصراع

لعل اغتيال قائد في «الجيش الحر» في ريف اللاذقية كمال حمامي (ابو بصير) على أيدي مسلحي «الدولة الإسلامية» شكل بداية لسيل من المؤشرات، التي تنذر باقتراب الاقتتال بين قيادات المعارضة المسلحة والتنظيمات المتشددة.
وبالرغم من أن بعض كتائب «الجيش الحر»، إن لم يكن معظمها، قد عملت ميدانياً مع المتشددين، إلا ان خلافات عديدة نشأت تدريجا، يضاف إليها افتقار «الجيش الحر» لثلاثة عوامل أساسية رجحت كفة التيار السلفي على الصعيد الشعبي، وهي التنظيم، والتمويل، والتسليح.
ففي الوقت الذي يستطيع أي فرد الانضمام إلى أي كتيبة تابعة لـ«الجيش الحر» ويحمل السلاح بعد فترة تدريبية، تتشدد التنظيمات «الجهادية» في قبول أي متطوع جديد، وتقوم بمراجعة ماضيه وفكره، وحتى تعاطيه مع الحياة الدنيا، ومدى عقيدته السلفية الجهادية.
ونجحت التنظيمات «الجهادية» من خلال هذه الطريقة بالحد من تجاوزات أفرادها، لكن هذه التجاوزات ما لبثت أن ظهرت بقوة مع «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، عبر محاربة أي شيء يدعو إلى المدنية، أو عبر التعامل القاسي مع الناس، كما حصل قبل أيام حين سيطر مسلحوها على معبر بين حلب الغربية (الخاضعة لسيطرة المعارضة) والشرقية (الخاضعة لسيطرة النظام)، وهو الممر الذي يمكن الأهالي من التزود بالمواد الغذائية بعد قطع طريق حلب ــ دمشق.
وكانت سيطرة المسلحين إيذاناً بعملية إذلال وقمع للناس وصلت إلى حد إطلاق النار على تظاهرة طالبت بفتح المعبر. وهي حالة انسحبت إلى الرقة بإطلاق النار على المتظاهرين، وطبعاً الحجة هي أنهم علمانيون يناهضون «الدولة الإسلامية».
ويضاف إلى ذلك، رفضُ مقاتلي «الدولة الإسلامية» إخلاء مواقعهم في المعارك، وهو سبب مقتل قائد «كتيبة العز بن عبد السلام» المعروف باسم أبي بصير، ما جعل قيادات «الجيش الحر» تشن عليهم هجوماً إعلامياً قاسياً، ترافق مع نداء أطلقه احد قادة «الجيش الحر» مطالباً الكتائب بالتوحد تحت راية «الجيش الحر» وإيقاف «التشبيح».
واعتبر البعض ما حصل بداية لمرحلة جديدة عنوانها فتح الصراع بين «الجيش الحر» و«الدولة الإسلامية»، مع تحييد لـ«جبهة النصرة» مبدئيا.
ويرى البعض الآخر أن مثل هذا الصراع سيكون مطلوباً على اعتبار أنه سيكون بمثابة تبييض الصورة للغرب والأميركيين تحديداً لدعم القيادات الاقل تشددا وتزويدها بأسلحة نوعية.
وفي المقابل، يعتقد آخرون أن ظاهرة «الصحوات العراقية» ستتكرر في سوريا في ظل وجود كتائب لا سلطة لـ«قائد الجيش السوري الحر» سليم إدريس عليها، بل تتبع لقرار الجهة الداعمة سواء أكانت خليجية أو غربية. وبالتالي ستتحرك هذه الكتائب لفرض سيطرتها على المناطق «المحررة» مستعينة بما لديها من سلاح تم تخزينه على مدى السنوات الماضية، في حين أن الكتائب المستقلة، أو تلك التي تمول نفسها بنفسها على قلتها، لن تجد بديلاً عن الدخول في الصراع مكرهة بهدف إبعاد العناصر التي تعيق عملها، أو التي تستنسخ ديكتاتورية قديمة انتفض ضدها السوريون، لكن هذه المرة باسم الدين والشريعة.


صحيفة السفير اللبنانية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى