بعد خروجي من سوريا بحوالي العامين بدأت ألاحظ بعض السمات التي تظهر في شخصيات الأصدقاء المقربين، والتي لم أكن ألحظه سابقا. إذ أنهم غالبا ما كانوا يظهرون مترددين خائفين، لا يستطيعون التعبير عن أنفسهم بشكل جيد وهو ما كان يجعلهم في حالة ارتباك دائم. وبسبب البعد الجغرافي الذي امتد تقريبا مدة ست سنوات أمضيتها في الصين، لم أكن قادرة على الحكم على الجو العام. بل كنت أشعر أن التواصل معهم يصيبني بالإحباط، لا سيما وأني أحب التعبير بحرية، فحتى إن لم أستطع الحديث بشكل مباشر، فألجأ إلى استخدام أساليب السخرية.
بعد سقوط النظام، بدأت تلك الشخصيات الخائفة تظهر على حقيقتها وأنا هنا لا أقصد الذين كانوا يدعمون سابقا النظام السوري، ويعملون بشكل دائم على نيل ثقة القيادة، لأن هؤلاء تحديدا سيعملون مستقبلا على نيل ثقة القيادة الجديدة، وقد رأينا تغيير خطابات بعضهم بشكل جذري، بل أقصد بشكل خاص، أولئك الذين ملأ الخوف عقولهم حتى أصبحوا مضطربين يخشون الحقيقة، ولا يريدون سماع ما يخيفهم، إذ أنه وبعد أن تحرروا من الخوف بدأت تظهر معالم شخصياتهم الحقيقية، وكأنهم يولدون من جديد.
المهم أكتب هذه المادة وأنا على قناعة تامة بأهمية عدم الالتفاف خلفا، فكما يقول المثل الصني: (别回头)، أي (لا تدر رأسك إلى الوراء)، وهو ما يعني أنه اليوم، وبعد سقوط النظام، لا حاجة إلى الالتفاف خلفا ولا العودة وراء، لكن ما دفعني إلى كتابة ما سبق، هي “الجرأة” التي نحتاجها مستقبلا، الجرأة في النظر إلى الأمام، والاحتجاج والمطالبة بدون خوف.
فأكثر ما نحتاجه في سوريا اليوم، هو كسر الخوف لمواجهة تحديات القادم، ومنع محاولات التعدي علينا نحن الشعب، فعلى الرغم من أنه وفي القانون العام، وفي مختلف دول العالم، فإن السلطة هي من تحدد الإطار العام، إلا أننا وفي سوريا، ونتيجة لغياب السلطة، التي لم نشهدها يوما إلا كسلطة استبداد، ليس علينا إلا أن نكون نحن الشعب سلطة تُخيف السلطة، كي نضمن مستقبلا يليق بنا كشعب.
بوابة الشرق الأوسط الجديدة