بكين ــ منذ أن بدأت العمل في سوريا بعد التخرج من “البكالوريوس”، كنت أواجه مشاكل تتعلق بعدم محبتي للالتزام بوقت معين للدوام، لا سيما وأن اختصاصي لا يتطلب إنجاز مهام إدارية بما يجعلني أتقيد بوقت محدد. هذا بالإضافة إلى أني غالبا ما كنت أبدأ بإنجاز مهامي في الصباح الباكر وأنتهي في وقت متأخر، وهو ما يعني أني وبكل الحالات أعمل ليلا نهارا، فلماذا هذه القيود الإضافية. إذ كنت أشعر أن العمل متعة حقيقية، ولذلك كنت أطلب أن يتم محاسبتي على الإنتاج لا على مقدار جلوسي على الكرسي ضمن المكتب. وهو ما لم يكن يُعجب معظم المدراء.
عندما أتيت إلى الصين في أول عام، طلب مني أستاذي المشرف أن أتواجد في المكتب بشكل يومي، فأخبرته أني سآتي معظم الأيام ولكني أفضّل العمل من المنزل بشكل رئيسي. لم يكن سعيدا بهذا الأمر، إلا أنه لم يرفضه. ربما قال لنفسه، لنجرّب النتائج. وحقيقة وخلال سنوات الدكتوراه لم يكن يسألني أصلا ماذا تفعلين، فقد اطمأن أني أعمل بوتيرة جيدة، وهذا يكفي.
أما في مرحلة ما بعد التخرج أصبحت أذهب إلى الجامعة بشكل أكبر، بحكم طبيعة العمل الجديدة، والتي تتطلب تواصلا مع بعض الطلاب، أو حضور بعض الاجتماعات.
منذ عدة أيام اضطررت للسهر بشكل متواصل لإنجاز عمل يتطلب سرعة كبيرة، وهو ما جعلني أختفي في المنزل مدة أسبوع تقريبا، ولم أخبر أي أحد عن سبب غيابي، بسبب انهماكي في المشروع. بعد أن أنجزت ما هو مطلوب، ذهبتُ لأناقش المشرف في النتائج، فقلت له أني لم آتي إلى المكتب كي لا أضيع الوقت. فأجابني قائلا: “لا مشكلة، أنا أثق بك”.. صدمتني إجابته إلى درجة أنه: عندما سألني ما بك، لم أعرف ما أجيب. فقط تجمّدت عيناي وأنا أنظر إليه، ولأني بعد أربع سنوات معهم أصبحوا يعرفوني جيدا، فقد ضحك أستاذي قائلا: “تتذكرين موقفا في سوريا، وتجرين معه مقارنة، أليس كذلك”. ضحكت لعمق معرفتهم بي. فقال لي: “العائلات تعرف بعضها جيدا، ونحن عائلة واحدة، ولأني أعرفك جيدا، أقول تستطيعين العمل كما ترغبين”.
بعد هذه المدة من إقامتي في الصين عرفت جيدا أن العمل ليس فقط خبرة مهنية ومال، بل علاقات جيدة، وأثر لطيف نتركه في كل مكان نذهب لنعمل فيه، وهو ما لا يتعلق بالفرد الذي يعمل بقدر ما يتوقف على القيادات المسؤولة عن هذا العمل والتي تتيح أجواء جيدة للأفراد ليس فقط للإنجاز وإنما ليتكرّس جو المحبة في مكان العمل.
بوابة الشرق الأوسط الجديدة
لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك
لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر