نوافذ

عن “القيادة” من الأعلى

لجين عصام سليمان

بكين – عن  القيادة من الأعلى ! عندما دخلت مكتب أستاذي المشرف قبل أربع سنوات كنت قد وصلت للتو إلى الصين، وكان قد فاجأني فعلا مستوى البحث العلمي العالي، فالكليات الهندسية تقود أبحاثا عالية المستوى، هذا بالإضافة إلى أن متطلبات التخرج من الدكتوراه ليست بالسهلة، وسنة بعد سنة تصبح أكثر تعقيدا.

جلست مع مشرفي لأول مرة، حدثني عن أنّ الدكتوراه تتطلب الصبر والهدوء والمحاولة والأمل، فبقدر ما تتألمين يجب أن تتأملي. واعملي بجهد وهذا يكفي لوصولك إلى ما تريدين، أثّر كلامه عل مسارات عملي طيلة الفترة الماضية. كما وكنت أستذكر ما يقوله كلما ما واجهتني مصاعب. وقد اختبرت جيدا  خلال السنوات السابقة معنى الصبر.لدرجة أني أصبحت أستمتع بالمر لأني مؤمنة تماما أنه سيتبع بطعم حلو المذاق.

وأما اليوم بعد أربع سنوات بدأت أعمل على مساعدة أستاذي في الأبحاث. وغالبا ما كان يطلب مني أن أتلو تجربتي كطالبة دكتوراه أجنبية على مسامع الآخرين. كما وكنت أردد ما سميتها بوصفة البحث العلمي السحرية “ألم وأمل وجهد”. ليس لأني أكرّر ما سمعته بل لأني اختبرت تلك التجربة ولدي نتائجها.

يوم أمس دعيت بعض الطلاب الذين أعمل معهم في بعض المشاريع إلى العشاء، وأخبرتهم عن تجربتي في الدكتوراه وعن وصفتي السحرية ذاتها وكيف بإمكانهم أن يتخطوا العقبات.

كانوا يستفسرون مني عن الكثير من التفاصيل، وينادوني بين الحين والآخر  بـ “أختنا” فقد أوعز لهم المشرف بمناداتي “أختنا” كوننا في الفريق لا نستحدم لقب “دكتور أو دكتورة” . فنقول أخ وأخت، كانوا كلما قالوا لي “أختنا” أشعر بجمال هذا النداء بعيدا عن بريستيج الـ “الدال نقطة”. فكلما أسمع نداء “دكتورة” لا أِشعر إلا بالاستفزاز .. تلك الكلمة التي اعتدنا عليها في عالمنا العربي لأننا جميعا منقوصو الحقوق، فلا تكتمل كراماتنا إلا باللقب، فما أن يتخرج الطالب من جامعته يبدأ فورا بوضع “م.” و “د.” قبل اسمه.

المهم في الوقت الذي كنت أخبرهم فيه تفاصيل كثيرة، تذكرت أنني أحدثهم بالطريقة ذاتها التي خاطبني فيها أستاذي المشرف. اللكنة نفسها واللهفة ذاتها. أدركت تماما فكرة القيادة  التي تأتي من الأعلى إلى الأسفل فتنهمر بشكل سلس، ولذلك غالبا عندما ننادي بأن يقوم كل فرد بدوره على أكمل وجه كي نحصل على مجتمع مثالي سيكون الأمر أشبه بالمياه التي لا تصعد سوى بالضخ. فالآذن أو الموظف الصغير المرتشي لا يٌفسد المجتمع بل يفسده القائد الذي يرتشي. كما وبالمثل لو لم يكن أستاذنا غاية في الأخلاق لم نكن نتعاون مع بعضنا بتلك الطريقة ولا كانت المحبة مرّت من جانبنا يوما، ولم نكن نعلم أهمية الأمل مع كل وجع أيضا.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى