نوافذ

عين أمريكية ولكن …

القاهرة

عين أمريكية ولكن … كثيرا ما كنت أحاور نفسي وأرفع في وجهي عبر مرآتي الداخلية  عددا من الأسئلة الحارقة التي ما إن ينطفئ أحدها حتى يشتعل الآخر ، في تتابع لاتستطيع معه الروح المنهكة ، جراء متابعتها ما يجري لوطننا العربي ،  اللحاق بلحظة قرار ، بل يأخذها الموران والقلق  الإبداعي ، الممزوج باشتباكات يومية مع الراهن السياسي واسترجاعات لأزمنة مواض ،  واستقراءات لمستقبل منظور ..إلى دوامات من التفكير العاصف بكل محاولة للهدوء

ومن الأسئلة التي إن استراحت منها هذه المرآة الداخلية قليلا  فإنها سرعان ما تعاود النقر على هذه البللورة المرآوية : ذلك السؤال  أخطبوطي الحضور عن سرـ لا أقول العداء  لأمريكا ــ  هذا الرفض الصارم لهذه الشركة المتحدة المسماة بالدولة العظمى ولا أراها بمقاييس خاصة تستند إلى قراءة واعية للتاريخ الإنساني إلا دولة طارئة على هذا التاريخ ؛ الأمر الذي حدا  بي كثيرا إلى وصفها في كتاباتي ,حواراتي الصحافية أو التلفازية  بالولايات العشبية الأمريكية ، مؤكدا أنها تعاني  من قزامة تاريخية ، ومن ثم فإن تبنيها  العولمة بنهج خاص ذي صبغة امبريالية متحورة ،  ليس إلا محاولة لتذويب الهويات  وقطع الصلات  بين الدول والشعوب ذات الجذور الضاربة في أعماق التاريخ؛ليصبح الكل خاضعا لحضارة (الماك) و(الكولا)والشركات العابرة للقارات التي لاتتورع عن صناعة السلام باصطناع الكثير من الحروب وتجارة الديمقراطية في مصانع السلاح .

وكنت  ـ ككثيرين من الناشطين السياسيين والمفكرين العرب ـ لا أراها إلا التجلي الأعظم حضورا للرأسمالية المتوحشة استنادا إلى تواريخ من المعارك ذات الصبغة الاقتصادية، فضلا عن التراويج المكرورة عن حقوق الإنسان والتي تتبنى الدفاع عنها باللافتات، فيما هي تسعى إلى إذكاء الصراعات الداخلية، وإعلاء المذهبية والحضور العنصري ،وإن تغلف بغلالات إنسانية

وكثيرا ما راودني سؤال  عن هذه العين التي لا أرى هذه الأمريكا إلا  بها  هي وربيبتها دولة الكيان السرطان الإسرائيلي ، وهل من الممكن ذات يوم أن تتبدل تظرة هذه العين،  إلى أن حملت لي الظروف تغييرا وظيفيا طبيا  في عيني الحقيقية  بإجراء جراحة إزالة مياه بيضاء ثم  زرع عدسة جديدة ، ولما سألت الجراح أخبرني أنه زرع لي عدسة أمريكية الصنع ، فقهقت في أعماقي قبل أن  أرد  ساخرا : إذن ستتغير نظرتي إلى العالم ولن أعود هذا الشخص الذي لا يرى في ما تفعله أمريكا به  إلا طغيانا واعتداء سافرا على حقوق الإنسان برفع لافتة الدفاع عنها ، و ادعاء فرض الديمقراطية فيما هي المدافع الأكبر عن عدد من الأنظمة ذات الصبغة الدكتاتورية ، نظرت في داخلي متحسبا أن تحول هذه العدسة بيني وبين رؤية أمريكا وإسرائيل على حقيقتيهما ؛ وكدت ساخر أطلب إلى الطبيب إعادة المياه البيضاء  إلى العين المريضة ، لكن الروح التي لاتزال على بكارتها ولم تلوثها  أدخنة مصانع التدجيل السياسي  أنقذتني من هذا التصور وأيقنت أن الأمر ليس في نظرتي الخاصة التي تختلف أو تتفق مع مئات الملايين من سكان العالم  وإنما هو في القرار الأمريكي والفعل الأمريكي والممارسات التي ينتهجها الكاوبوي  المتعولم رغم محاولات الميديا السياسية صناعة صورة ذهنية يظن أعضاء مجلس إدارة الشركة المتحدة الأمريكية قدرتها على خداع الشعوب .

صحيح أن الصورة وبرامج الالتقاط والتعديل والبث قد تستطيع خداع العين الباصرة، وترويج  البضائع المسمومة عبر وكلاء سياسيين  لكن الشعوب حية وإن ظن خبراء الصناعة الإعلامية قدرتهم على الخداع الساحر فإن العقول قادرة دائما على تمييز الحقائق عن الزيوف وهي الرهان الذي يرتكن إليه كل مثقف حق في الوطن العربي الذي ندعو الله أن يعود كبيرا .

*نائب رئيس النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى