نوافذ

غريبون حقّاً!

اليمامة كوسى

في أيامنا هذه لا أعلمُ لماذا وجدتُ نفسي أفتحُ أحد معاجم اللّغة لكي أبحثَ عن معنى كلمةِ “الاسم” في اللّغة العربيّة، كانت إجابتهُ البسيطةُ على سؤالي البسيطِ ذاك هي أنّ الاسمَ هو ما يُطلَق على شخصٍ أو شيءٍ ما للاستدلالِ به عليه، ولا أظنّ أنّ هناك حاجة للإسهاب في أهميّة تسمية الأمور بمسمّياتها الصّحيحة والحفاظِ على المعنى الحقيقيّ المُراد منها بعيداً عن الخلط أو الالتباس أو التّشويه ولا سيّما بعد التأمّل قليلاً في كون الأسماءِ هي أوّلُ ما علّمهُ اللّه تعالى لأوّل أنبيائه.

لماذا يا تُرى أخذت التّسميةُ ذلك الحيّز الجوهري في تكوين الإنسان منذ بدء الخليقة؟!

أليس لأنّ الإنسان عليه أن يكوّن في البداية فهماً صحيحاً للمفاهيم التي يسمعها أويقرؤها حتّى يستطيع أن يحدَّد موقفه الصحيح منها؟!

لعلّ أكبر مشاكل البشر – إن عُدنا إلى الجذور- تنبع من اختلاف التّسميات وتحريف المصطلحات، فتراهم يتصرّفون وكأنّ كلّ واحد منهم ترجمَ مسمّياته الخاصّة في معجمه الخاص وأراد تصديرها إلى البقيّةِ وجَعلِهِم يعترفون بها رغماً عنهم دون أن يفهموها، ليصل العالم في نهاية المطاف إلى نسخته الحاليّة المليئة بمختلف أنواع الصّراعات والمبنية فوق أكوامٍ من التّسمياتِ الخادعة للعقول والمفتّتة للحقائق!

تثير استغرابي بعض المصطلحات التي نسمعها على نطاقٍ واسع اليوم وتعطي انطباعاً يسيءُ إلى معناها أكثر ممّا يدلّ عليه، فعلى سبيل المثال ترى البشر يطلقون على الأعمال التي يساعدون فيها بشراً آخرين مثلهم يعانون ما يعانون من ويلات الحياة ومرارتها؛ “أعمالاً إنسانيّة”!

عذراً ولكن مَا البشرُ إذاً؟!

أليسَ مفردهم إنسان كما تقولُ الّلغة؟!

ألا يثيرُ تعجّبكم وسخطكم قولُ أحدِهم في وصف السماء بأنّها “سماءٌ سماويّة” وكأنّهُ من الأمور المميّزة والاستثنائية جداً أن تكون السماء بهذا اللّون؟!

لهذا السبب تخنقني لفظةُ “الإنسانيّة” هذه، وعلاوةً على عدم ارتياحي إليها وإلى صحّةِ جعلها وصفاً للإنسان وأعماله، أجدني مضطرّةً كثيراً هذه الأيام إلى استخدامها في كلّ المواضعِ في زمنٍ باتت إنسانيّةُ الإنسان فيه عملاً غير معتاد تَوجَّب على اللّغة تمييزه حقّاً!

وكمثالٍ آخر؛ تتبادرُ إلى ذهني أيضاً كلمةُ “يا أخ”، تلك الكلمةُ الصغيرة التي أشعرُ بأنّها وعلى عكسِ معناها الحرفيّ لا توحي سوى بالبُعدِ والبرود وعدم الاكتراث ناسفةً بذلك مفهوم الأخوّة عن بكرة أبيه في الغالبية العظمى من استخداماتها!

تعبتُ من التفكير في التّسميات التي في غير موضعها لذا قرّرتُ أن أفتحَ التّلفاز لأُلهي به نفسي قليلاً وإذ بي أجدُ إحدى المرجعيّات الشهيرة التي لا تكفّ عن ضرب الأمثال بتفوّقها الّلافت للأنظار وموضوعيّتها غير المسبوقة في المجال العلميّ وتوريده إلى الشعوب؛ تقول بأنّ القطبَ الشمالي هو القطبُ الجنوبي، وبأنّ كلّ مَن تطأ قدماه القطبَ الشمالي ستكونان قد وَطِأتا القطب الجنوبي دون أيّ نقاش في ذلك!

لم أستطع منع يدي من إغلاق التّلفاز مباشرةً، وأنا أردّد:

بشرٌ غريبون حقّاً!!

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى