فجور التراجيديا

 

“أنتم لم تقتلوا رجلاً… أنتم زرعتم بذرة في التراب”

 

في ليلة 16 نيسان/ إبريل 1988 ذهب أبو جهاد (خليل الوزير) قائد الانتفاضة في فلسطين، إلى مكتبه في تونس ليتابع أخبار الأرض المحتلة ويجري اتصالاته. وبعد لحظات سمع صوت أقدام على الدرج الصاعد من الصالون إلى غرف النوم في الطابق العلوي. هيأ أبو جهاد سلاحه وفتح باب الغرفة، فانهال عليه رشاشان بسبعين طلقة. سقط على وجهه  تفجرت دماؤه، فتقدم رجل ، يبدوأنه قائد العملية، فقلب جسد “أبو جهاد” بقدمه، وأطلق على رأسه الطلقة الأخيرة ليتأكد من موته. كان هذا الرجل وزير الحرب الإسرائيلي (موشيه يعالون). وعندما سئل، فيما بعد، هل أنت الرجل الذي أطلق الطلقة الأخيرة، ابتسم واكتفى بالقول: لقد مات. وعندما كرر الصحفي السؤال كرر هو الجواب: لقد مات.

أبو جهاد هو مهندس انتفاضة الشعب الفلسطيني في ثمانينات القرن الماضي التي سميت انتفاضة أطفال الحجارة، واستمرت خمس سنوات. وكان أبو جهاد من الحرس القديم في فتح، ومن أقدم أعضاء لجنتها المركزية، من جيل ياسر عرفات.

لقد مضى الآن على استشهاد “أمير الشهداء” (هكذا سماه شعبه الفلسطيني) 31 سنة، ليأتي اليوم ،في عصر فضيحة الانحطاط العربي ، الذي يطلب فيه الوفد السياحي الإسرائيلي الذي زار تونس الأسبوع الماضي…. ان يكون جزءاً من البرنامج السياحي (!) زيارة المنزل لذي قتل فيه أبو جهاد على يد الجيش الإسرائيلي.

لكل منا أن يتخيل كيف وقف الدليل السياحي، شارحا خريطة القتل، مشيرا الى خط البداية من الباب حيث قتل الحرس، وصعوداً على الدرج، ومكان سقوط الجسد المضرج، ومنوّها الى بطولة القائد صاحب الطلقة الأخيرة. وربما داس الزوار على المكان الذي سقط فيه جسد أبو جهاد، امعانا بالتشفي . وبالطبع يمكن افتراض الجملة النمطية الاستعمارية ، قيلت بلغة التشفي: “ها قد أتينا يا خليل الوزير”.

كان الشيء الغريب في تونس أنها احتضنت منظمة التحرير وكل الكوادر الفلسطينية لسنوات امتدت من 1982 إلى 1994 فكيف جرى هذا الاختراق الاستعراضي تمهيداً . اختراق الأصول، والقانون ، واختراق الوجدان الشعبي التونسي؟

إنه أحد أنواع تعويد العرب، كل العرب، على الدرجة القصوى في سلالم التنكيل والاحتقار.

ثمة نهايات مفتوحة في التراجيديات… هي أن أبو جهاد دفن في مخيم اليرموك في دمشق. ومخيم اليرموك الآن محطم بالكامل. ولاندري ان كان أبوجهاد على قيد المقبرة . لقد أخرجت جثة أحد الجنود الإسرائيليين لتهدى إلى إسرائيل ، ولا ندري إن كان فجور التراجيديا يصل إلى جثمان أبو جهاد ليحاكمه الإسرائيليون بتهمة سفك الدم اليهودي الشريف.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى