
هل تميل مصالحنا الوطنية إلى الحكمة وصوت الحق والمنطق العقلاني البراغماتي الجيوسياسي ؟
في ظل الواقع العربي المتأزم، يحق لنا أن نسأل بمرارة واستفهام حائر: فعلى أي جانبيك تميل؟
هل نميل مع قوة إقليمية ضد أخرى؟ هل نُجبر على الاصطفاف خلف شعارات طائفية أو قومية أو مذهبية؟ أم آن الأوان لنصحو، لنراجع أنفسنا، ونتحرر من إرث الاصطفاف الأعمى، وننحاز إلى صوت الحق، والمنطق، والمصلحة الوطنية التي طالما همّشها تجار الدم والحروب؟
لقد شهدت منطقتنا الشرق أوسطية، والعربية تحديدًا، خلال العقود الأربعة أو الخمسة الماضية، سلسلة من الصراعات التي لم تخلُ من المرارة والمآسي.
تنوعت الأسباب المعلنة بين القومية والدينية والطائفية والعرقية، غير أن القاسم المشترك بينها جميعًا كان الدمار والتفكك والتشريد، وخسارة الإنسان قبل العمران. مدن عريقة هُدمت، مجتمعات تفتت، وذاكرة جماعية أُصيبت بندوب يصعب أن تندمل.
ومن المحزن أن كثيرًا من هذه الصراعات كانت تُخاض ليس من أجل الإنسان، ولا من أجل المستقبل، بل لتصفية حسابات تاريخية تعود لمئات أو حتى آلاف السنين. حسابات كان الأولى أن تُركن في كتب التاريخ لا أن تُستخرج اليوم من قبورها لتُصبغ بدماء الأحياء. كل ذلك يحدث باسم عقائد ومعتقدات خرافية لم ينزل الله بها من سلطان، تسوقها قوى إقليمية تدّعي زعامة دينية أو قومية او عرقية ، وهي في جوهرها ليست سوى طموحات استعمارية مقنّعة بثوب النضال أو الهوية.
اليوم، يُراد لشعوب الشرق الأوسط، وخصوصًا في بلاد الشام والعراق واليمن ، أن تكون جزءًا من هذه اللعبة الخطيرة. يُطلب منها أن تُقسم ولاءها بين قوتين إقليميتين، كلتاهما لا تتوانى عن استخدام كل الوسائل، بما فيها العنف والمال والإعلام، من أجل توسيع نفوذها، لا من أجل نهضة شعوب المنطقة أو استقرارها. ويُستغفل فيها وعي الناس من خلال شحن طائفي متواصل، واستحضار قصص قديمة تُعاد صياغتها بخبث، وكأننا مجرد أدوات في مسرح دمى كبير.
لكن السؤال الذي يجب أن يُطرح بقوة وجرأة: لماذا نُرغم على الوقوف مع هذا الطرف أو ذاك؟ لماذا لا نقف مع أنفسنا، مع شعوبنا، مع مستقبل أبنائنا؟ لماذا لا نميل إلى صوت العقل والمنطق والمصلحة الوطنية العليا التي تتجاوز كل هذه الاصطفافات العبثية؟
ليس من الحكمة أن نغرق في سرديات الماضي أو أن نُساق وراء شعارات تدّعي أنها تحمي هويتنا أو ديننا أو تاريخنا. فالهوية الحقيقية تُبنى بالعلم والعمل، وبالكرامة الوطنية، لا بالتبعية والاحتراب بالوكالة.
والمصلحة الوطنية ليست شعارًا فارغًا، بل هي قدرة المجتمع على أن ينهض، أن يؤمّن حقوقه، أن يضمن لأبنائه مستقبلًا أفضل من ماضيه.
إن شعوبنا دفعت أثمانًا باهظة في حروب لم تكن من صنعها. تم استخدام الطائفية كأداة لتمزيق المجتمعات، والقومية كشعار لتبرير الإقصاء، والدين كوسيلة للتحريض. واليوم، وبعد كل هذا الخراب، لا يزال البعض يصر على جرّنا إلى خنادق التبعية والانقسام. لكن الزمن تغيّر، والوعي الشعبي بدأ يتبلور، والأصوات التي تطالب بالسلام الحقيقي والكرامة والعدالة بدأت تعلو.
علينا أن نكف عن الوقوف على مفترق الطرق بين قوتين إقليميتين، كلتاهما لا تمثلنا. نحن لسنا بحاجة إلى من يتحدث باسمنا ويفرض وصايته علينا.
حاجتنا الحقيقية هي إلى مشروع وطني جامع، يعلي من قيمة الإنسان، ويضع مصالح الشعوب فوق رغبات السياسيين المعتوهين الذين يتغذون على الخرافة ويعتاشون على الدم.
في النهاية، لا خيار أمامنا سوى أن نميل إلى صوت الحق، إلى المنطق، إلى الكرامة الوطنية. أن ننحاز إلى الإنسان، إلى الحاضر والمستقبل، لا إلى الماضي المثقل بالأحقاد والتزييف . هذه هي المعركة الحقيقية التي تستحق أن نخوضها، وهذه هي الجبهة التي يجب أن نصطفّ فيها جميعاً.
وكما قال الشاعر الكبير خليل مردم بك في كلمات النشيد الوطني السوري :
حماة الديار عليكم سلام أبت ان تذل النفوس الكرام
بوابة الشرق الأوسط الجديدة
لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك
لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر