فـداء المسيـح

كنا في داري ثلاثة أصدقاء ، إثنان مسيحيان و أنا المسلم حين دارت فجأة مناقشة حامية بين صديقي المسيحيين حول المسيح هل مات مصلوبا أم لا…؟

كان أحدهما يقول بما معناه : ما دام الدين المسيحي يقول إن المسيح هو إبن الله ، فليس معقولا إذن أن يتخلى الله عن إبنه و هو يراه مصلوبا على خشبة … إن هذه القصة أسطورة أخترعها تلاميذه كي يسبغوا على المسيح نوعا من القداسة التي تحققت حسب روايتهم برفعه من القبر الذي دفن فيه بعد أن أحياه الله و رفعه إليه . هذه الحكاية ليست سوى أسطورة من الأساطير..

فقال الثاني : هناك من يقول من المؤرخين و بعض المؤمنين أن المسيح لم يصلب ، بل عاش و تزوج من مريم المجدلية التي تطهرت من دنسها على يد المسيح ، و هاجر معها إلى خارج البلاد كي يتابع مع زوجته دعوته الدينية كما جاء في رواية “شيفرة دافينشي” للكاتب (دان براون) و رواية ” الإغواء الأخير للمسيح ” للكاتب الإيطالي ( كازنتزاكي) ..

تدخلت أخيرا في هذا النقاش الصعب بقولي لهما إنني أتذكر حول هذا الموضوع مقاطع من قصيدة للشاعر الروسي ” باسترناك” مؤلف الرواية الشهيرة “الدكتور جيفاكو” و أنها محفوظة لدي منذ زمن بعيد لأهميتها ،فطلبا إستحضارها ، فأتيت بها و شرعت أقرأ لهما تلك المقاطع التي يصف فيها المسيح و هو مع تلاميذته في جبل الزيتون كيف جاء الجنود و الرعاع لإعتقاله فإذا بتلميذه “بطرس” يستل سيفه و يضرب رجلا من المعتدين فيقطع أذنه.. هنا يقول له المسيح في المقطع العاشر من القصيدة ( سلاحك لا يجدي / فرد سيفك إلى مكانه../ تظن أنني لا أستطيع الأن أن أطلب إلى أبي / فيقدم لي أكثر من إثني عشر جيشا من الملائكة / وحينئذاك ترى أعدائي / يتبددون و لا يجرؤون على لمسي / لكن هذه الصفحة في كتاب الحياة / هي أقدس الصفحات و أسماها / فليتم ما هو مكتوب / و لتكن مسيئة / ألا ترى أن إنقضاء الدهر هو كأحد الأمثال/ و أنه في إنقضائه قد يتفجر إلى لهب / إذن باسم جلاله العظيم / أهبط قبري و أختار العذاب../

توقفت المناقشة هنا فتدخلت كي أحدثهما عن موقف الإسلام من هذا الموضوع في الأية الكريمة رقم (156) من سورة النساء التي تقول ” وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ۚ.” إلى آخر الآية .. فاستؤنفت المناقشة كي نتفق أخيرا على مفهوم يلخص المغزى الأساسي في نظر المسيحيين سواء أكان المسيح نفسه المصلوب أم شخص آخر شبيه به شكلا فإن الحاضرين الذين شاهدوا حادث الصلب اعتقدوا كلهم بأن المسيح هو الذي صلب ، وأن عقيدة تضحية المسيح و قد أنتقلت إلى الجميع صارت حجة أخلاقية مفيدة لهم في كسب عطف الناس و تقديرهم مما ساعد على تكاثرهم بالرغم من ملاحقة السلطات الرومانية إياهم و إعتقالهم و تعذيبهم طول ثلاث مائة عام إلى أن آمن الإمبراطور الروماني قسطنطين بعقيدتهم و صارت المسيحية دينا رسميا للأمبراطورية الرومانية بدلا من الوثنية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى