فقدان الهوية
فقدان الهوية… ما من أحد يرغب في أن يكون مشابها لشخص آخر ، و في سبيل تأكيد تفرده و إستقلاله تراه معتزابإختلافه و فرداته و كأنه ينبهنا ضمنا إلى حقد الطبيعي في أن يكون كائنا مختلفا مستقلا بشخصيته لا يشاركه فيها سوى أبنائه .
و كما يعتز الأفراد بخصوصياتهم تفتخر الشعوب بهوياتها الوطنية فالألمان حريصون على ألمانياتهم و الفرنسيون على فرنسياتهم و هكذا بل حتى الأمريكان و هم خليط مستجد من الشعوب حريصون على إطلاق صفة ” الأمركة ” على كل ما يخصهم .
هذه بدهيات لا خلاف حولها ومع ذلك فهناك شعوب كالعرب مثلا تتعرض اليوم إلى مخاطر فقدان هويتها أو خلخلتها على الأقل بسبب السيطرة شبه التامة للدول الكبرى وعلى الأخص الولايات المتحدة الأمريكية – على أجهزة الإتصال الإعلام والبحوث العلمية، وإستخدام كشوفاتها المتطورة مما يجعل الشعوب المتختلفة نسبيا عزلاء عن مواجهة تحديات العالم العربي فإذا هي تفقد شيئا فشيئا عاداتها و تقاليدها العريقة في المأكل والملبس والتذوق الفني و المعتقدات الفكرية مستعيضة عنها بعادات مقتبسة مما يروج له المستكبرون في العالم المتقدم. فاللغة الإنجليزية مثلا تغدو أكثر فأكثر لغة التداول شبه الوحيدة في العالم أجمع وتصبح الأزياء للرجال و النساء في بلادنا تقليدا لما يصلها من الأزياء الغربية وعلى الأخص النساء فهن حتى الآن مازلن يفضلن إرتداء البنطلونات الزرقاء الضيقة كما يرتدي رعاة البقر في أمريكا بل أيضا البنطلونات الممزقة قليلا فوق أفخاذهن ومثل ذلك يحدث في مجالات الموسيقا الراقصة خاصة والرسم وغيرها من الفنون وشيئا فشيئا بات اليوم يفقد خصائصه التقليدية العريقة في الكتابة واللباس وغيرها تشبها بالنموذج الأمريكي ، فما عسى العرب وغيرهم من الشعوب المغلوبة على أمرها يصنعون لمقاومة فقدان هوياتهم العريقة الجميلة ..
وبهذا المعنى وفي وجه هذا التيار الجارف ما عسى العرب يصنعون و هم يجدون مثلاً موسيقاهم تغدو أسرع وأعنف وأدبهم أغرب وأوغل في الإبهام …ماذا تبقى من رمز العروبة و خصوصيتها وماذا سنورث أولادنا سوى الضجيج والإنبهار والإغتراب .
لا أقول هذا كي نلجأ إلى أسلوب المقاطعة الكلية مع الثقافات العالمية بل لقد غدا مستحيلا ذلك و إنما لكي ننبه على الدور الهام الذي يقوم به بعض رجال الفكر والأدب والفنون في حماية الذاكرة القومية . لا بأس إذن من المثاقفة مع العالم لكن لا بأس أيضا من إغناء الذاكرة القومية بإستمرار بالمشرق الجميل من ثراثنا العريق ، ولماذا لا نحتفل من حين لآخر بذكرى شعرائنا و كتابنا القدامى العظام و طباعة إنتاجهم بكميات كبيرة متقنة ورخيصة نسبيا ، ونغير تدريجياً في أسلوب التعليم والتدريس في مدارسنا بدلاً من أسلوب الحشر وتكديس الطلاب بعضهم فوق بعض في صفوفهم وإهمال العناية بتحضير المعلمين والمدرسين معنويا وفكريا وماديا وعلى الأخص في أسلوب التعليم والإبتعاد ما أمكن عن أسلوب الحفظ الأعمى دونما مناقشة بهدف إيقاظ ملكات التفكير الشخصي والإبداع لدى الطلبة ، وإن لا …فما هي مهمة وزارات التربية والتعليم والثقافة والإعلام في بلادنا ؟!…
أيها العرب …إنتبهوا …إنتبهوا …إن العصر الحديث لا يرحم وفقدان الهوية والخصوصية في ميدان التدريب والتعليم والتطور في السباق العالمي الناشط بعيدا عن خيمة التخلف و الركود المنصوبة فوقنا منذ الاف السنين مازال قائما أما آن لنا حكاما ومواطنين أن ننعي بصيرتنا بما يحدث لنا من ضياع في عالم جديد يتطور بعيدا عن متناولنا …