فقه الامن القومي

“الترويض البشري هو أن تجعل الأمل مجرد ذكرى ثقافيه “
__________________________________________

المجاعة العالمية تحصد كل ثلاثة أيام ما يعادل ضحايا هيروشيما في يوم واحد (80000 قتيل). وعند كتابة هذه السطور يكون الرقم المتزايد يومياً قد أصبح شيئاً مضحكاً.

لكن لا المجاعة، ولا ضحايا الحروب، هما المثيران للاهتمام، في نظر عالمنا المعاصر، أي العالم المؤمرك بامتياز، منذ زمن بعيد… المثير للاهتمام هو “الترويض”. والترويض “مصطلح زرائبي” يستخدم في القاموس القديم العنيف، لإلغاء النزوع الطبيعي عند الحيوانات إلى الحرية في …البراري! الكلمة المعدله قاموسياً، البروتوكولية الأقل عنفاً هي : “الاحتواء” . واحدى مزايا الاحتواء ، حين لا ينجح ، قابليته للاستبدال بخطط تصل إلى درجة التدخل المباشر، السري والعلني ذهاباً في النهاية إلى الحرب، التي تعيد صياغة البيئة المناسبة لصراعات لا تنتهي. واستثمارات لاتنتهي (كما الحال اليوم). عام 1963 قال الرئيس الأمريكي جون كينيدي بالحرف:

“… كلما انضم بلد، مهما كان بعيداً عن حدودنا، إلى الستار الحديدي (الاتحاد السوفييتي) فإن أمن الولايات المتحدة يصبح مهدداً بالخطر”. وهذا موجز بسطر واحد لوثيقة الأمن القومي،( فقه الأمن القومي – بلغة إسلاميه)، في تلك الايام . حيث جاء فيها : ” إن الاستسلام في أية بقعة من العالم يهددنا بالهزيمة في كل بقاع العالم”.

وهكذا بعد أقل من سنة موّل “الأمن القومي”، على بعد آلاف الأميال، انقلاباً دموياً في اندونيسيا، أنجز فيه “سوهارتو”، قائد الانقلاب، مجزرة راح ضحيتها 800,000 قتيل بحجة أن إندونبسبا (سوكارنو) تلعب في ظلال الستار الحديدي وتحت شجيرات الهند، وتأكل من “مانغا” عدم الانحياز!

…………………….

حين نعدد التدخلات الأمريكية فإننا نحصي، في مائة عام، مائة تدخل، من السري المخابراتي، إلى العلني والحربي والاحتلال.

الآن أكثر من مائة سؤال ينطرح في تفاصيل الخطط الأمريكية الحالية لمكافحة الإرهاب. وما على طارح الأسئلة سوى وضع هذه الجملة التي قالها صحفي أمريكي:

“الصدق في السياسة الأمريكية… زلة لسان”.

ولتفسير الدوافع وراء الحروب والتدخلات لابد أولاً من رؤية أزمة اقتصادية، أو خطة توسع اقتصادي، أو تفادي كساد اقتصاد السلع الحربية... وثمة أمثلة عديدة أغربها الحرب الكوريه في الخمسينات.

ففي حين كان العالم يئن تحت وطأة الآثار المدمرة للحرب العالمية الثانية. والجوع يفتك بعشرات ملايين البشر… كانت أمريكا تعيش الفورة الاقتصادية غير المسبوقة بسبب الاستثمار في الحرب الكوريه ….. بل الاستثمار في الحرب العالمية الثانية.

وأظن ليس هناك من يعتقد أن الأمريكيين لم يربحوا من حربي الخليج، واحتلال أفغانستان، والعراق.

الآن لا أحد يستطيع أن يرى “داعش” بوصفها الإرهاب الذي تخشاه أمريكا على المدنية الأوروبية والحياة الأمريكية… بل رؤية داعش كـ “بن لادن” و “الملا عمر” و “صدام ـ أسلحة الدمار الشامل”… كلهم بوصفهم أداة للعودة إلى العراق.

لكن الجديد هذه المره إضافة سورية إلى خريطة الاحتلال بقفازات الطيارين في السماء، وسراويل “الإسلاميين المعتدلين” و”الجيش الحر” في الأرض….حراس فضيلة الاحتلال !

إضافة سورية الغاز القادم،
والنفط القادم،
والروس القادمين،
والشيعية القادمة بدل الشيوعية الآفلة.

إنها خريطة للشرق الاوسط الجديد .

ومن الطبيعي أن تكون عسيرة ولادة هذا الكائن المشوه، هذا الكائن الجديد الذئب لن يولد إلا بعد أن يتحطم الكائن القديم …

وهنا تبدأ الخيارات …والامتحانات العسيره أمام الهياكل التي سمت نفسها دولاً، وأمام الجغرافيا الممزقة التي سميت أوطاناً. وأمام القادة الذين لم يكونوا سادة أبداً .

لكن خيارات اللحظة الاخيرة….هي الأسوأ.

إنها ليست خيارات …

بل ممرات إجبارية !!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى