( دايفيد كوبرفيلد ) بين الرواية و نسخة سينمائية جديدة

 

خاص بوابة الشرق الأوسط الجديدة

في نسحة جديدة، أنتجت العام 2019 ، يقدم المخرج ( أرماندو إينانوتشي ) فيلماً جديداً عن رواية الكاتب العالمي تشارلز ديكنز ( دايفيد كوبرفيلد) . كتب السيناريو له مع سيمون بلاكويل، و حمل الفيلم رؤية فنية  وتقدم تفسيراً لمعاني الرواية تستلزم النظر والبحث فيها لما فيها من دلالات حول تأثير الفيلم في الرواية، وتأثير الرواية في الفيلم .

رواية ديكنز مغرقة في الواقعية تصور الحالة الإجتماعية  في لندن الفقيرة في القرن التاسع عشر، مركزة على قسوة التعامل مع الأطفال والمرأة. وفي هذا التصوير الواقعي، قدم ديكنز إنتقاداً إجتماعياً سياسياً لهذا المجتمع، الذي اتسم بالسواد والقسوة والفقر.

بالمقابل جاء فيلم إينانوتشي معتمداً على التصوير الكاريكاتيري للشخصيات والأحداث، ورغم أن المبالغة الكاريكاتيرية كانت مدروسة لتحافظ على ارتباط ولو خفيف بأجواء ديكنز، فإن الفيلم ابتعد عن واقعية ديكنز، وتخلى عن معنى هذه الواقعية بما تحمله من نقد إجتماعي وسياسي . وهكذا جاء الفيلم كأحداث كاريكاتيرية ، مسلية، وطريفة، ومتقنة في هذا المجال . و لكنه بدون البعد ( الديكنزي ) الناقد للمجتمع والسياسة في لندن  نهاية القرن التاسع عشر .

و هكذا و بعد مائة عام على وفاة ديكنز فإن و اقعيته الروائية مازالت حاضرة ومؤثرة عبر عالمه الروائي ، لكن الفيلم الأخير يخون نقدية ديكنز خدمة للكاركاتيرية التي تخلق ( ظرافة ) مسلية . أي أن الفيلم استبدل ( الواقعية النقدية ) بـ ( الكاريكاتيرية الظريفة ) بشكل جعل من الرواية مادة تسلية تنسي المشاهد حالة المجتمع في لندن نهاية القرن التاسع عشر، وتغطي على فداحة الفقر وقسوة التعامل مع الأطفال والنساء.

هناك طبعاً نوع من السينما وظيفته ( التسلية الظريفة ). ولكن تحويل رواية واقعية نقدية، عميقة بنقديتها  وتأثيرها ، كرواية دايفيد كوبرفيلد، إلى تسلية ظريفة فيه مخاطر دفع المتفرج إلى التسلي بالقضايا الإجتماعية، وتحويل النقد العميق إلى طرافة في المواقف تضحك وتسلي، بدلاً من إمتاعه بتملك معرفة عميقة، والشعور بالحبور لتملك وعياً إجتماعياً يعمق الرؤية، ويشحن الضمير … من هنا  نجد أننا أمام إتجاه يريد، عبر حجة أنه يقدم رؤية فنية جديدة، تحويل النقد الجدي العميق في الرواية والمجتمع ، إلى حالة ظرافة نتسلى بها ، ونضيع معانيها.

فيلم التاريخ الشخصي لدايفيد كوبرفيلد ، للمخرج إينانوتشي، مثال عن خيانة الواقعية لصالح الظرافة و التسلية، والمشكلة أنه متقن ضمن هذا الجنس الفني . ومع أن الحرية الإبداعية تتيح لكل مبدع أن يقدم رؤيته الفنية، فيما يريد ، ولكن وبنفس الوقت لنا الحق في كشف الخيانة للواقعية، وللنقد الإجتماعي ، ومن واجبنا كشف كل رؤية تخون المعنى الأصلي .. لذلك أقول اتركوا الرواية القوية بنقدها المجتمعي لتبقى رائدة في عالم الأدب الفاعل في النفس البشرية و إمتاعها … و ابحثوا عن التسلية بعيداً عن المراجع النقدية الإجتماعية والسياسية الروائية المكرسة عبر مائة عام … إنه درس في ضرورة الحفاظ على الرواية كجنس أدبي نقدي فاعل و باق و مستمر.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى