فيروز شكراً

الذي اخترع الاغنيه … امرأه
_______________________

دمشق عامصة ثقافية 2008 استقبلت فيروز في دار الأوبرا. وقد أُثيرت ضجّة لبنانية سياسية تقول لها: لا تذهبي. ولكنها جاءت.
هذا النص في تلك المناسبة ، واليوم …احتفالاً بعيد ميلادها .

_________________________

المدن القديمة.، خزان تجربتها كبير. ويتألف أصحابها من بقايا الشقاء المصيري في تجربة شتاء الغزاة. ولذلك لا تصاب مثل هذه المدن بالذعر عندما تهدد حدودها، بل تستنفر تجربتها في صناعة مصير الغزاة وقطاع الطرق والعابرين… لقد تعودت هذه المدينة الصبر على غرباء لا يفهمونها، وهم يخوضون في وحل أزقتها بحثاً عن إمرأة للاغتصاب، وذهب للنهب، وركن دافىْ إلى جوار موقد لم ينطفىء بعد.

سماها ابن بطوطة (1355م): “تحفة النظّار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار”.

وكل من أحب هذه المدينة، وفهمها كان حبّه لها أرجح وزناً من قلمه ولسانه. فيذهب منها مستاءً ويعود إليها مشتاقاً.

ما قاله الكاتب الجزائري “مالك حداد” وهو يموت : ” أعيدوني إلى قسطنطينية. فليس في هذا العالم سماء زرقاء إلا …هناك”….يتطابق مع اي لغة في الحنين الى دمشق.

هذه دمشق… مدينة حافظت على أبواب سبعة، ولكنها أبقت كل الطرق مفتوحة إلى العالم… وها هي، بكل فقرائها وأغنياتها، تتوسع وتتمدد وتشرب بردى كلّه، وتتناطح كل الأكتاف من كل الأصناف فيها… ولكنها تبقى قادرة على الشقاء وعلى البقاء معاً. ربما لأنها تحفر في أعماق المكان بحثاً عن الذهب، وعندما لا تجد إلا نحاساً ، فانها تصنع منه آنية… للحياة .

أنا لا أحب المديح الذي يرشّه الكاتبون على المدن. ولست متخصصاً في إدارة الشكل العمق لنوستالجيا الغرباء والمسافرين. بل أفضّل المديح الظليل لشجرة، وشوكة تخز الانتباه في طريق الإنسان الضيق…

ولكنني شعرت بنوع مسالم من العصبية، حين فيروز العظيمة عرضة للاتهام والنصيحة بألا تغني في دمشق عاصمة الثقافة، بدعوى أنها عاصمة للسياسة. وثمة بين بلدين ، متجاوري الجذوع والجذور ، حدّاد المسافات الطويلة الذي مهنته أن يحطم الجسور.

فيروز أيقونتنا جميعاً. وعندما الملائكة ملّوا ذات يوم طلبوا من الله أن “يغنّوا”… فأرسل لهم فيروز. وكذلك فعل العشاق… عندما لم يعرفوا كيف يديرون مصيرهم باتجاه البقاء معاً الى الابد ً… أرسل لهم فيروز.

وفيروز لم تمتدح أحداً، بل أحبّت أحداً. فكان من بين من أحبتهم المدن التي من بينها القدس ، لأنها جريحة في محنتها ،ودمشق لأنها جريئة في أحلامها. أما لبنان فبطل جمال صوتها الأبدي.

لا يقال لفيروز ماذا تفعل إلا في لحظة البروفات في استديو الرحابنة، وتحت أعمدة بعلبك، وفي ظلال الحزن الجميل ليلة الميلاد والجمعة الحزينة.

لا يقال لفيروز اذهبي أو لا تذهبي إلى دمشق.

لا يقال لها أي شيء سوى ” شكراً “… لا من نائب “زائل”، ولا من صحفي “جاهل”. فقد أولدت فيروز ذوقنا، وأنجبتنا على أرجوحة صوتها قبل شباط وآذار اللبنانيين. كما قبل أي شهر سوري في تقويم سياسة البلدين.

فيروز مؤرخة العذوبه ،وتقويم جمال الأيام .

لسعيد عقل بيت من الشعر/ الشعر (كما يقول) ينطبق على فيروز ويسيجها من النصائح والانتقادات :

أجمل ما يؤثر عن أرضنا وهمها أنك زرت الوجود

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى