.. في الغرفة المظلمة (وائل عبد الفتاح)


وائل عبد الفتاح

 

ــ 1 ــ

الحظر ليس نهاية «الإخوان».
النهاية كانت مبكرة عن حكم المحكمة بحظر النشاط، الذي كان غامضا بين الدين والسياسة، وصادر الاموال والاملاك، بكل غموض مساراتها وسربتها داخل مصر وخارجها.
نهاية الجماعة ارتبطت بكونها أغفلت الإرادة الشعبية من حساباتها. إغفال عن عمد بائس حارب الخروج الشعبي في 30 يونيو (حزيران) باختصاره في حدود «المؤامرة»، وهنا ضاعت فرصة على الجماعة لتمارس «السياسة» عبر السلطة، وهي ليست سياسة تماما، وانما» تسييس « للحرب من اجل السلطة.
فقدت الجماعة قدرتها على «التسييس» حين استبعدت اقتراحات المبادرة بعقد انتخابات مبكرة، وفي المقابل تقلصت مساحة المناورة لتشبه المربع الصغير الذي اقام فيه المرسي قبل عزله.
الحكم لن يغيّر الأوضاع السياسية كثيرا، ولا الامنية، خاصة وأن الحكومة الانتقالية لاتريد التورط في «اجتثاث» الاخوان، وتحبذ المسار القانوني الذي يعتبر الحكم كما صدر (من محكمة مستعجلة وعقابا على ارتكاب الجماعة للعنف وقت وجودها في الحكم) ليس بالقوة التي تجعله حاسما كما لو كان صدر من المحكمة الإدارية، او وفق تأسيس قانوني يجرم سرية العمل السياسي، او يمنع استخدام الدين في السياسة.

ــ 2 ــ

هنا تخسر الجماعة باختياراتها.
فالحلفاء (اجنحة الارهاب والتطرف من الاسلاميين) لم يبق منهم الا من تجوز عليه «الشيطنة « (ويثير رعب ومن ثم كراهية المجتمع رغم ضعفه وعشوائيته).
والراعي الدولي ايضا تراجع (كما ظهر امس في تصريحات اوباما عن عجز المرسي)… وذلك بقوة الانتصار على الارض لصالح 30 يونيو، والاهم باستمرار الدعم الشعبي لانهاء عصر الاخوان واحيانا القضاء المبرم عليهم.
هذه النزعات الشعبوية تفتقد كل يوم تجسيدها السياسي، وتنسحب نتيجة صراع الاجنحة داخل الدولة الامنية لصالح سيطرة الجناح الذي يريد المحافظة على نظافة بدلته (من توابع التصاق بقايا العصابة المباركية من دون مبارك او التصور بأن الشجاعة هي في الوقوف ضد الاخوان لمصالح شخصية او مطامع في السلطة).
جناح «البدل النظيفة» يصنع فراغا الان من حوله لتترسخ صورة (المنقذ، المطهر، العابر بالدولة برك الاوساخ)… وفي المقابل يعاني من اللعب في السياسة لانه بلا جهاز سياسي. فقط شعبوية الفريق السيسي وتعلية فكرة «المهمة المقدسة» للجيش… وفي المقابل تبدو هزيمة الاخوان جاثمة على حضور الاسلاميين وسلطاتهم… والتعويض هنا بتعلية «المؤسسة الدينية الرسمية»، برغم تاريخها الطويل (الأزهر والكنيسة) في اللعب لصالح «الدولة» بمعناها السلطوي.

ــ 3 ــ

وماذا ستفعل المؤسسات التعويضية؟
الدولة قامت منذ تأسيسها على حسم الحرب قبل ان تبدأ. فالاقوى يفرض صيغته، وخريطة توزيعه الانصاب.
هنا المؤسسة التعويضية (جيش من دون جهاز سياسي، واسلاميون من دون منافسين على السلطة) لن تقدر على الحسم. وستحاول الدفاع عن الموقع الذي يمكّن السلطة من وضع اعمدة التمكين، والاسلاميون من اعمدة الهوياتية.
المجتمع الذي يشغل المساحة الاكبر من الفراغ، مازال قيد الارتجال، وتكوين الخبرات، وكما يبدو من نقاشات تأسيس الدستور تنكشف آثار «التصحر» الذي وصلت اليه البيئة السياسية في مصر مع الثلاثين سنة الاخيرة من عمر الاستبداد و الفساد.
ضجيج المعارك يتم حسب خبرة الاحتجاج على رفض اجتياحات مندوبي السلطة، عبر ترسيخ مبدأ الامن القومي كمرجعية اخيرة، او مندوبي الهوياتية والسلطة الدينية، عبر فرض سطوة لمؤسسات دينية (ليس الازهر الذي هو مؤسسة بحث علمي ولكن الكنيسة التي يسلم اليها المسيحيون باعتبارهم «شعبها»).
سيبدو التغيير فاعلا اكثر في مساحة الحقوق والحريات، المجال الاوسع لصراع «تأسيس» المجتمع، وضمانة الابقاء على المجال السياسي خارج هندسة القمع.
وبرغم اهتمام العناصر السلطوية بالتمكين والهوياتية، الا ان هندسة جديدة للمجتمع وفق الحقوق والحريات، ستدفع المعركة خطوة للامام، هذا طبعا اذا لم تصدق الروايات عن اشباح يسكنون في الغرف المظلمة وسيخرجون بعد ان تنتهي تسالي ما بعد التخلص من الاخوان، ليطردوا الجميع من المجال السياسي.


صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى