في انتظار «الدكر» (وائل عبد الفتاح)

 

وائل عبد الفتاح

«عاوزين دكر»… لم يخجل صاحب اللافتة من انتصابها فى مفترق طرق… بل كانت مصدر تباهيه المفرط.
لافتة تحمل صورة السيسي بالزي العسكري، وإعلاناً عن افتقاد الذكورة، او طلباً لها، او على الأقل دعاية لمرشح رئاسي تقول التوقعات إنه سيكون الرئيس المقبل.
إنها استعادة او تعلية لمفهوم «ذكورة الحاكم»، وهي مفاهيم اكبر من حملة السيسي او من السيسي نفسه، لكن الحملة وربما المرشح الرئاسي يستخدمها او يستفيد منها، وهي ضده ان لم تكن مقتله.
وصورة الحاكم الذكر الاعلى الذي يهزم الاعداء ليست قديمة ولا ساذجة ولا مبرَرَة لديكتاتورية فحسب، وإنما فكرة رديئة لا مكان لها في البروباغاندا. وذكورة الحاكم صورة زائفة توقظ الجانب الميت، الذي لم يعد صالحاً في الحياة الحديثة، لتصعد عليه الى الحكم.
وكما كان المرسي واهماً وهو يبرر وجوده بإعادة «أمير المؤمنين»، فإن دعاية «الدكر» ستكون وهماً من نوع آخر… ذلك الوهم الذي سيدمّر صانعه.
بعد ايام قليلة من سقوط زين العابدين بن علي في تونس، وصلت وفود أوروبية وأميركية الى القاهرة قبل ثورة ٢٥ يناير. التقت الوفود عمر سليمان، مدير المخابرات وقتها، لتفهم كيف ينظر نظام حسني مبارك الى ما حدث في تونس… وكان ملخص رؤية اللاعب الرئيسي وحامي النظام هي أن «زين ليس رجلاً…»، وأن ما حدث في تونس «خيبة نظام لم يستطع حماية عرشه».
وبالتفصيل كانت رؤية النظام عبر حارسه الاول هي:
لحظة ضعف في النظام التونسي.
أظهر خطاب بن علي الضعف والتراجع وشجع التظاهرات.
بن علي ضعيف وقليل الخبرة.
مصر غير تونس.
الغاضبون في مصر مجموعة مدونين ونشطاء لا علاقة لهم بالشارع.
الشعب في مصر لا يطلب أكثر من الخبز والمرتّب، وعندما نلبّي هذه المطالب يمكننا (إعادة) السيطرة.
لا علاقة للشعب بالديموقراطية ولا بالحريات.
هذه رؤية ملخّصة لنظرية في الحكم عن «ذكورة» أنظمةٍ سياسية، تعيش على ترويض شعوبٍ طال قهرها وقمعها، باسم شعارات كبرى وقيم خالدة ومصالح عليا، ظلّت تضيق الى حدود «دفاع الرجال عن قصورهم».
وهذه قبائل وعشائر لا دول. هذا عمق نظرة اللاعبين الرئيسيين إلى أنظمة ترى الحكم ترويضاً والسلطة حديداً وناراً، والخروج عنها شغب لا بد من مواجهته. وإلقاء كسرات خبز للجوعى وتلويح بأوراق مالية، تعيد الوحوش الغاضبة الى أقفاصها الأليفة.
الترويج للسيسي على انه «الدكر» او الذكورة القادمة اعلان مسبق بالفشل، او التعامل مع السلطة على انه «فيلم تاريخي» اذا صدق صناعه انفسهم فإننا سنعيش اياماً بين الملهاة والمأساة… اما اذا كانوا يدركون ويبيبعون الوهم في لافتات، فإننا سندفع ثمن هذه الفهلوة اضعافاً مضاعفة، لأن السلطة لم تعد مكاناً لاستعراضات الذكورة، والحكام الذين عاشوا على ترويض الشعوب وإلقاء الفتات وصناعة اوهام العداوة كانت نهايتهم معروفة ومفزعة في تجارب البشر.
اقصد البشر الذين يتعلمون من التاريخ، الذين نقلوا بحثهم عن البطولة الى ساحات اخرى ولم يعد الحاكم ساحراً ولا ذكراً يستعرض ذكورته في ساحات الحرب او الحكم.
كل استعراضي بذكورته نهايته كارثة جماعية، من هتلر الى صدام حسين، مروراً بكل الذين جمّدوا او كلسوا شعوبهم عند هذه الدرجة من التطور البشري ليحتفظوا بمقاعدهم، ونشروا وعياً بأن الجمود والتكلس استقرار، وأن التسلط هو «ذكورة مطلوبة» لقمع الخارجين عن القانون، وأنه يمكن لشعب ان يعيش مجرد الحياة اذا اختفى الاختلاف وقمع المختلفون وأصبحت الدولة ملعباً استعراضياً للمنتصرين على الاختلاف والتعدد.
وهذه هي الاوهام التي تسند فكرة «الذكورة» عند منتظري السيسي كما كانت عند منتظري خيرت الشاطر بمجاهديه، وكلاهما يستدعي الخرافات لحظة الهزيمة…
تواضعوا قليلا قبل الكارثة…
لا مستقبل من دون الإقرار بأننا سنعيش جميعاً وباختلافاتنا هنا على هذه الارض، وهذا لا يعني اننا سنصبح افضل او سنتحول الى ملائكة تنقصنا الاجنحة، ولكن بإدراك ان مصلحتنا هي وقف هذه الخرافات (عن الذكورة او امارة المؤمنين ) عن تدمير حياتنا. وكما ان وقف العبودية او إنهاء الحرب الاهلية في دول كثيرة لم يكن بسبب ان الفرق المتحاربة نزل عليها وحي الطيبة والتسامح فجأة، ولكن لأن الخراب والدمار والالم قادتهم الى إدراك ان «المصلحة العليا» في الوصول الى اتفاق على الحياة… اتفاق لا يتطلب ان يتخلى كل فرد او قطيع عن اوهامه، ولكنه يتطلب تغيير النظام الذي ادى بنا الى هذه الجحيم.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى