في خراب الاقتصاد السوري (فايز سارة)

فايز سارة

يبدو الاقتصاد السوري شبه مدمر بعد عامين من الازمة، وخراب الوضع الاقتصادي لا يحتاج الى جهد كبير لالتقاط مؤشراته. اذ هي واضحة في الاسواق وظاهرة في حياة السوريين اليومية، حيث البطالة ظاهرة عامة، ومثلها نقص السلع المستوردة والمحلية، وارتفاع اسعار المواد المختلفة بما فيها المواد الضرورية والاساسية بالتوازي مع انخفاض شديد بسعر العملة السورية مقارنة بالعملات الاجنبية، حيث فقدت الليرة أكثر من نصف قيمتها مقابل الدولار الاميركي في الاشهر الاخيرة، وهناك نقص كبير في امدادات الطاقة الكهربائية وفي المحروقات ووقود السيارات، وثمة تدهور في مستوى الخدمات العامة بما فيها خدمات الصحة والتعليم والمواصلات والاتصالات وغيرها.
غير ان مؤشرات الحياة اليومية، لا تبين كل الخراب في واقع الاقتصاد السوري، حيث هناك مؤشرات ووقائع أعمق في دلالاتها، ولعل الأبرز في تلك المؤشرات يمثله التوقف الكلي، او اغلب انشطة قطاعات الاقتصاد. ومنذ انطلاق التظاهرات في منتصف آذار 2011، توقف القطاع السياحي في أغلب فعالياته، وكل مشروعاته، التي كانت في طور البداية أو في طور التخطيط، واخذ التباطؤ يتسلل الى القطاعات الاخرى. فاصيب قطاع الاسكان والانشاءات بالانكماش، وتبعه القطاع الصناعي، الذي بدأ بعد ان تجاوزت الثورة اشهرها الاولى يتراجع، نتيجة الترديات الأمنية من جهة، وبفعل العقوبات الدولية التي جرى فرضها، والتي أثرت على استجرار الآلات والمعدات الصناعية والمواد الاولية، وبعض تلك الظروف ادى الى تراجع القطاع التجاري للاسباب السابقة ونتيجة انخفاض القدرة الشرائية للمستهلكين، والتركيز على استهلاك الضروريات. ولم يسلم القطاع الزراعي من اثر تدهور الاوضاع الامنية، والتي ترافقت في بعض المناطق مثل أرياف درعا، دمشق وإدلب باستهداف المناطق الزراعية وتدمير محاصيلها واشجارها من جانب القوى الامنية والعسكرية لاسباب انتقامية في بعض الاحيان.
ان الارقام يمكن ان تشكل دلالات مختصرة في بعض جوانب خراب الوضع الاقتصادي السوري، ومن هذه الارقام، انه تم استهلاك اغلب احتياطات النقد الاجنبي الذي كان يبلغ في ربيع 2011 حوالي 18 مليار دولار، وتراجعت الايرادات العامة للدولة في كل القطاعات، وتقلصت التحويلات المالية ومنها تحويلات السوريين العاملين في الخارج، وتوقف تنفيذ اتفاقات التمويل الاجنبية للمشاريع المختلفة، وتم هروب ما قدر بنحو 22 مليار دولار من رؤوس الأموال للخارج، وسجل الاقتصاد السوري مستوى انكماش نسبته 30 و40 بالمئة في العام الماضي، وغادر ما يزيد عن ستين بالمئة من رجال المال والاعمال السوريين للخارج، وتوقفت آلاف المعامل بصورة كلية منها اكثر من الف معمل قيل إنها نقلت الى تركيا.
ان خراب الاقتصاد السوري، كان ثمرة ثلاثة من العوامل الاساسية، العامل الاول فيها والاهم يكمن في طبيعة الحل الامني العسكري الذي اختاره النظام في مواجهة الثورة الشعبية، التي انفجرت احداثها في آذار 2011، حيث بدأ استخدام القوة ضد التظاهرات الشعبية، ثم شملت عمليات القتل والجرح والاعتقال، وسرعان ما تطورت الامور الى حصار المدن والقرى واجتياحها، واغلاق الطرق العامة، ما شل الحركة العامة وعطل عمل كثير من المؤسسات الاقتصادية الانتاجية والخدمية، واوقف الخطط والمشاريع التي كانت في طريق التنفيذ، ثم اضيفت الى ذلك اعمال القصف المدفعي والجوي ثم الصاروخي، التي طالت مدناَ وقرى، تم بفعلها تهجير ملايين السكان ودمار جزئي للبنية التحتية اضافة لما تم تدميره من مؤسسات ومعامل في محيط المدن، وخاصة في ريفي دمشق وحلب، حيث تتمركز آلاف المؤسسات الصناعية والحرفية ومشاريع الانتاج الزراعي والحيواني، لقد دمر الحل الامني ـ العسكري في احد فصوله المجنونة شبكة الاسواق التجارية في حلب القديمة.
والعامل الثاني الذي انتج الخراب الاقتصادي، تمثله سياسات الحكومة السورية، التي بدا ان سياساتها ملحقة بالحل الامني العسكري، وليس الاخير سوى جزء من تلك السياسة. وفي سياق تلك السياسة وضعت كل امكانيات الحكومة تحت تصرف الآلة العسكرية ـ الامنية، سعياً الى توفير كل الامكانيات المالية للاحتياجات العسكرية، بل ان الامر تطور لاحقاَ الى اقرار موازنة سورية، هي «موازنة حرب» يصرف الجزء الرئيسي منها على الجيش والامن والشبيحة ورواتب الموظفين وبعض النفقات الضرورية الأخرى لتسيير ماكينة الدولة حتى تظل حاضرة ومسيطرة، وللدلالة «أن الدولة ما زالت قائمة»، وتم تخصيص القسم الرئيس من الاستهلاك النفطي لمصلحة الآلة العسكرية، وكذلك القسم الاهم من الموارد المالية، وبهذا توقفت او كادت المشاريع والانشطة الخاصة بمؤسسات الدولة بما فيها المؤسسات الانتاجية ومنها محطات انتاج الطاقة الكهربائية نتيجة نقص الوقود وتوقف المواصلات وخراب البنى التحتية التي لا تتوفر موارد لاعادة اصلاحها وتأهيلها.
اما العامل الثالث للخراب الاقتصادي، فكان في نظام العقوبات التي تم اتخاذها ضد سوريا، والتي رغم انها كانت موجهة الى مؤسسات محددة وشخصيات معينة داخل النظام، فإن انعكاساتها على الدولة والمجتمع كانت عامة، ذلك ان في نتائجها، تم التدهور في القدرة السورية على تمويل عمليات الاستيراد بما في ذلك استيراد مواد اساسية تشمل معدات ومواد صناعية أولية ومتممة، كما ادت العقوبات الى منع وصول تحويلات المغتربين السوريين والمقدرة بقرابة مليار دولار سنوياً الى الداخل السوري.
إن الخراب الذي أصاب الاقتصاد السوري مستمر في تدهوره، وسط معالجات لفظية ديماغوجية، وحلول ترقيعية، تثبت كل يوم عدم مقدرة السلطات السورية على معالجته بصورة جدية، لأن المدخل الاساسي في اي علاج للوضع الاقتصادي يكمن في وقف العمليات العسكرية وأخذ البلاد الى حل سياسي، يوقف الدمار ويبدأ في توفير اساسيات الحياة للسوريين، ومعالجة ما جرى تخريبه وتدميره في العامين الماضيين.

صحيفة السفير اللبنانية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى