في صميم الأزمة.. رومني مع “المحافظين الجدد” (جيمس زغبي)

جيمس زغبي

كنت في زيارة للشرق الأوسط عندما تعرضت سفارة أميركا في القاهرة وقنصليتها في بنغازي للهجوم من قبل مجموعات من الغوغاء والمتطرفين ما أسفر عن مصرع سفيرها لدى ليبيا «كريس ستيفنز» وثلاثة آخرين من طاقم القنصلية. وكانت ردة الفعل على هذه الأحداث في أوساط الأميركيين الذين يعيشون في الخارج، والعديد من أصدقائنا في المنطقة، هو مزيج من الحزن العميق والرعب.
إذا كنت أميركياً تسافر كثيراً للعالم العربي مثلي، ستدرك أن مثل هذه الأحداث لا تصب في صالح العلاقات الأميركية- العربية، وأنه بعد عقود من السياسات التي أدت إلى صدمات ومآس للعديد من العرب، لا يزال هناك صدع سياسي عميق بين الشرق والغرب، بعد أن ألحق كل طرف منهما بالآخر الكثير من الإهانات والألم.
وما كان برميل بارود المشاعر الملتهبة هذا بحاجة إلى مهيج إضافي يحمل في يده أعواد ثقاب كي يشعل الفتنة بين الطرفين، بيد أن هذا هو ما حدث للأسف. فوصفة الكارثة، وحدت ما بين بعض الجماعات الإرهابية عبر الشرق الأوسط، ممن لديها رغبة عارمة لاستغلال الشباب الغاضب والمهمش الباحث عن هدف يوجه إليه غضبه وإحباطه، وبين جماعات من الأميركيين ممن يحملون خوفاً مرضياً من الإسلام والذين كانوا يسعون عن عمد لإثارة نيران الفتنة.
الأميركيون بالخارج يعرفون تماماً ما الذي كان طاقم السفارة الأميركية في القاهرة يقوم به، عندما أصدر أعضاؤه بياناً يشجبون فيه الفيلم الشنيع المسيء للإسلام. لقد كانوا يحاولون من خلال ذلك إنقاذ حي، وإنقاذ شرف أميركا من خلال توضيح أنه في الوقت الذي تحتفي فيه بحرية الكلمة إلا أن أبناءها يعرفون أيضاً كيف يغضبون عندما يسيء البعض منهم استخدام هذه الحرية.
أدى عرض الفيلم المسيء لتصاعد الأحداث، حيث تعرض مبنى السفارة الأميركية في القاهرة للاختراق من قبل مجموعات غاضبة، كما تعرض مبنى القنصلية الأميركية في بنغازي لهجوم من جماعة مسلحة ما أدى إلى مصرع السفير. واعتقد الأميركيون الذين يشاهدون الأحداث من الشرق الأوسط، أن أوباما، ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، قد قاما برد الفعل الصائب تماماً عندما شجبا بكل قوة أعمال الشغب المناوئة لأميركا في القاهرة، والهجوم الدموي على قنصليتها في بنغازي وطالبا الحكومتين المصرية والليبية بتحمل مسؤوليتهما.
ولكن عندما دخل «رومني» المرشح «الجمهوري» لانتخابات الرئاسة، وبعض أنصاره على الخط، وحاولا استغلال الحدث لإحراز نقاط سياسية، شعرنا بالانزعاج والإحراج في ذات الوقت.
اتهم «رومني» أوباما بأنه»يتعاطف مع هؤلاء الذين شنوا الهجمات»، وأنه» قد اعتذر عن القيم الأميركية»، وذلك قبل أن يقوم سيناتور «جمهوري» بارز بإرجاع السبب في الهجمات» لعجز أوباما عن القيادة وسياسته الخارجية الفاشلة، القائمة على الاسترضاء والاعتذار»، على الرغم من القلق الذي اعترانا بسبب تلك الاتهامات، فإن الشيء الذي كان واضحاً بجلاء هو أن هجوم «الجمهوريين» على الرئيس لم يكن من وحي اللحظة، وإنما كان هجوماً مدبراً ومنسقاً يعكس ذهنية جامدة متأثرة بالمدونة النقدية لـ»المحافظين الجدد» لدبلوماسية أوباما الشرق أوسطية، بل ويمكن القول لدبلوماسيته بشكل عام.
فالعالم في نظر «المحافظين الجدد» ينقسم إلى لونين أبيض وأسود، وإلى نحن وهم، فنحن جيدون دائماً ليس نتيجة لما نقوم به، وإنما بسبب ما حبانا الله به؛ وأن قدرنا في هذا العالم، هو أن نواجه الشر، وأن ننتصر عليه في نهاية المطاف. ولذلك، لا يعترف «المحافظون الجدد» بجدوى الدبلوماسية ولا بجدوى التفاوض مع الأعداء الذين لا ينفع معهم إلا العزم والقوة العسكرية.
كانت المهمة الأولى أمام إدارة أوباما عندما تولت الحكم هي محاولة إصلاح الضرر الذي ألحقته تلك الذهنية بمصالح أميركا وصورتها في الخارج، ولكن مع كل خطوة كانت تتخذها على هذا الطريق، كانت تتعرض لردود فعل غاضبة من قبل «المحافظين الجدد».
حدث هذا عندما أعلن أوباما نيته إغلاق معتقل جوانتانامو، وإيقاف التعذيب، وحدث هذا عندما أعلن عن نيته تجريب الطريق الدبلوماسي في مقاربة الأزمة مع إيران، وجعل من استعادة مسار المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية هدفاً، وعندما اتخذ قراراً بإنهاء حرب العراق، ودخل في حوار مع العالم العربي والإسلامي عززه بخطابه التاريخي في جامعة القاهرة.
والمنطق الكامن وراء»خطة الهجوم» الذي يشنونه على أوباما هو عدم الإيمان بجدوى الدبلوماسية والقوة الناعمة، واستخدام القوة العسكرية الماحقة لتأمين أهدافنا ومصالحنا.
وللتأكيد على هذا المنطق أبرز «رومني» في خطابه يوم الأربعاء الماضي المبادئ التي ستحكم سياسته الخارجية عندما قال:»لدينا ثقة بقضيتنا في أميركا. نحن ندافع عن المبادئ التي يحميها دستورنا ونشجع الدول الأخرى على احترام تلك المبادئ، لأنها تمثل المصدر النهائي للحرية للأفراد في مختلف أنحاء العالم».
كنت لا أزال بالخارج عندما سمعت هذه الكلمات للمرة الأولى، ولم أدر ساعتها هل أضحك أم أبكي على النرجسية الطفولية التي عكستها؟!. وأخشى ما أخشاه أن يكون ما يفعله «المحافظون الجدد» الذين ساهموا بنزقهم واستهتارهم في تلك المآسي التي واجهناها خلال العقد الماضي، هو هجوم مضاد للعودة مجدداً تحت قيادة «رومني».
إذا كان هناك شيء أظهرته أحداث الأسبوع الحالي، فهو أننا نعيش في عالم متقلب يتطلب يداً ثابتة، وقيادة بصيرة واعية، لإخراجنا من المأزق الذي نحن فيه. والشيء الذي لا نريده بالتأكيد هو المزيد من نفس اللغو الأيديولوجي الذي زج بنا في هذا المأزق في المقام الأول.

صحيفة الدستور الأردنية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى