…في مستعمرة العقاب (وائل عبد الفتاح)

 

وائل عبد الفتاح

ــ 1 ــ

…لن تشتعل الحرب العالمية لا على القرم ولا على سوريا ولا على الخليج. ستتحرّك الإرادات السياسية الجديدة باحثة عن مساحات أو مطالبة بتغيير خريطة توزيع الأنصبة. وهذا ما لا يخطر في حسبان المتقدمين لحكم دول ما بعد الثورات العربية.
التقدم للحكم يتم في ظل «حراك الإرادات الجديدة». حراك لا يصل إلى الحرب ولا حتى الباردة على موديل ما قبل سقوط جدار برلين، لكنها تفكيك إرادة القبضة الواحدة. وهو ما يعني تعدّد المعايير لتستيقظ عناصر من الهامش (قوميات مقهورة، صراعات لغوية وعرقية، تمدّد وانكماش الطوائف).
هذه الحركة لا تجعل البيوت القديمة للحكم تصلح بمفاهيمها أو بألعابها القديمة. فما كان يصلح للحرب الباردة لا يمكن إعادته الآن إلا الإصرار بإسقاط التوصيف على ما يحدث تحت المظلة الروسية، في القرم أو سوريا.
وهنا يبدو سيراً في حقل الأوهام بناء سلطة جديدة في مصر مثلاً بقواعد اللعب ذاتها بين القطبين في الحرب الباردة، أو على أساس «سقوط وصعود للقوى العظمى» بعد غروب قوى الاستعمار القديم.
كيف تبني «السلطة الجديدة» توازناتها في ظل ثورات الجغرافيا والتواريخ المهملة؟

ــ 2 ــ

«الحلم المصري»…
الاسم الذي تمّ تسريبه لبرنامج المشير عبد الفتاح السيسي، والذي يبدو (من تسريباته أيضاً) التركيز على «حلول» مشكلات لا صناعة «رؤية».
وهنا فـ«…الحلم» سيتلخّص في دعايته على مشروعات خدمية (مليون وحدة سكنية) وليس على تأسيس موقع جديد بعد أن تحوّلت المنطقة تماماً إلى «ساحة عمليات واسعة للإرهاب» وهنا فالاهتمام بما يحدث ليس بحثاً عن الثروات (البترول) أو الأسواق (بلاد الاستهلاك الخالدة) ولا ممرات العبور (قناة السويس وما شابه).
الهاجس الأساسي هو الخوف من «تصدير الإرهاب»، وهذا ما يجعل الخليج يقود (بالمال) والدول الكبرى (بالخطط والتفاهمات والتربيطات) لكي تصبح المنطقة كلها «مستعمرة الإرهاب…» …وعلى أساس تنفيذ هذا الدور سيتم دعم كل نظام جديد، أو في الطريق إلى التجديد على قدر فعاليته في بناء المستوطنات بعد أن تمّ التأكّد أنه لا خطر ولا فائدة من أنظمة سارت بكل قوتها لكي تتحوّل إلى «ساحة» لا إلى «لاعب» في صراعات العالم.
ــ ــ
وعلى هذا الأساس تقدّم بيوت السلطة في المنطقة نفسها للعالم…
لا مواقف حدّية، ولا مواقع ثابتة من مسيرة التوترات الداخلية، فالأجنحة التي صفّقت لزيارة السيسي لروسيا باعتبارها تحالفاً جديداً، لم تفهم أين تقف وبوتين يخطف القرم أو يشعل النار مع جاره الأوكراني رداً على إزاحة حليفه في كييف؟
والسيسي لم يهتم في ترتيب البيت (داخل المؤسسة العسكرية) بأكثر من اهتمامه بتغيير قيادة منطقة حرب العمليات مع الإرهاب وهذا سر إبعاد قائد الجيش الثاني الذي تولى الحرب ضد الجماعات الإرهابية ما بعد 30 يونيو (حزيران) ولم يسفر عنها إلا مزيد من تقدّم الإرهابيين إلى درجة السيطرة على مداخل مدينة رفح ومخارجها.
وليس خافياً أن الاهتمام بالإرهاب ينفصل تدريجياً عن «الملف الإسرائيلي» بما يعني أنه سيصبح ملفاً مكتملاً، لا مجرّد صدى الخوف على إسرائيل.
هكذا يقود تخيّل الوضع الذي وصلت إليه دول المنطقة وافتقادها حتى عنصر الخطورة من عدوها التاريخي، إسرائيل… إلى أمثولة من أدب كافكا عن الحياة في مستعمرة العقاب.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى