“في مهبّ العراق”: الحروب والحصار والتحوّلات العاصفة

 

يقول علي عبد الأمير عجام، مؤلف كتاب “في مهبّ العراق الحروب والحصار والتحوّلات العاصفة 1990 – 2003″، الصادر حديثاً عن دار الرافدين للطباعة والنشر والتوزيع في بيروت، في تعريفه لكتابه إنه يدّعي احتكار الحقيقة، ولا يقدّم صورة محكومة بأي خلفية سياسية؛ بل هو يسعى في مضمونه إلى أن يكون أقرب إلى الحقيقة عبر كتابة غير محكومة بعقائد سياسية قد تجعله على جانب من الصدقية الشخصية والمعايشة الحقيقية للأحداث والمشاركة فيها.

كما يتضمن الكتاب رصداً دقيقاً لتحوّلات سياسية واجتماعية بارزة شهدها العراق خلال سنوات الحصار (2003 – 1991)، كان المؤلف قد وثّقها عبر مئات التقارير التي نشرها في صحف ومجلات ووسائل إعلام عربية مهمة.

كذلك، تضمّن الكتاب كشفاً موثّقاً للأحداث والتحوّلات المهمة في الشهور الأولى لعراق ما بعد صدّام حسين، إلى حد أنه يضع القارئ في مركز تلك الأيام والفترات العاصفة.

يتضمن الفصل الأول (قبّة النار – وقائع من خليج الموت)، مذكّرات شخصية كتبها المؤلف قبيل ساعات من بدء عملية «عاصفة الصحراء»، وكان يدوّنها بشكل يومي، خلال الحرب التي بدأت في فجر 17 كانون الثاني / يناير وانتهت في الثامنة صباح 8 شباط / فبراير 1991.

وقد أثارت هذه المذكّرات بعد نشرها ضجة كبيرة، حسب قول المؤلف، فهي أول وثيقة «إنسانية» عن الحرب التي لم يكن القارئ خارج العراق تعرّف على مثيل لها؛ فكل ما وصله هو رواية «التحالف الدولي» عن النصر ورواية النظام العراقي عن النصر أيضاً. لكن، في الواقع، كان الإنسان في العراق هو من وقع تحت خط الهزيمة.

وفي مقالات هذا الفصل، الذي يروي تفاصيل مرعبة عايشها المؤلف وهو يقبع في أحد ملاجئ الثكنة التي كان يخدم فيها، والتي تعرّضت لقصف جويّ عنيف من قبل طائرات «التحالف الدولي»، وردت عبارات تختصر بؤس الواقع الذي فرضته الحرب المجنونة (عاصفة الحصراء) على العراق؛ يقول المؤلف:

«أرى أن بؤسنا كتركيبة اجتماعية هي فقدان القدرة على اتخاذ قرار يحفظ لها حق الهواء والبقاء على وجه البسيطة – قرار تموت من أجله أصغر الكائنات الحية وأدّقها – لكن أجيالنا المحتشدة هنا في ظلّ المحرقة التي تعدّها وتنفذها قوات التحالف الدولي وطائرات وقنابل «النظام الدولي الجديد»، والبقاء أسرى الرغبات التي تتفجر بها العبقرية (الفذّة)، أرى – فيما يرى اليائس – أننا نستحق كل ما نتعرض إليه: المزيد من الكوارث نستحقها فعلاً؛ لا بدّ من دفع ثمن جرائمنا الشخصية إضافة لجريمتنا الجماعية؛ جهلنا بالدفاع عن أولويات الحياة: الحريّة..”.

وفي ختام الفصل الأول يتحدث المؤلف عن مشاعره المحبطة بعد تلقّيه أوامر بالانسحاب مع زملائه الجنود من الثكنة في الزبير (البصرة) لإعادة تنظيمهم في بغداد، والتي قرّرت القيادة السياسية فيها الانسحاب من الكويت تحت وطأة الحرب والخسائر التي تكبّدها الجيش العراقي، ليتوقف عند المعنى الانهزامي الذي قصده صبي استقبل الرتل المنسحب إلى مدينة الكوت؛ فقد رفع الصبي يده بإشارة النصر، ولكنه تعمّد وضعها بالشكل المعاكس فأصبحت بفتحة تتجه إلى أسفل!

في الفصل الثاني (في توثيق أهوال الحرب والحصار: 1991 – 2003)، يكشف المؤلف معطيات كثيرة عن الواقع المرير الذي عايشه العراقيون في مرحلة ما بعد الهزيمة المنكرة التي تلقاها نظام صدّام بانسحاب قواته المخزي أمام قوات «التحالف الدولي» من الكويت، والذي أدّى إلى تداعيات مهولة لا يزال العراق يعاني منها حتى اليوم. ومن أخطر هذه التداعيات وأشدّها سوداوية:

– مع إعلان وزير التربية والتعليم في مطلع العام الدراسي الذي بدأ في تشرين الأول/ أكتوبر من العام 1995، عن تسرّب 40 ألف تلميذ وطالب خارج صفوفهم الدراسية، انشغلت مطابع وزارة التربية، وبشكل طارئ، لطبع مليون صورة ملوّنة للقائد (صدّام) تزامناً مع الاستفتاء (الصوري آنذاك)، فيما تزايدت التقارير التي تتحدث عن تحوّل التلاميذ إلى شحاذين حفاة ينتشرون في أحياء العاصمة وباقي المدن العراقية، ومنقّبين في تلال القمامة، حسب صور التقطتها الصحافة العالمية والعربية التي شاركت في تغطية جوانب من الاستفتاء؛ ناهيك عن تحوّل هؤلاء لاحقاً إلى نواة تنشطر إلى «جرائم صغيرة» أولاً، ما تلبث أن تتوسع وتأخذ دائرتها بالانفتاح يوماً بعد آخر.

– في المقابل، انشغل النظام في تفعيل مصانعه الحربية لتنتج المزيد من الموت؛ فالمصنع الخاص بالصواريخ متوسطة المدى التي لا تتعارض مع قرارات مجلس الأمن عاد وبقوّة إلى إنتاجه؛ ناهيك عن مصانع الراجمات والمدافع الثقيلة – التي خبرت قوّتها المدن العراقية جيّداً -، مع بدء النظام بتدعيم أجهزته الأمنية الأكثر أهمية والتصاقاً به.

– التقى صدام حسين بعدد من الضباط العسكريين والقادة وحثّهم على ضرورة كتابة التاريخ العسكري لـ«أم المعارك»، وطالبهم بتوخي الدقة في وصف هزيمة قوات التحالف الدولي من دون مبالغة؛ وصدّام في كلامه هذا أظهر مدى اتقانه الكذب وقلب الحقائق، وإمعانه في توجيه الإهانة إلى القوات المسلحة، تحت يافطة الادعاء بالشجاعة والبطولة والنصر. وينطبق هذا التوصيف على حديث صدّام عن ضرورة العناية بالبيئة ومراقبة مستويات التلوّث في العراق ومحاربته؛ ولا يخفى على أحد سجلّ صدام في هذا الحقل وما ألحقه بالبيئة العراقية من تلوث وآثار خطيرة؛ والأمثلة بهذا الصدد كثيرة. فمن استخدام السلاح الكيميائي الذي ضرب به القرى والمدن العراقية إلى تجفيف الأهوار والبحيرات الطبيعية وتغيير الطبيعة الطوبوغرافية لمساحات ومناطق شاسعة، خاصة في جنوب العراق.

– تصاعدت في العراق منذ العام 1995 ظاهرة بدت محيّرة للأطبّاء، ألا وهي ظاهرة إصابة الشبّان بالسكتة القلبية، في مؤشر على تفاقم الأعباء التي يعيشها جيل وعى الحياة وهي تطلع من كآبات الحروب لتدخل في مآسي الحصارات المتعددة الأشكال، بحسب مراقبين للشأن العراقي اجتماعياً وسياسياً؛ فيما رأى أطبّاء أن ضغوطاً نفسية هائلة تبدأ من الإحساس بالعزلة ولا تنتهي باليأس من تطوير حياة شخصية في حدود أولية، إضافة إلى أجواء عمل غير صحية وبيئة عراقية ملوّثة بالبارود الذي خنقها طوال عشر سنوات، أسهمت كلّها في مفاقمة اختلال هرموني ما زاد في معدّات الإصابة بالنوبة القلبية.

– كشفت دراسات أجراها طلبة الدراسات العليا في كليتيّ العلوم والطب في جامعة البصرة تفاصيل «مروعة» عن الكارثة التي شهدتها المناطق المحيطة بالبصرة، أكبر مدن جنوب العراق وثاني مدينة في البلاد؛ فهي تعرضت إلى قصف أميركي وبريطاني بقذائف اليورانيوم المنضّب خلال حرب الخليج الثانية (1991)، ما أدّى إلى تركيز «نشاط إشعاعي» فاقم الإصابة بالسرطان إلى عشرة أضعاف ما كانت عليه قبل الحرب في المنطقة. وكان أكثر الضحايا من الأطفال والنساء، أجنّة مشوّهة تولد ميتة، أورام في الرأس، في الرئتين وفي الجهاز الهضمي عند الأطفال؛ المحاصيل الزراعية ملوّثة بالإشعاع ذي التركيز المميت إلى حد أن أبرز محصول تنتجه مزارع الزبير في البصرة، وهو الطماطم، شهد كساداً؛ فالأرض خضبها اليورانيوم مثل الأجساد.

– كان لكردستان العراق نصيب من استخدام الأسلحة المحرّمة دولياً، حيث ضرب نظام صدام مدينة حلبجة الكردية بالأسلحة الكيمائية، في السادس عشر من آذار/ مارس 1988 لتغطّي سماءها سحب من غاز الخردل ما زالت تمطر تلوّثاً وأمراضاً أبرزها السرطان.

كما كانت «السحب الكيمائية» ذاتها ومئات الآلاف من القنابل التي أسقطتها القوات الحكومية العراقية على قرى كردستان في عمليات «الأنفال» أواخر عام مجزرة حلبجة ذاته، سبباً في تلوّث بيئي ما زالت هيئات علمية كردية، وبمعاونة تقدّمها هيئات دولية، مشغولة في التذكير بنتائجها ووسائل التخلص منها.

-يقول الأكاديمي صالح الجزائري، حول جرائم القتل «المنظمة التي عزّزتها الحروب والحصار: الخطورة ليست في «الطابع المنظّم للجرائم» وحسب، بل في انضمام الأطفال إلى الخطوات التنفيذية للجرائم، ما يجعلهم «بؤرة خراب اجتماعي»، ويلفت إلى أن العراقيين أسقطوا رهبة الموت؛ فالكثير منهم ماتوا خلال الحرب، وما عادت جنازات الأخوة والأبناء والأصدقاء تثير فزعها الأول؛ كما أنهم في الحرب الطويلة مع إيران، حرب المدمّرة مع التحالف الغربي، والحروب الداخلية، وموت ضحايا الحصار، اعتادوا «رفقة العنف ووسائله وأشكاله».

– مهندسون شباب وجامعيون من كل الاختصاصات تفنّنوا في إيجاد فرص عمل لا تحتاج دراسة أو شهادة جامعية، فكانت الأرصفة مكاناً مفضّلاً لهم، يعرضون فيها مأكولات وملابس وسجائر وقطع غيار وأدوات كهربائية منزلية وسيارات ومواد غذائية في أسواق بغداد، فضلاً عن فرص عمل توفرها عقود بيع وشراء لكل شيء؛ فهم وسطاء في أي صفقة بيع وشراء!

– حول أسرى الحرب مع إيران، يقول المؤلف إن الصورة المثالية للأسير التي رسمها صدّام حسين في روايته الثانية «القلعة الحصينة»، حين جعله بطلاً يواجه المحقّقين الإيرانيين ويعود ليواصل نضاله ويلقى رعاية الدولة؛ هذه الصورة ليست صورة الأسير التي ترسمها الصحف العراقية اليومية والأسبوعية وهي تنقل بأسى معاناة عشرات الآلاف ممّن أفنوا سنوات شبابهم من الأسرى العراقيين في انتظار الحريّة والعودة إلى الوطن. لقد عاد هؤلاء شيوخاً كأنهم «أهل الكهف».

– يكشف أستاذ البحوث النفسية في جامعة بغداد، د. قاسم حسين صالح أن الأسرى العائدين (من إيران) يعانون من اضطرابات نفسية وعقلية؛ 85 بالمئة منهم يعانون من الاضطرابات الآتية: كآبة، انفصام، ذهان، قلق نفسي؛ وهم جاؤوا محمّلين بهذه الاضطرابات لا ليجدوا ما يريحهم نفسياً، إنما ليجدوا واقعاً من ضغوط أخرى، ضغوط اقتصادية وضغوط نفسية.

وثمة دراسة أخرى أُجريت في عام 1994 أيضاً، وجدت أن 70 بالمائة من الأسرى العائدين في زمن الحصار، والذين كانوا متزوجين قبل الأسرة، هؤلاء إما طلّقوا زوجاتهم، وإما انفصلوا عنهن، وإما عاشوا معهن على غير وفاق؛ وإضافة إلى ذلك فقد اختلّت الأدوار في الأسرة، لأن هذا الأب أو الأخ الذي كان غائباً، أخذت دوره امرأته أو شخص آخر.

ويشير الخبير صالح إلى أن أعداد الناس الذين يبحثون عن العلاج من الأمراض النفسية والعقلية في العراق قفز من 200 ألف في عام 1990 إلى 510 آلاف عام 1998.

غزو 2003: التغيير والآمال المؤجّلة

في الفصل الثالث من الكتاب (2003. الحرب، التغيير والآمال المؤجّلة)، يعرض المؤلف وقائع وحقائق لم تُكشف للرأي العام في حينه، وهي تظهر مدى تواطؤ كل من نظام صدام حسين وإدارة الرئيس الأميركي جورج بوش الإبن لتدمير العراق مع إظهار كل واحد منهما لنفسه بصفة المحرّر والمنتصر. ففي الوقت الذي كان فيه صدام يواصل لقاءاته اليومية مع كبار ضبّاطه في الأسبوع الأخير قبل الحرب، حاضاً إياهم على «ضرورة إيقاع أكبر عدد ممكن من الخسائر البشرية بين صفوف الأميركيين»، كانت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، تجرّب فاعلية قنبلة جديدة حملت اسماً مشابهاً لما درجت عليه السلطة العراقية من استخدام الأسماء الرنّانة؛ فكانت «أم القنابل» التي تزن حوالى عشرة آلاف كيلوغرام، وبقوّة تدميرية هائلة تقترب من قوة قنبلة نووية صغيرة.

وهذا السلاح الأميركي المرعب والرهيب سيكشف لاحقاً عن أن «الصدمة» ستكون من حصة النظام الحاكم، أما «الترويع» فسيكون إرثاً باهظ التكاليف، ما انفك العراقيون يدفعون فواتيره.

وقد كشف الانهيار السريع للقوات العراقية، والتي بدت وكأنها «تبخرت»، مع إحاطة النظام لبغداد بخنادق الوقود المشتعل كي تصبح غيوماً من دخان «يعمي» عيون الطائرات والصواريخ الموجّهة، كشف عن المستوى المتداعي ليس للدفاعات العراقية وحسب، بل لنهج القيادة في التعاطي مع حرب ستأخذ موجات صواريخها الأولى اسم «الصدمة والترويع»، كما أعلن البيت الأبيض.

– يتحدث الضابط المتقاعد عباس فاضل عن أكثر من 80 مليون قطعة سلاح متداولة بين الناس، وتُعتبر من «الأسلحة الشخصية» التي بدت مادة للصراع بين فئات من العراقيين، وخصوصاً أولئك الذين يعتبرون السلاح جزءاً من ثقافتهم الاجتماعية، وقوات الاحتلال الأميركي التي ما لبثت أن اصطدمت مع «أسيجة مسلّحة» في أكثر من منطقة في العراق.

ويلقي المؤلف اللوم دائماً على نظام الحروب والموت الذي أدار البلاد بحسب مناهج العنف نحو 35 عاماً، محملاً إياه مسؤولية طوفان العنف الذي أغرق العراق في حرائق وسرقات وقتل. ومن المناظر المألوفة التي كانت سائدة في ساحات بغداد أيام النظام السابق، أن يرى المرء أشخاصاً يبيعون «الهراوات»؛ وكانت بضاعتهم تلقى رواجاً؛ فأصحاب السيارات من مختلف الأعمار يضعون «الهراوة» إلى جانبهم!

– على مدى حقب زمنية طويلة، ترسخت في ذاكرة النساء العراقيات تقاليد زيارة المراقد الدينية. وفي الجمعة الأخيرة من شهر صفر، وهو من الأشهر الحرام، تستقبل أضرحة الأئمة والأولياء عشرات النساء، فيضعن العباءات السود على القباب كوسيلة لتحقيق الأماني، وغالباً ما تكون عودة غائب أو شفاء مريض؛ وبقدر ثقل السنوات المنصرمة، غطّت عباءات العراقيات الأضرحة، وظل الغائبون في مدار المجهول، حتى توافرت الفرصة لاكتشاف المقابر الجماعية، فتلاشت أماني النساء العراقيات، وتبدّدت أحلام العوانس، وازداد عدد الأرامل.

– لا يبدو غريباً مشهد شباب عراقيين في العشرينيات من أعمارهم ولكن بملامح شيوخ؛ فالشيب يخط مفارقهم والغضون في وجوههم، والخفوت في نبرات أصواتهم، وفي عيونهم من النادر أن تلتمع نظرة وهم منكبّون في ترويج سلعة يبيعونها في الأسواق الشعبية أو على الأرصفة؛ ومن النادر أن ترتسم ابتسامة على شفاههم وهم يقفون في «مسطر العمّال» فجر كل يوم في «ساحة الطيران» في بغداد بانتظار أن يهلّ عليهم فرج مقاول أو متعهد بناء.

– جاء في يوميات شابة جامعية في بغداد: «منذ أربعة أيام على بدء الحرب والأرض تهتز بنا طوال اليوم، والقذائف تبدو في كل مرّة وكأنها مصوّبة نحونا. لم نمت بعد، ومن يدري ما الذي سنصحو عليه غداً؛ من يفكر في الغد؟ يُقال إن الحرب تقرّب الإحساس بالموت، ولكنها أيضاً تزيد من تشبث الإنسان بالحياة؛ أنا في منطقة رمادية، ولم يعد الأمر عندي سوى رغبة بنهاية هذه الحرب هل يُعقل أن نظل كل هذه الفترة أهدافاً مفضّلة للقتل؟ الكل يساهم بقتلنا… آه من الثمن الذي عليّ أن أدفعه بسبب كوني عراقية؛ خالي يقول: معضلة كبيرة هذه الأيام أن يكون الإنسان عراقياً!».

– فتحت عوالم «الإنترنت» نافذ كانت مغلقة في عراق صدام حسين، من أبرزها نوافذ الاتصال مع العالم. وكان الثابت في حياة العراقيين لنحو أكثر من عقدين أن أي اتصال مع العالم من دون إشراف الدولة يعني التجسس على البلاد؛ فصار «الآخر» عند المواطن العراقي رديفاً للعدو، وهاجساً ينذر بعواقب وخيمة، ولاسيما أن النظام السابق أوقع عقوبات إعدام بالجملة على عراقيين تعاطوا مع أجانب من دون معرفة أجهزته الأمنية.

وفي تلك المرحلة كان العراقيون يسمّون بلدهم بلد المليون ممنوع. فبعد أن دخلت شبكة المعلومات العالمية (الإنترنت) متأخرة إلى البلاد عام 2000، أُخضِعت وسائل استخدامها إلى إشراف مباشر من أجهزة الأمن، وبات بريد أي مواطن «تجرأ» على استخدام الشبكة تحت رحمة عيون مفتوحة لمخبرين «تسلّحوا» بخبرات تقنية لمراقبة ما يتبادله «الإنترنيتيون» في العراق.

– بعد سقوط صدام، انفضحت حكايات الضحايا. مئات الرجال والشباب الذين وشمت جباههم أو قُطعت ألسنتهم لتطاولهم على «القائد الفذ»… حتى تساءل البعض: هل «كان هذا وطناً أم مسلخاً؟».

لا إحصاء دقيقاً لضحايا النظام من الشباب الذين قُطعت آذانهم أو وشمت جباههم، أو قطعت ألسنتهم؛ غير أن حديث وزارتي الصحة والعمل والشؤون الاجتماعية عن رعاية صحية واجتماعية لأولئك الضحايا فتح الباب واسعاً أمام مطالبات، يقول مصدر في وزارة الصحة العراقية إنها بعشرات الآلاف.

– كشف تربويون عراقيون حقائق مفزعة، أبرزها النسبة العالية للأميّة بين الأطفال الذين تراوح أعمارهم بين ست وخمس عشرة سنة، مشيرين إلى أن نصف تلك الشريحة من المجتمع المدرسي في العراق باتت أمية بالكامل، وقد ترك أكثر من خمسين في المئة من الأولاد في المرحلتين الدراسيتين الابتدائية والمتوسطة مقاعد الدراسة، أي ما معدّله، بحسب مشرفين واختصاصيين تربويين، مليون تلميذ؛ ترك هؤلاء الدراسة متوجهين إلى ميادين العمل في الحقول والورش والشوارع أيضاً، حيث يبيع الأطفال كل ما يخطر على البال.

وفي الختام، فإن هذه الخلاصة المكثفة لأهم ما ورد في هذا الكتاب لا تكشف إلا بعضاً من «الكارثة» المتكاملة الأركان، التي واجهها الشعب العراقي طيلة حكم صدام حسين والمرحلة التي تلت الغزو الأميركي للعراق (آذار/ مارس 2003)، والتي أجاد مؤلف الكتاب في عرضها وتبويبها وتقديمها بالشكل السلس والمحترف الذي تميّز أسلوب المؤلف.

في نهاية الكتاب، وضمن ملحق خاص، عرض المؤلف العديد من الصور التي تكشف جزءاً من التداعيات المأساوية للحصار الدولي الذي تعرض له العراق في عهد صدام، وفي المرحلة التي تلت غزو الولايات المتحدة لهذا البلد في مارس / آذار 2003.

الميادين نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى