في موقع تصوير «خريف العشّاق»: سوريا السبعينيّات تنبعث على الشاشة
«في الحرب عليك ألّا تقف في المنتصف أو على مسافة واحدة من طرفَي النزاع، إذ سيطلق عليك الرصاص من كلّ صوب… عند احتدام المعارك، يجب أن تكون طرفاً، أو ألّا تكون أصلاً». نردّد هذه الكلمات التي سترد على لسان إحدى شخصيات مسلسل «خريف العشّاق» الذي نسلك طريق موقع تصويره مرّات ومرّات (كتابة ديانا جبّور وإخراج جود سعيد ـــ إنتاج «إيمار الشام
وبطولة: أيمن زيدان، صفاء سلطان، محمد الأحمد، أحمد الأحمد، حلا رجب، لجين إسماعيل، علياء سعيد، عبير شمس الدين…). هذه الجملة تختزل من المعاني الكثير، ولعلّها تلخّص سنوات حرب طويلة بحكمة بليغة. ترى كيف لهذا الكلام أن يصاغ على شكل مشاهد؟! وكيف لشركة إنتاج أن تستحضر روح سبعينيات القرن الماضي في هذا العصف الاقتصادي المربك؟ وماذا يخبّئ المخرج جود سعيد في جعبته بعد غيابه عن التلفزيون سنوات وفشل مسلسله الوحيد «أحمر» (كتابة علي وجيه ويامن الحجلي ـ 2016)؟ هل سيفضح «خريف العشّاق» الذي سيُعرض في رمضان، صراع الإخوان المسلمين مع السلطة، وسحقهم بشكل نهائي وبطريقة ربما غيّرت شكل سوريا، وأجّلت ما حدث فيها لسنة 2011؟
كلّ تلك الأسئلة ستراودنا إلى أن نصل إلى حيّ المهاجرين العريق في دمشق. أكثر شيء عليك أن تحمل همّه هنا كيف ستجد مكاناً تركن فيها سيّارتك، لتصل إلى بيت تدور فيه الكاميرا بعدما غيّر فريق مهندس الديكور علاء صبري معالمه، فبدا فعلاً كأنه هارب من سبعينيات القرن الماضي. يحرص مدير الإنتاج رامي عبيدو على أن يملأ كل مكان فراغ في الخارج بسيّارة من موديل السبعينيات. حتى يتمكّن المخرج لاحقاً من أخذ مشاهد خارجية في الشارع ذاته. بالعودة إلى الجملة الافتتاحية، فإنّ مَن يقولها هو أحد المتنفّذين (يلعب دوره النجم أيمن زيدان) في المسلسل، وهو يسطو بنزعته السلطوية على كلّ الشخصيات الصغيرة التي يحوط بها نفسه، صانعاً مجدها الشاسع، بشرط أن تُقسم بالولاء المطلق له وحده. وعندما يشتمّ رائحة خيانة، أو يرى ملامح انحرافة عند أحد رجاله، سيضرب بيد من حديد، بدون رأفة أو رحمة أو هوادة! هذا أحد المعطيات الجذّابة في مسلسل «خريف العشّاق» الذي يحكي ــ بحسب كاتبته ـــ قصة ثلاثة شبان قرّروا مجابهة التيّار، وتحدّي الزمن، رغم جلافته وقسوته آنذاك، أي في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. بلهفتهم وحماسهم المتّقد، اتجهوا نحو حلمهم البسيط، لكنه في الوقت ذاته يمكن أن يكون كابوساً يشبه المشي على حواف الموت! وعند تحقيق هذا الحلم أو الكابوس، سيفتح السرد عينه بشكل متداخل بين الشخوص والجغرافيا، والحدث الراهن، وسيتقفّى الفعل الدرامي أثر كلّ الظروف والأزمات المتلاحقة، والعقبات التي رصفت طريق الحقبة الزمنية تلك من دون أن يصطفّ المسلسل مع طرف ضد آخر، لكنّه لا يقبل تغييب حقائق تاريخية جلية!
هكذا، يأمل العمل أن يكون بمثابة جائحة حب عاصفة، طوّقتها معطيات حياتية، وسياسية واجتماعية لاهبة، فاشتعلت للحد الأقصى. كلّ ذلك سنتلقّاه بمنطق تلفزيوني سلس، لا يلقي عن كاهله مشروعية الترفيه والإمتاع والتسلية، لكن على خلفية تاريخية، هي بمثابة توثيق لمرحلة مليئة بالمعطيات، لم تتصدَّ لها الدراما التلفزيونية السورية والعربية كما يجب.
من جانبها، تشرح الكاتبة والمنتجة ديانا جبّور لـ «الأخبار» خصوصية طرح موضوع صراع الإخوان المسلمين مع السلطة في المسلسل، قائلةً: «جرّبت ألا أقدم صراع هذا التنظيم مع السلطة بقدر ما أحكي عن صدامه مع القوى المجتمعية الفاعلة، وكيف أن هذا الصراع لم يكن عسكرياً وعنفياً فقط، بل تشعّب إلى أماكن عدّة كانت بمنتهى الدهاء، إلى درجة أنّ بعض القوى التي كانت على نقيض فكري مع الإخوان، تورّطت معه ولمصلحته في هذا الصراع. ربما يكون هذا التناول هو المحاولة الجديدة في طرح موضوع الإخوان المسلمين الذين حضروا مراراً في الدراما السورية».
أما المخرج السوري جود سعيد، فيرفض أن يسمّي ما حصل في مسلسله الأخير «أحمر» (2016) فشلاً، لكنّه في المقابل يتحمّل مسؤولية نتيجته وحده، ويضيف بأنه كان ينتظر الفرصة المناسبة ليعود إلى التلفزيون، ويراهن اليوم على نص ديانا جبور، قائلاً بأنّه «أمام تجربة خاصة كان عليَّ خوضها انطلاقاً من النصّ المكتوب، الذي يتناول مرحلة حساسة من تاريخ سوريا، وهي سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، مع الأحداث اللاهبة التي جرت لتغيير شكل البلاد إلى الأبد. ضمن هذا المناخ، استطاعت ديانا جبور أن تنسج مجموعة من الحكايات وفق خطوط درامية تراوح بين الحب والخيانة والفقد». ويضيف مخرج فيلم «مطر حمص»: «نحن أمام حكاية ربما تشبه ما عشناه ونحن صغار أو ما عاشه آباؤنا. كذلك تكمن خصوصية التجربة في منطق التعاطي معها إخراجياً، فأن تعود إلى تلك المرحلة ليس بالأمر السهل، بخاصة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تشهدها سوريا، وتحرمك إعادة بناء شوارع واستحضار أجواء تلك المرحلة. كان علينا أن نبتكر ضمن الظروف المتاحة. علاوة على ذلك، كانت هناك مجموعة من الممثلين الذين أحاطوا العمل بوافر المهنية والعطاء الصادق. ومن الأشياء التي لم أتنازل عنها هي فريقي الفني. أردت أن أصنع معه صورة مهمّة وهو ما وصلنا إليه، إذ سينتبه المشاهد إلى أن صورة العمل خاصة جداً ومتفرّدة مقارنة بما تنجزه الدراما السورية». ومن المعروف بأن مدير التصوير في المسلسل هو وائل عزّ الدين الآتي من حقل السينما والمعروف بمنجزه المختلف عن كلّ زملائه.
أما النجمة الشابة حلا رجب التي تلعب شخصية جولييت ويشير إليها فريق المسلسل إلى أنها ستكون جوكراً حقيقياً، فتقول عن شخصيتها: «هي فتاة من مدينة اللاذقية تدرس الأدب الإنكليزي في دمشق وتعيش قصّة حب مع شاب يدرس في الفرع نفسه، وهو جارهم في مدينتها. تقع في غرامه لتشكّل معه إحدى ثنائيات العمل القائم على مجموعة ثنائيات لأصدقاء يتحولون إلى عشّاق لاحقاً. ومن خلال تفاصيل تلك الثنائيات، يكون العمل قد أخذ على عاتقه استعراض الحياة الاجتماعية لسوريا منذ السبعينيات حتى مطلع التسعينيات. الفتاة كسمات نفسية تمثّل الجموح في الخيال والطموح إلى حدود الأنانية. فقد كانت تحلم بالسفر وتحقيق طموحاتها المهنية بطريقة أكبر من علاقة الحب. والسؤال: هل ستستمر هذه العلاقة وكيف ستؤثر ظروف القدر عليها؟».