قراءةٌ مُختلفةٌ لنتائج الانتخابات الإسرائيليّة: هل ستسير القائمة العربيّة المُوحّدة “الإسلاميّة” على خُطى حزب العدالة والتنمية المغربي وتُقَدِّم طوق النّجاة لنِتنياهو؟

 

ربّما يكون من المُبكِر تبنّي أيّ تصوّر حازم للمرحلة التي ستتبع الانتخابات الإسرائيليّة الرّابعة، ورسم أيّ خريطة للنّظام السّياسي في الدّولة العبريّة، على ضُوء النّتائج التي تمخّضت عنها، لكنّ هُناك العديد من النّقاط التي يُمكن التوقّف عندها وسَط هذا الكم الهائل من الآراء والتّحليلات في مُحاولة لفهم هذه المرحلة، والجديد الذي أفرزته هذه الانتخابات عربيًّا وإسرائيليًّا.

أوّلًا: فشل “الديمقراطيّة” الإسرائيليّة، والنّظام السّياسي بالتّالي، للمرّة الرابعة في أقل من عامين في إنتاج حُكومة مُستقرّة تقود البِلاد في ظرفٍ يُعتبر الأخطر في تاريخ الدولة العبريّة، وتعاظم التحدّيات والأخطار التي تُهدّدها وجوديًّا، حسب وجهة نظر مُؤرّخي هذه المرحلة، وسِياسييها.

ثانيًا: تعاظم حالة الانقَسام والتّشرذم في أوساط المُجتمع الإسرائيلي، والنّخبة السياسيّة، وبات العامل الأقوى “المُشترك” الذي يجمع بين هذه النّخب وقاعدتها هو العُنصرية التمييزيّة، والأيديولوجيّات اليمينيّة المُتشدّدة ذات النّزعات الإرهابيّة والاستيطانيّة، ورفض أيّ تعايش مع العرب، خُمس عدد السكّان، والمُطالبة بقتلهم أو طردهم من قبل الأغلبيّة اليمينيّة الطّاغية.

ثالثًا: خرَج العرب الذين يُمّثلون حواليّ خُمس مجموع السكّان (مِليون ونِصف المِليون نسمة) من هذه الانتِخابات الخاسِر الأكبر بعد أن نجحت مُؤامرات نِتنياهو، وتواطؤ السّلطة في رام الله في شق صُفوفهم، سواءً بشكل مُباشر أو غير مُباشر، إلى جانب الصّراعات الشخصيّة على القِيادة بين أبرز قِيادات القائمة المُشتركة التي تراجعت قواعدها من 15 الى 8 مقاعد في الكنيست، وامتِناع نسبة من مُؤيّديها عن التّصويت وبقوا في منازلهم احتجاجًا.

رابعًا: كان لليهود من أصلٍ مغربيّ دورٌ كبير في حُصول الأحزاب اليمينيّة المُتشدّدة على نسبةٍ عالية من المقاعد، وممّا يُعَزِّز حُظوظ نِتنياهو في البقاء في السّلطة وتجنّب السّجن ولو مُؤقّتًا، فمِنَ المُؤسِف أنّ مُعظم هؤلاء، إن لم يكن كلهم، يُؤيّدون الاستِيطان، وطرد الفِلسطينيين وضم الضفّة الغربيّة واجتِياح قِطاع غزّة.

خامسًا: لعبت الحركة الإسلاميّة الجنوبيّة بقيادة منصور عباس ذات الخلفية الإسلاميّة دورًا كبيرًا في شقّ الصّف الفِلسطيني، والقائمة العربيّة المُشتركة، وروّجت للاندِماج في الدّولة العنصريّة الإسرائيليّة التي لا تعترف بالعرب كمُواطنين خاصّةً بعد قانون الهويّة القوميّة اليهوديّة الذي يجعل من فِلسطين المُحتلّة دولةً لليهود فقط، وقد تَبلُغ الكارثة ذروتها إذا ما قامت قِيادتها بدور صانِع المُلوك وتوظيف مقاعدها في دعم اللّيكود، ومنح نِتنياهو الثّقة في الكنيست.

سادسًا: لم تلعب “اتّفاقات إبراهام” التي وقّعها نِتنياهو مع الإمارات والمغرب والبحرين والسودان، إلى جانب التقارب مع السعوديّة وزيارتها، ولقاء وليّ عهدها في “نيوم” إلا دَورًا مَحدودًا جِدًّا في الانتَخابات الأخيرة، والشُيء نفسه يُقال عن القضيّة الفِلسطينيّة وانهِيار مُفاوضات السّلام، ويُجمِع المُراقبون على أنّ تأمين نِتنياهو لكميّة كافية من لقاح كورونا لتلقيح مُعظم الإسرائيليين هو الذي يَكمُن وراء فوز اللُيكود بـ 52 مقعدًا، إلى جانب أسباب أُخرى أقل أهميّة، ممّا يعني أنّ العرب باتوا كمًّا “مُهمَلًا” سواءً طبّعوا أو تفاوضوا، ليس لهم إلا تأثيرًا محدودًا في السّياسة الإسرائيليّة.

سابعًا: حالة القلق التي تسود صُفوف الإسرائيليين من جرّاء تهديدات صواريخ إيران والمُقاومة واحتِمالات امتِلاك ايران أسلحةً نوويّة، وفشَل العُدوان على سورية، وسُقوط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وصُعود قوى عالميّة جديدة عُظمى (الصين وروسيا) تُنهي هيمنة أمريكا على عرش القوّة في العالم، كلّها عوامل، مُجتمعة أو مُتفرّقة، خدمت اليمين الإسرائيلي المُتطرّف الذي يبحث عن رجلٍ يَدّعي القُوّة مِثل نِتنياهو وحزبه في مُواجهة هذه الأخطار.

إسرائيل ضعيفة مُمزّقة وقلقة، يَحكُمها رئيس وزراء يَحترِف الكذب والخِداع وبيع الوهم، ومُتّهم بالفساد والتّزوير، ولكن من المُؤسِف أنّ المُعسكر العربي في المُقابل، (باستِثناء محو المُقاومة)، أكثر ضعفًا وتمزّقًا، خاصّةً بعد أن دمّر عرب أمريكا، مراكز العرب الرئيسيّة مِثل سورية والعِراق واليمن وليبيا.

لا نَعرِف كيف ستتطوّر الأمور في السّياسة الداخليّة الإسرائيليّة، وما إذا كان نِتنياهو الذي اتّحد خُصومه للإطاحة به ومُنِيُوا بالفشل حتّى الآن، سيُشَكِّل حكومة يمينيّة أم يفشل مثلما كان عليه الحال في المرّات الأربع الماضية، وتذهب الدولة العبريّة إلى انتخاباتٍ خامسة في أيلول (سبتمبر) المُقبل، ولكن ما نَعرِفه أنّ هذه الانتِخابات فضحت بعض العرب وضعفهم وانقِساماتهم، سواءً في الخارج العربيّ أو الدّاخل الفِلسطينيّ، مثلما فضحت انتهازيّة بعض الحركات الإسلاميّة “المُزوّرة”، وأصبح لحزب العدالة والتنمية المغربي الذي وقّع رئيسه اتّفاقات التّطبيع حليفًا آخَر في الأراضي الفِلسطينيّة المُحتلّة.. واللُه أعلم.

 

صحيفة رأي اليوم الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى