قراءة علمية في بانوراما من 4 مشاهد عن غاز المتوسط (نائل الشافعي)

 

نائل الشافعي

في العام 2012 اندفع إلى النقاش العام في المنطقة موضوع حقل غاز دمياط، وهو حقلٌ ضخم تراكم تاريخياً بأثر من جبل غارق قبالة ساحل الإسكندرية (أنظر «الحياة» في 5 حزيران/يونيو 2012)، مع ملاحظة سكوت نظام حسني مبارك عن المُطالبَة بحق مصر فيه.
وحينها، تحرّك الموضوع في الإعلام المصري بقوّة، لكن استمر نظام مرسي في نفي وجود هذا الحقل الذي يمثّل ثروة وطنيّة مصريّة.
ولفتت الأحداث في المُتوسّط الأنظار إلى مسألة حقول الغاز في هذا البحر، خصوصاً مع الحرب في سوريّة التي سماها الإعلام الغربي «أولى حروب الغاز في الشرق الأوسط»، والخلاف اللبناني – الإسرائيلي على تخطيط حدود حقول الغاز بينهما. وحاضراً، ثمة تركيز على إمدادات الغاز وأنابيبه في المشهد الدولي لغاز المُتوسّط، يفوق حتى مسألة حدود الحقول وملكيّتها. في ما يلي عرض لأربعة مشاهد تُكثّف المشهد الإقليمي والدولي المتّصل بغاز المُتوسّط

الحدود البحرية بين مصر واليونان

في العودة إلى الجغرافياً، يتبّن أن أقصر مسافة بين مصر وتركيا هي الخط الواصل بين شاطئ «بلطيم» المصري وأرخبيل «شاويش كوي»، وتساوي 274 ميلاً بحريّاً (507.5 كيلومترات)، وهي أقل من أقصر مسافة بين قبرص واليونان بقرابة 32 ميلاً بحريّاً (59.3 كيلومتراً) .
في خريف 2013، اتّفقت مصر واليونان على تشكيل لجنة ثنائية لترسيم الحدود البحرية، على رغم توقّع اعتراض محتمل من تركيا التي يعرف عنها معارضتها أن تُرَسّم اليونان بشكل أحادي منطقتها الاقتصادية الخالصة في بحر المُتوسّط.
ثمة مفارقة في موقف مصر. ففي شرق الدلتا، تمرّ الشاحِنات التُركيّة بطريقة شبه مجّانيّة من دون مبرّر مع ضياع بليون دولار على قناة السويس سنوياً. وفي غرب الدلتا، تسعى مصر لترسيم حدودها مع اليونان نكاية بتركيا، حتى لو تضمّن ذلك تفريطاً بمياه وثروات نفطيّة مصريّة.
وفي الحديث عن حقل غاز شرق دمياط، تجدر الإشارة إلى أن حفر إسرائيل حقلي «لفياثان» و»أفروديت» يعني أن الصراع انتقل إلى تأمين مسارات تصدير الغاز.
كما أن إنشاء أنبوب لتصدير الغاز عبر قبرص واليونان يحتاج مُصادرة المياه البحريّة المصريّة المحاذية لتركيا، إضافة إلى وجود مشكلة هندسيّة هائلة تتمثّل في إنشاء أنبوب لاستخراج الغاز على عمق مائي يتراوح بين 4-6 آلاف متر!

تنازل عن مياه مصريّة

في نهاية 2012، أدرجت «المُفوّضيّة الأوروبيّة» 5 مشاريع لنقل غاز شرق المُتوسّط، تشمل مشاريع لخطوط تمر عبر قبرص وإسرائيل، ومن قبرص إلى جزيرة كريت ومنها إلى أوروبا، وتحويل جزء كبير من غاز المُتوسّط إلى طاقة كهربائية في قبرص، وإنشاء كابل كهربائي (لتصدير الكهرباء الموّلدة من الغاز في قبرص) إلى كريت ثم اليونان فإيطاليا، وربط كهربائي بين كريت ومصر لتصدير الكهرباء إلى مصر.
كما تضمّ أجندة المفوّضيّة عشرة مشاريع أخرى لتخزين الغاز القبرصي والإسرائيلي في اليونان، وربط اليونان ببقية أوروبا عبر أنابيب تصدير غاز وكابلات ربط كهربائي.
وفي صيف 2013، أعلنت «المُفوّضيّة الأوروبيّة» عن قُرب تمويل بدء مشروعين من الخمسة عشر مشروعاً المذكورة آنفاً، هما خط أنابيب الغاز بين قبرص وكريت، وإنشاء محطة إسالة غاز في قبرص.
لم تذكر المُفوّضيّة كلمة تشير إلى أن الأنابيب بين قبرص واليونان تمر في مياه مصريّة (بمعنى أنها تقع ضمن الحدود البحريّة الاقتصاديّة لمصر)، ما يفترض موافقة مصر على التنازل عن مياهها الاقتصادية لكي تتواصل حدود قبرص واليونان، أو (وهو الاحتمال الأسوأ) أن المفوّضيّة حصلت على موافقة مصريّة غير مُعلنَة تتضمن هذا التنازل.
وفي خريف 2013، صرّحت رئيسة اللجنة الفرعية للشرق الأوسط في الكونغرس بأن الولايات المتّحدة تُفضّل خطة تصدير الغاز الإسرائيلي والقبرصي إلى أوروبا عبر اليونان.
واستطراداً، ربما ساور البعض أن التصريح يُلقي الضوء على دافعٍ محتمل لمسارعة مصر واليونان إلى ترسيم حدودهــما الاقتصـــاديّة بحريّاً بما يتضمن تنازُل مصر عن مســاحة من المياه الاقتصادية تزيد عن ضعفي مساحة الدلتا، كما تحرم مصر من حدود مائيّة مع تركيا وهي الدولة المقابلة مباشرة للساحل المصري شمالاً. ويبقى الأمر محط سؤال.
ربما يجب أيضاً دفع هذه المسألة إلى النقاش العام في مصر، لأنها تتعلّقق بمطالب تاريخية لمصر تجاه اليونان، خصوصاً جزيرة كريت. هناك وثائق لدى «الجمعيّة المصريّة للدراسات التاريخيّة» عن فترة الحُكم المصري لكريت بين عامي 1820 و1882، وفي أرشيف البحريّة المصريّة، إضافة إلى وثائق اخرى، تفيد في هذا الموضوع.

غاز مستورد من إسرائيل؟

في العام 2005، كان هناك فائض كبير في إنتاج مصر من الغاز الطبيعي. وإضافة إلى الغاز الذي كانت تُصدره مصر من دون إسالة إلى إسرائيل والأردن، افتتحت مصر في ذلك العام محطتين لإسالة الغاز الطبيعي بهدف تصديره. كانت الأولى هي «المصرية الإسبانية للغاز» في دمياط بتكلفة 1.3 بليون دولار، والثانية هي «الشركة المصرية لإسالة وتصدير الغاز» في «إدكو» بتكلفة بليوني دولار.
وفي نهاية 2005، تبوّأت مصر المركز الثالث عشر بين أكبر منتجي الغاز المُسال عالميّاً، مع احتياطي مؤكّد قدّرته وزارة البترول بـ 1931 بليون متر مُكعّب.

تبخّر احتياط مصر

في المقابل، أكّد خبير النفط الدكتور إبراهيم زهران أن معمليّ الإسالة أنشئا على رغم غياب أي فائض من إنتاج مصر من الغاز، واضطّرت وزارة البترول في العام 2006، إلى تخفيض نسبة استهلاك محطات الكهرباء من الغاز من 98 في المئة إلى 38 في المئة، كي توفّر الغاز لمعمليّ الإسالة.
ووفق إحصائيّة للاحتياطي المؤكد من الغاز الطبيعي في مصر نشرتها وزارة البترول في 2010، وهي موثّقَة من بيت الخبرة العالمي «وود ماكنزي»، كان الاحتياطي المؤكّد في 2008 قرابة 2152 بليون متر مُكعّب.
ووفق إحصائية من الوزارة نفسها، كان معدل استهلاك مصر من الغاز الطبيعي 56 بليون متر مكعب في 2008. ووفق تصريحات وزراء البترول المتعاقبين، لم يتغيّر هذا الاستهلاك تقريباً وصولاً إلى العام 2013.
وإذا كان الاحتياطي المؤكّد كفيلاً بتلبية حاجات مصر لنحو 30 سنة، فلماذا بدأت مصر «تتسوّل» الغاز منذ 2012؟ لا توجد إجابة عن هذا السؤال. لكن هذا الاحتياطي المؤكد لم يكن مؤكداً، بل كان مُسيساً، فهل يجب رفع قضية دوليّة على بيت الخبرة «وود ماكنزي» بتهمة التضليل؟
وتوجد سابقة في هذا الأمر، إذ قاضت الحكومة الأميركية بيت الخبرة الأكبر عالميّاً، وهو «أرثر أندرسن» بسبب تصديقه على أرقام مضللة في موازنات شركة «إنرون» المُفلِسة، ما أجبره على التوقّف عن العمل في 2002.
وفي خريف العام 2013 أيضاً، أعلن وزير الطاقة الإسرائيلي أن مصر طلبت استيراد الغاز من إسرائيل، إلا أن المهندس طاهر عبد الرحيم، رئيس «الشركة القابضة للغازات» («إيغاس») نفى تقدّم الحكومة المصرية بطلب لاستيراد الغاز من إسرائيل، مُضيفاً أن الباب مفتوح للقطاع الخاص «لاستيراد الغاز من أي مكان… أن حصولنا على الغاز سيكون من خلال مُناقصة تتطلّب وجود مراكب تُسهّل الحصول على الغاز المُسال. لن تكون إسرائيل طرفاً فيها مطلقاً… فحتى لو استطاعت إسرائيل توريد الغاز، فإنها لا تتعامل إلا عبر خطوط الأنابيب.
ولن نفكر في هذه الطريقة، لأن المراكِب تُسهّل حصولنا على الغاز بسرعة». وأكّد عبد الرحيم أن مراكِب وِحدَة تسييل الغاز تقدّم 500 مليون قدم مُكعب قبل قدوم الصيف، لسدّ حاجة محطّات الكهرباء.

دمياط مجدّداً

بنظرة مُدقّقة، يتبيّن أن لا تعارض بين ما يقوله المسؤولون في مصر وإسرائيل، إذ يتكلم مسؤولون مصريون علناً منذ مطلع العام 2013 عن أن الحل الوحيد لإسرائيل كي تُصدّر غاز حقل «لفياثان» هو تسييله في «دمياط» لأنها الأقرب إليه، ولأن فيها معمل إسالة أيضاً، لكنه متعطّل لعدم وجود غاز.
ووفق هؤلاء، ربما أنقذ غاز «لفياثان» مصر من قضية رفعتها شركة «يونيون فنوسا» الإسبانية صاحبة ذلك المعمل بسبب عدم تقيّد مصر بعقد توريد الغاز إلى المعمل. وكذلك يقي غاز «لفياثان» مصر من نقص الطاقة في الصيف. ويغيب عن هؤلاء أن إسرائيل لن توافق على هذا العرض لأن فيه اعترافاً ضمنياً من إسرائيل بأن حقل «لفياثان» هو أقرب لدمياط مما هو لأي بلد آخر في المتوسّط، ما يثير مسألة حقل دمياط المسكوت عنه.
ومازالت مصر في قحط في الوقود الأحفوري يستفحل بصورة مستمّرة، بأثر من الضخ الجائر، وتراجع احتياطات الحقول، وإحجام شركات النفط عن التقدّم لمزادات التنقيب في مصر منذ العام 2000.
وتذكيراً، ففي ذلك العام، اعتمدت مصر ما سُميّ «عقد القرن» للتعاقد مع شركات التنقيب، من دون استشارتها. ومن أخطر ما في ذلك العقد أن الدولة لا تُحدّد سلفاً سعر الغاز أو البترول في حال اكتشافه، ما يفتح الباب على مصراعيه لشُبهات فساد واسعة، وفق زهران.
وعلى رغم انعدام نشاطات التنقيب في مصر، هناك شبه غياب لجهود رسميّة في معالجة هذه القضية، بينما الجميع يتسابق للإدلاء بتصريحات حول أنابيب البوتاغاز، وهي قضية تموينيّة أساساً!

سيناء وبَرزَخ السويس

مع بزوغ شرق المُتوسّط كأحد مراكز إنتاج الغاز الكبرى بعد 2005، كثُر الكلام عن محور قناة السويس ودوره المرتقب في النهوض بالاقتصادين الإقليمي والمصري.
وعمد جمال مبارك إلى تأجير مَدخلي القناة لأكبر شركتين في إدارة الموانئ، هما «بي آند أو» البريطانيّة و«ميرسك» الدنماركيّة. وحاضراً، هناك 4 عناصر رئيسية في مشروع «محور القناة» كما تحددها الحكومة:
1- المدخل الجنوبي. جرى تأجير مينائه الرئيسي، «ميناء السُخنَة»، لمدة 49 سنة بداية من 2008 لشركة «بي آند أو» التي غيّرت إسمَها إلى «دبي العالمية للموانئ».
2- المدخل الشمالي. جرى تأجير مينائه الرئيسي، «ميناء شرق التفريعة» لمدة 49 سنة بدءاً من 2009، لشركة «ميرسك» الدنماركيّة، بسمسرة قطريّة.
3- منطقة شمال غربي خليج السويس. وُلدَت هذه المنطقة ميتة بسبب منح مصر قطاعات كبيرة منها لشركات صينية لا تبدو مهتمة، ربما لتوازنات استراتيجية، في الانخراط في مشاريع في المنطقة الخاصة، على رغم اهتمامها الكبير بالموقع. لا مصر تستطيع أن تسحب هذه الأراضي ولا الصين ستفعل شيئاً فيها. وأما الأراضي الهامشيّة في المشروع فوقعت في قبضة محظيّي لجنة سياسات جمال مبارك، ولا يبدو أنهم قادرون على النهوض بمهمة إحياء هذا المشروع.
4- وديان التكنولوجيا. أصبح هذا المصطلح مُرادفاً للإفلاس الفكري، خصوصاً بعد أن أعيد طرحه أكثر من عشر مرات بدءاً من العام 1985، من دون خطوات جادّة.
لذا، يصدر التأجيران الطويلا المدى ما يشبه حكم الإعدام على هذه المنطقة المُعطّلة، كما لن تلوح فرصٌ أخرى أمام مخططي هذا المحور، طالما ظلّوا حبيسي تركة «الفكر الجديد» الذي روّجه جمال مبارك.
هناك من يتعامل مع قناة السويس بتقديس يشبه عبادة بني إسرائيل لـ «عجل السامري»، من دون محاولة فهم السبب الذي حُفرت قناة السويس من أجله.
من المستطاع الرجوع إلى التقرير النهائي الصادر عن «المفوضيّة الدوليّة لشق بَرزَخ السويس»، وهو في 8 مجلّدات، صدر في العام 1855.
فقد سبق شقّ قناة السويس في العام 1896، اهتمام اقتصادي واستراتيجي وهندسي عالمي انطلق في العام 1820، وروّج لمصطلح «بَرزَخ السويس» الذي لُقّب أحياناً «بَرزَخ مصر». وإذ يكون البَرزَخ شريطاً أرضيّاً ضَيَقاً بين بحرين، فإن بَرزَخ السويس هو الشريط البريّ بين ساحل مصر على البحر المُتوسّط وساحلها على البحر الأحمر.
وفي القرن التاسع عشر، انصبّ الاهتمام على طُرُق تذليل المواصلات بين البحرين المُتوسّط والأحمر عبر بَرزَخ السويس. فسافر بروسبير إنفانتان مع عشرين من أتباعه من جماعة الـ «سان سيمونيين» وعدد كبير من المُهندسين لمقابلة محمد علي باشا الذي توجّس خيفة من مبادئ إنفانتان الاشتراكية الطوباوية، وطلب منه أن يُشهِر إسلامه. لكن إنفانتان نجح في إقناع القنصل الفرنسي فردينان دلسبس، بفكرة شقّ قناة بحرية في السويس، وأقنع المُلحق العسكري البريطاني واكهورن بفكرة مدّ سكّة حديد في المنطقة عينها.
وأنشأ إنفانتان «جمعية دراسة بَرزَخ السويس» في 1845، ثم «المفوضية الدولية لشق بَرزَخ السويس» (1854-1857) التي شاركت فيها ثماني دول أوروبية بعسكرييها ومهندسيها ومصرفييها.
وبين عاميّ 1820 و1857، ساد إجماع على أن شقّ بَرزَخ الســـويس لا يكون بقــناة مائيّة (هي قناة السويس) وحدها، بل يجب التنبّه إلى أن النقل البري له دور مهم أيضاً، ويؤثر في حركة الملاحة في الممر البحري.
كما بحثت تلك المفوضيّة الدوليّة الحاجة لعبور كابلات التلغراف البحرية (التي بدأت في الظهور في 1842) عبر بَرزَخ السويس. ثم انفردت إنكلترا بشق بَرزَخ مصر عبر «سكك حديد مصر» (1854) و»البوستة الخديويّة»، حتى قبل حصول المفوضيّة على موافقة حكام مصر. وبمجرد احتلالها مصر، مدّت بريطانيا في 1883 كابلاً بحرياً لاتصالات التلغراف من الإسكندرية إلى العين السُخنَة.

عن الهجرة والموت

في الوقت نفسه نرى إجراءات حكومية مصرية تضيّع بليونات الدولارات سنوياً على قناة السويس، على غرار سماحها للعبّارات التُركيّة بأن تتحايل على المرور في قناة السويس بأن تُنزل شاحِناتها في دمياط وبورسعيد ثم تأخذها شاحِنات تُركيّة من السويس إلى الخليج العربي.
وتشمل هذه الإجراءات تمرير كابلات الاتصالات الدوليّة بصورة شبه مجانيّة عبر مصر، ما يحرم هذا البلد من بليونات الدولارات سنوياً. ويزيد في القلق وجود مشاريع مُنافِسَة لقناة السويس كالطريق البحري الشمالي الذي افتتحته روسيا منذ ثلاث سنوات في القطب الشمالي، لكنه يعمل في فصل الصيف مبدئياً، ومشروع سكة حديد إيلات-عسقلان، ومشروع قناة طابا-العريش.
هناك مشهد خامس مؤلم، هو قوارب الموت للهجرة غير الــشرعيّة التي تسري ضمن الشراكة الأورومُتوسّطية وعملية برشلونة والحوار المتوسّطي مع حلف الـ «ناتو». ربما ثمة مشهد سادس، لكنه مشهد غياب، بمعنى اختفاء العلم المصري مرفرفاً على سُفن تجارية مصرية، إذ انقرض الأسطول التجاري المصري.
واستتبع ذلك مصاعب وكوارث في نقل المُعتمرين والعمال، وارتفاع تكاليف تجارة مصر الدوليّة تصديراً واستيراداً. ولتلك المشاهد حديث آخر.

شاحِنات تُركيّة مُريبة

في صيف العام 2013، تكدّست 350 شاحِنة ضخمة لنقل الحاوِيات في الموانئ التُركيّة، إضافة إلى أعداد مماثلة منها في موانئ مصر والخليج، انتظاراً لتحميلها في عبّارات من نوع «رو- رو».
وبعد سنة كابوسيّة من حكم «الإخوان» الذي اتّسم بالسعي لمآرب فئويّة على حـــساب الوطن وأمنه القومي، ثار الشعب المصري وأطاح ذلك النظام. وبعد أسبوع من إطاحة محمد مرسي، برزت أزمة آلاف الشاحِنات التُركيّة المتكدّسة في الموانئ التُركيّة بانتظار تحميلها لمصر أو أن تتابع عبرها إلى الخليج العربي.
وتحمل الشاحِنات صادرات تقدّر بقرابة 20 بليون دولار، مع الإشارة إلى أن حجم أسطول الشاحِنات التُركيّة التي تعمل على خط مصر- الخليج يفوق مئة ألف شاحِنة. وتدفع الشاحِنة رسوم ترانزيت عند عبورها مصر، قرابة 150 دولاراً، ما يعني أن العبّارة التي تحمل 100 شاحِنة، تدفع قرابة 15 ألف دولار.
وبالمقارنة، تدفع العبّارة عينها في حال عبورها قناة السويس ذهاباً وعودةً، قرابة 600 ألف دولار. وهناك ثلاث شركات تُركيّة للعبّارات تعمل على الخطوط بين تركيا ومصر بما لا يقل عن 6 رحلات أسبوعياً.
ويملك أحمد براق أردوغان، إبن رئيس الوزراء التركي، اثنتين من هذه الشركات.
وبحساب بسيط، يتبّن أن مرور العبّارات التركيّة برّاً في مصر لقاء رسوم زهيدة، يحرِم قناة السويس من قرابة بليون دولار سنويّاً.
المفارقة أن الحكومة المصرية تحرص على تذليل المصاعب أمام الشاحِنات التُركيّة برّاً، على رغم خلاف سياسيّ ضخم مع أنقرة.
ما الذي أتى بتلك الآلاف من الشاحِنات التُركيّة إلى مصر؟ منذ متى تمّر؟ من سمح لها؟ كم تستفيد من مصر؟ ما علاقة وقف سورية مرور تلك الشاحِنات عبر أراضيها بقضية غاز شرق المُتوسّط؟

*أكاديمي مصري مقيم في نيويورك

صحيفة الحياة اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى