قلوب تتسع لأكثر من جنسية

 

أن يتمتع المرء بجنسيتين، واحدة بحكم الولادة أوالتوريث وأخرى بحكم الاختيار أو النشأة فهذا أمر يزيد من الاعتزاز بالانتماء إلى ثقافتين وبيئتين مختلفتين، لكنهما تتكاملان، مما يعطي بعدا إنسانيا عميقا.

يتمنى إنسانيو هذا العالم أن يمتلكوا كل جنسيات العالم كعربون على رسالة محبة، لكنهم، وفي نفس الوقت يتمنون أن تسقط كل الجنسيات في نوع من الحلم الطوباوي، والنزعة المثالية. أما في حالة ما يعرف ب ” مزدوجي الجنسية” فإن الأمر يثير الكثير من الجدل القانوني والأخلاقي والإنساني.

صحيح أن غالبية مراسم الحصول على الجنسية الثانية في دول كثيرة من العالم تتطلب نوعا من القسم أو التوقيع على ميثاق يتعهد فيه حامل الجنسية بجملة قيم أهمها عدم التعرض القصدي بالإساءة والأذى إلى “بلده الجديد”، لكنه ليس ” بلدا بديلا” على أي حال من الأحوال. وليس من الإنسانية ولا من المروءة أن يتنكر المواطن بحكم العيش إلى ذات نفسه أي المواطن بحكم الأصل والمنشئ. وما فعله مسعود اوزيل، لاعب وسط المنتخب الألماني ونادي ارسنال الإنكليزي في معرض دفاعه عن الصورة التي جمعته بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأثارت الكثير من الجدل، لا يعدّ غريبا ولا مستهجنا في نظر الكثير من المراقبين والمحللين.

وشدد أوزيل على أنه لم تكن لديه أي أغراض سياسية عندما التقط الصورة الفوتوغرافية مع أردوغان، ومواطنه إيلكاي جيوندوجان، صاحب الأصول التركية أيضا، قبل كأس العالم، مدافعا عن خياره في فعل ذلك.

وأكد أوزيل صاحب الأصول التركية عبر حسابه الشخصي على شبكة تويتر، للتواصل الاجتماعي يوم الأحد الماضي أنه لو عاد به الزمن لالتقط هذه الصورة مرة أخرى. وهذا في نظر المراقبين ما يعطي المزيد من المنطق والمصداقية والشرعية لكلام اللاعب الألماني ذي الأصول التركية.

وهذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها اوزيل بشكل علني عن الواقعة التي أثارت الكثير من اللغط في ألمانيا، وأوضح أوزيل “اتفهم أنه ربما يصعب استيعاب الأمر، حيث أنه في أغلب الثقافات فإن القائد السياسي لا يمكنه فصله عن الشخص، ولكن في هذه الحالة الوضع مختلف”.

وأضاف “بصرف النظر عن المحصلة في الانتخابات السابقة، أو الانتخابات التي سبقتها، كنت سألتقط الصورة”.

وأشار أوزيل “رغم أن وسائل الإعلام الألمانية صورت شيئا مختلفا، الحقيقة أن عدم مقابلتي للرئيس كانت ستعني عدم احترام جذور أسلافي، والذين أدرك أنهم يشعرون بالفخر بالمكانة التي وصلت لها اليوم“.

وشدد اوزيل “بالنسبة لي لا يهم من هو الرئيس، ما يهم أنه الرئيس.. سواء كان الرئيس التركي أو الألماني فإن تصرفاتي لم تكن لتختلف”.

وواصل اوزيل حديثه “في الوقت الذي نشأت فيه في ألمانيا، فإن جذور عائلتي تعود إلى تركيا، لدي قلبين، واحد ألماني والأخر تركي”. وأشار “خلال فترة طفولتي، علمتني أمي أن أتحلى بالاحترام دائما، وألا أنسى أصولي، وهذه القيم أفكر فيها حتى يومنا هذا”

وأكد “أدرك أن الصورة تسببت في ردود فعل كبيرة في وسائل الإعلام الألمانية، وفي الوقت الذي ربما يتهمني البعض بالكذب أو الخداع، فإن الصورة التي التقطناها ليس لها أي أغراض سياسية”.

وختم بالقول “بالنسبة لي فإن التقاط صورة لي مع الرئيس اردوغان ليس لها علاقة بالسياسة أو الانتخابات، الأمر يتعلق باحترامي لأعلى منصب في بلد عائلتي، وظيفتي لاعب كرة قدم وليس رجل سياسة، ولقاءنا لم يتضمن أي أحاديث سياسية”.

الطرف الألماني الرسمي أو شبه الرسمي، نفسه، تفهم حالة أوزيل، كما تدل تلميحات وتصريحات ثيو زفانتسيجر الرئيس السابق للاتحاد الألماني، لوكالة الأنباء الألمانية بأنه شعر “بحزن عميق” إزاء قرار أوزيل باعتزال اللعب مع المنتخب الألماني.

وقال زفانتسيجر “عندما يصل الأمر إلى نزاع، يجب أن تسوى هذا النزاع وبأقصى سرعة من خلال المناقشات. وأضاف “بسبب أخطاء في التواصل، حدث شيء ما كان ليفترض أن يحدث أبدا مع المهاجرين، لا يجب أن يشعروا بأنهم مواطنون درجة ثانية بين الألمان”.

الإخلاص للجنسية الأصلية لا يعني التنصل من الجنسية المكتسبة بلغة التمييز والمفاضلة بل على العكس، ذلك أن من شأنه خلق نوع من التواصل المتمثل في مد الجسور مع البلد الأم وخلق فرص للمزيد من التوادد والتعاون. وهذا ما نلحظه في ذلك النوع من الدبلوماسية الدولية المبنية على الاستفادة من الأصول الثقافية والجغرافية لتحقيق التقارب في وجهات النظر وتقريب المسافات.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى