لماذا هذا التواطؤ وهذه المؤامرة الدولية والاستباحة لهدر دماء بعض شعوب الدول العربية (الشرق الاوسطية) على حساب من ولمصلحة من من القوميات المتناحرة في منطقة الشرق الأوسط ؟
سأناقش في هذا المقال الموضوع من عدة زوايا تاريخية وسياسية، مع تحليل للعوامل الجغرافية والاقتصادية والثقافية التي جعلت الشرق الأوسط ساحة للتوترات والصراعات المستمرة. سأوضح كيف أدت هذه العوامل، إضافة إلى تدخلات القوى الكبرى، إلى نزاعات أدت إلى ما يعتبره البعض مؤامرة أو تواطؤًا دوليًا، كما سأناقش أيضًا كيف تم استغلال النزاعات الداخلية لأغراض سياسية واقتصادية واستعمارية بحته .
منذ القدم، كانت منطقة الشرق الأوسط محط أنظار القوى العالمية. فالموقع الجغرافي الاستراتيجي لهذه المنطقة يجعلها مركزًا للتجارة الدولية، فهي تقع بين قارات آسيا، وأوروبا، وإفريقيا، وتضم مضائق بحرية حيوية مثل مضيق هرمز ومضيق باب المندب، مما يمنحها أهمية بالغة لكل من التجارة والنقل الدولي. وقد أضافت الاكتشافات النفطية في القرن العشرين بُعدًا اقتصاديًا جديدًا جعل المنطقة مقصدًا للتدخلات الخارجية.
يُطرح دائماً سؤال التواطؤ الدولي والمؤامرة في سياق الشرق الأوسط عندما نرى تداخل مصالح الدول الكبرى في صراعات المنطقة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
وغالبًا ما يتم الربط بين هذه التدخلات والمصالح الاقتصادية والسياسية لتلك الدول، فيرى البعض أنها تسعى لتقسيم المنطقة أو إبقائها في حالة من عدم الاستقرار لضمان استمرار هيمنتها. كما تُستغل الانقسامات العرقية والدينية لتحقيق مصالح القوميات الأخرى.
لعل من أبرز أسباب عدم استقرار الشرق الأوسط هو التنوع الديني والطائفي. ويبدو أن القوى الدولية تستغل هذا التنوع لإشعال الفتن والانقسامات، عبر دعم فصيل طائفي ضد آخر مثلًا في بعض الدول. وهذا يظهر بوضوح في العراق وبلاد الشام بشكل عام حيث تعمقت الانقسامات الطائفية بشكل أكبر مع التدخلات الأجنبية، سواء عبر الدعم العسكري أو المادي للفصائل المتصارعة.
يعتبر النفط هو عصب الاقتصاد العالمي، ومعظم احتياطيات النفط العالمية تقع في الشرق الأوسط. وقد استغلت الدول الغربية هذه الثروة بطرق عدة، سواء من خلال الدعم المباشر للحكومات المتحالفة معها، أو عبر خلق حالة من عدم الاستقرار التي تعيق تطور المنطقة وتضمن احتياجها المستمر للتدخلات الخارجية.
وفي هذا السياق، يُمكن القول إن هناك تواطؤًاً لتحقيق مصالح اقتصادية على حساب استقرار الدول الشرق أوسطية.
وتستفيد القوميات الإقليمية مثل الكردية والإيرانية والتركية وبعض الأقليات الأخرى من حالة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط. فإيران، على سبيل المثال، تسعى لتعزيز نفوذها عبر دعم فصائل معينة في دول كالعراق وسوريا ولبنان واليمن. كذلك يسعى الأكراد في العراق وسوريا إلى تحقيق استقلال ذاتي أو حتى دولة مستقلة، مما يضع مزيدًا من التحديات أمام استقرار المنطقة.
الدور الإسرائيلي: عوامل الأمن القومي والتوسع
هذا في الوقت الذي تلعب فيه إسرائيل دورًا كبيرًا في منطقة الشرق الأوسط منذ قيامها ونشاتها ،فبعد تأسيسها عام 1948، دخلت في صراعات متعددة مع الدول العربية، وتسببت في خلق حالة من العداء الدائم. وهناك من يرى أن التوتر المستمر بين الدول العربية وإسرائيل هو نتيجة سياسة “فرق تسد” التي تتبناها بعض القوى الكبرى. كما أن النزاعات مع إسرائيل تُستخدم أحيانًا لتبرير التدخلات الأجنبية في المنطقة، مما يعزز من الشعور بوجود تواطؤ دولي على حساب الدول العربية.
هذا في حين تسعى الولايات المتحدة والدول الأوروبية إلى الهيمنة المبالغ بها وإلى حماية مصالحها في الشرق الأوسط، ليس فقط من خلال الدعم العسكري للحكومات الحليفة، بل أيضًا عبر وجود عسكري دائم، حيث توجد قواعد عسكرية أمريكية في دول مثل قطر والسعودية والإمارات. وتعتبر الولايات المتحدة أن استقرار الشرق الأوسط يصب في صالحها، ولكن بشروط محددة تتماشى مع استراتيجياتها السياسية والأمنية، وأحيانًا يُنظر إلى ذلك كنوع من الهيمنة التي تستفيد من ضعف الدول الشرق أوسطية.
أما بخصوص التدخلات الروسية والصينية من باب مصالحها القديمة التاريخية والجديدة وتوازن القوى فقد شهدت السنوات الأخيرة تزايد نفوذ هاتين الدولتين روسيا والصين في الشرق الأوسط بشكل كبير وعميق .
فروسيا تدخلت عسكريًا في سوريا بطلب من الحكومة السورية لدعمها في محاربة الإرهاب، مما عزز من وجودها السياسي والعسكري في المنطقة.
أما الصين، فتسعى لتحقيق مصالح اقتصادية عبر “مبادرة الحزام والطريق” التي تشمل استثمارات ضخمة في البنية التحتية للعديد من الدول العربية. وعلى الرغم من أن هاتين الدولتين لا تتبنيان نفس السياسات التي تتبناها الدول الغربية، إلا أن تدخلهما يعزز من حالة الاستقطاب والتوترات في المنطقة.
فالاستفادة من الفوضى في منطقة الشرق الأوسط دفعت بصناعة الأسلحة والنزاعات المزمنة إلى تنامي هذه الصناعة بشكل لاحدود له واصبحت صناعة الأسلحة هي واحدة من أكبر الصناعات في العالم، وتحقق الدول المصنعة لها أرباحًا ضخمة من خلال بيع الأسلحة للأطراف المتنازعة في الشرق الأوسط. ومن المعروف أن العديد من الصراعات في المنطقة قد شهدت توريد أسلحة من قبل الدول الكبرى، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. وبهذا المعنى، يُمكن القول إن استمرار الصراعات يخدم مصالح اقتصادية لبعض الدول على حساب شعوب المنطقة.
والنتيجة الحتمية والمباشرة لكل هذه التدخلات هي أن بعض الشعوب العربية في منطقة بلاد الشام والعراق اصبحت تُعاني من الحروب والصراعات العقائدية المستمرة التي لا امل في النهاية لها طالما استمرّ الصراع العربي الاسرائيلي من خير حلول حقيقية وواقعية على الارض ، وهو ما ينعكس على الظروف الاقتصادية والاجتماعية في منطقة الشرق الأوسط برمتها.
لذلك نجد أن معدلات الفقر والبطالة قد ارتفعت، كما تراجعت مؤشرات التعليم والصحة في العديد من الدول العربية. وعلاوة على ذلك، أدى تدهور الوضع الأمني إلى هجرة أعداد كبيرة من المواطنين، مما أثر على التركيبة السكانية في المنطقة.
في الختام، يمكن القول إن هناك العديد من العوامل التي تساهم في حالة عدم الاستقرار بالشرق الأوسط، بدءًا من التدخلات الأجنبية اللامنتهية والأطماع التاريخية والمستقبلية في استغلال ثروات هذه المنطقة بكل اشكالها ، مرورًا بالصراعات الطائفية، ووصولًا إلى استغلال شعوبها باسوا أنواع الاستغلال والاستعباد .
ومع ذلك يبقى على الدول العربية أن تتحد وتنهض وتصحو لمواجهة هذه التحديات، من خلال تعزيز التعاون الإقليمي وإيجاد حلول سياسية داخلية وخارجية مهمة ، والابتعاد عن الصراعات والخرافات العقائدية التي لاتعد ولاتحصى والتي تغذيها الأطراف الخارجية.
يعني ان هذا الأمر يتطلب حتمياً ضرورة الإصلاحات الداخلية لتعزيز الاستقرار السياسي، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتطوير التعليم والبنية التحتية، وهو ما قد يؤدي إلى تخفيف التوترات وتحقيق مزيد من الازدهار، بعيدًا عن أي تواطؤ أو استغلال دولي.
بوابة الشرق الأوسط الجديدة