كمين خلدة الطائفي الدموي اقوى انذار تمهيدي لحرب أهلية ثانية
لا شيء يأتي من قبيل الصدفة في لبنان هذه الأيام حيث تبلغ عمليات الشحن والتحشيد الطائفي والمناطقي ذروتها بفعل التدخلات الخارجية والاحتقان الداخلي والتهديدات الإسرائيلية المتواصلة. وحالة الاحتقان التي تسود منطقة الشرق الاوسط برمتها. ولهذا يجب النظر الى “كمين خلدة” الأخير والاشتباك المسلح الذي تلاه، وسقوط عدة قتلى اثناء تشييع احد عناصر “حزب الله” من هذه الزاوية.
ربما لا توجد علاقة مباشرة بين هذا الاشتباك المسلح وتوقيته الذي تزامن مع الذكرى الأولى لتفجير مرفأ بيروت. ولكن استهداف “حزب الله” وعناصره ومحاولة استفزازه وجره الى اتون حرب أهلية هو القاسم المشترك في الجريمتين.
الحرب الاهلية الأولى التي اندلعت شرارتها بحادث الهجوم الدموي على حافلة عين الرمانة كان عنوانها التوتر الإسلامي المسيحي. ويبدو ان الحرب الاهلية القادمة التي يجري التحضير لها، سيكون عنوانها مذهبيا، وسنيا شيعيا على وجه التحديد، فالحرائق الكبرى تشتعل من صغائر الشرر، وهناك من يبحث في الغرف السوداء عن “المفجر” المطلوب ويركب عناصره.
فالعشائر العربية السنية التي أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم، وبررته بالثأر لأحد أبنائها الذي تقول انه سقط برصاص احد عناصر “حزب الله” قبل عام. معروفة بولائها لحزب المستقبل الذي يتزعمه السيد سعد الحريري المعروف بطائفيته وعدائه لحزب الله، وعبر عن هذا العداء بكل وضوح عندما شن هجوما مسموما على الحزب، وحمله مسؤولية فشله في تشكيل الحكومة. واستفحال حالة الفوضى وعدم الاستقرار في لبنان.
قلناها اكثر من مرة، وفي هذ المكان، ان التحالف الإسرائيلي الأمريكي الفرنسي. لن يهنأ له بأل الا بعد سحب ترسانة “حزب الله” الصاروخية التي باتت تشكل تهديدا وجوديا لدولة الاحتلال الإسرائيلي، ولأن هذا الثالوث فشل في اشعال فتيل الثورة ضد الحزب من خلال تدمير الاقتصاد والعملة اللبنانية، وتعطيل الخدمات العامة كافة، وتجويع اكثر من 80 بالمئة من الشعب اللبناني. ها هو يلجأ الى استخدام ورقة الطائفية الدينية والسياسية، وبين أبناء العقيدة الإسلامية الواحدة، كخطوة أولى للحرب الاهلية الشاملة الموسعة.
عندما يغيب الخبز، والمحروقات والكهرباء والماء، ويتوفر السلاح بكثرة في ايدي الأدوات المأجورة، فهذا يعني ان الصدامات الدموية اقتربت في بلد انهارت دولته ومؤسساتها، وخاصة المؤسسة العسكرية التي باتت تتوسل من هذا الثالوث وجبات طعام جنودها ووقود سياراتها.
نحمد الله ان “حزب الله” المستهدف الأبرز، وربما الوحيد، من سيناريو التفجير القادم الذي ستشارك في اشعال فتيله قوى إقليمية عربية خليجية على رأسها المملكة العربية السعودية. يعي بتفاصيل هذا السيناريو، والأفخاخ التي تنصب له لإستفزازه وجره الى مصيدة الحرب. من خلال التحلي بالحكمة وكظم الغيظ، وضبط النفس بالتالي، ولكن ومثلما قال النائب حسن فضل الله، النائب عن “حزب الله” في حديثه لقناة “الجديد” ليلة امس الأول “الناس في حالة غليان ولا نستطيع ضبطهم في ظل ظاهرة السلاح المنفلت السائدة”، وهذا تشخيص دقيق للوقائع على الأرض.
الحرب الاهلية الأولى استمرت 15 عاما. ولا نعتقد ان الحرب الثانية ستستغرق كل هذه المدة. لان الغطاء الشرعي الذي تتمتع به المقاومة اللبنانية اكثر قوة تسليحا وصلابة لبنانيا من نظيره الذي كانت تلتحفه المقاومة الفلسطينية “غير اللبنانية”. فالاولى مكون لبناني اصيل، وتدافع عن وجودها، وهويتها العربية اللبنانية. والخروج من البلاد. او التخلي عن سلاحها الثقيل منه (الصواريخ) او الخفيف غير وارد مطلقا. وربما يفيد التذكير انها انتصرت في جميع حروبها الأخيرة، داخل لبنان وخارجه، بما في ذلك مرتان ضد العدو الإسرائيلي. الأولى حرب التحرير عام 2000، والثانية ضد العدوان الإسرائيلي عام 2006.
نتمنى ان لا تقع الحرب الاهلية الثانية وان تسود الحكمة والتعقل جميع الأوساط . مثلما نتمنى ان تمنى جميع السيناريوهات المعدة لها بالفشل لان الشعب اللبناني كله ودون أي استثناء، الذي كان ضحية الحرب الأولى سيكون ضحية الحرب الثانية أيضا وبخسائر مضاعفة عدة مرات، طال امدها او قصر.
المقاومة اللبنانية لن تتخلى عن سلاحها، وستقاوم كل المؤامرات التي تعرف جيدا انها كلها تُطبخ في تل ابيب بهدف طمأنة المستوطنين الإسرائيليين ومحاولة تمديد آمن لوجودهم على الأراضي الفلسطينية المحتلة. ولهذا سيكون ردها غير مقتصر على الداخل اللبناني، وعلينا ان لا ننسى انها لن تكون وحدها في أي حرب قادمة، مثلما كان حال شقيقتها الفلسطينية.. وقد اعذر من انذر.