كيف ساهمت أوربا في اندلاع العنف بالشرق الأوسط؟

عمران دنقيش، الطفل البالغ من العمر خمسة أعوام، يجلس بصمت وصدمة على مقعد سيارة إسعاف. هذا الولد الفقير يبدو أنه هزم تماما، صدمة تكفي لجعل أي شخص يذرف الدموع. يمسح رأسه بيده، وينظر إلى أسفل ويدرك أنها مغطاة بالدماء. وبدلا من التفاعل، وضع يده مرة أخرى على ذراعه بكل بساطة . هذه هي أحدث صورة لتغليف الرعب عن معاناة المدنيين في سوريا.

لماذا توجد الكثير من الصراعات الجارية في الشرق الأوسط؟ ليس هناك إجابة واحدة بسيطة على هذا السؤال. ومع ذلك، فعند النظر في السنوات الـ100 الماضية، منذ زوال الإمبراطورية العثمانية، يمكننا أن نرى أن العديد من المتاعب في الشرق الأوسط نشأت بسبب عدم وجود قوة واحدة تستطيع السيطرة الكلية، كما كان الحال عند العثمانيين عندما كانوا مسؤولين. ولقد شهدنا في العقدين الماضيين فقط، كيف يتم استغلال عدم وجود رقابة، في حالة عدم وجود الحكم الشرعي والمنظم، من قبل الجماعات المنشقة.

ومن الواضح، أن سقوط هذه الامبراطورية، التي كانت عظيمة، أفضى إلى العنف، والصدامات العرقية، وعدم الاستقرار السياسي والحماسة الدينية، وكلها خلقت أرضا خصبة للطغاة والجماعات الإرهابية، لكي تنمو وتمارس سلطتها في ظل وجود فراغ سياسي. وسقوط الإمبراطورية العثمانية هو المفتاح لتشكيل ما يجري في الشرق الأوسط. اليوم. وفي الواقع، يمكننا العودة لقبل ذلك، عندما جلس اثنان من المسؤولين الغربيين -أحدهما بريطاني والأخر فرنسي- معا في عام 1916، ووضعا خطوطا على الخريطة لاستيفاء جميع المقاصد، وكان لديها الكثير لتفعله مع مشاكل اليوم.

ولقد كان الشرق الأوسط ذو اهمية إستراتيجية بالنسبة لكثير من القادة والإمبراطوريات الكبرى، من الإسكندر الأكبر إلى المغول والرومان، ونابليون والعثمانيين. وتسيطر المنطقة، بموقعها الجغرافي الحيوي، على البحر الأبيض المتوسط، بالتالي، كل العالم. كما أنها تحتوي الكثير من احتياطي النفط في العالم، ما يجعل السياسة الإقليمية في غاية الأهمية، لا سيما بالنسبة للقوى الغربية.

وعلى الرغم من العديد من محاولات القوى الخارجية لإحلال السلام في المنطقة، بدلا من الفوضى الحالية، فمن الواضح أنه لا يزال من الصعب العثور على حل لانهيار الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى. ومنذ مئات السنين كان السنة والشيعة، والعرب واليهود والمسلمون والمسيحيون في بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين ، لديهم بعض النزاعات الإقليمية، سقطت كلها تحت حكم وسيادة الإمبراطورية في إسطنبول، التي كانت تحميهم من التهديدات الخارجية ومن بعضهم البعض. وتم إلغاء هذا النظام قبل 100 سنة، وإطلاق العنان للشيطان، لينزع فتيل النزاعات القومية والإثنية والطائفية، حول من سيسيطر على الأرض وعلى الحدود.

لماذا التاريخ مهم لفهم جذور الصراعات الحالية؟ على سبيل المثال، هل بدات الإمبراطورية العثمانية بفقدان الأراضي في منطقة الشرق الأوسط في القرن التاسع عشر؟ على الرغم من أن حكم العثمانيين تمتع بالاستقرار في المنطقة لعدة قرون، فإن التدخل الغربي والمصالح الاستعمارية ولت اهتماما كبيرا للانقسامات العرقية والدينية المعقدة فيها. وكانت تلك المصالح أهم من الولاءات المحلية.

وفي القرن التاسع عشر دخل “العالم الحديث”، والفكر الغربي، والديمقراطية والسياسة البرلمانية إلى الولايات العثمانية. وكانت الإمبراطورية العثمانية بطيئة جدا في أخذ خطوات ديمقراطية، وشجع الغرب السكان المحليين على الانتفاضات ضد السلطة المركزية. ومن الاستفادة من تجاربنا السابقة، فمن المعقول أن نفترض أنه إذا أدخل العثمانيون الديمقراطية والحكم البرلماني في القرن التاسع عشر، فلربما كانت هناك حماسة كبيرة لصد التدخلات الغربية.

وبالانتقال بسرعة إلى الأمام في أوائل القرن العشرين، وفي عام 1916 عمل التعاون البريطاني الفرنسي على نحت الإمبراطورية العثمانية “اتفاقية سايكس-بيكو”، التي لعبت دورا مهما في إنشاء ما سيؤدي إلى وجود الدول الفاشلة في الشرق الأوسط. وأعاد سادة “سايكس بيكو” رسم حدود المنطقة إلى منطقتين متميزتين من النفوذ، تسيطر عليها بريطانيا وفرنسا على التوالي. وتتجاهل الصفقة التطلعات السياسية للعرب والأتراك والأكراد والمسلمين واليهود والمسيحيين، وساعدت على تدمير الروابط الثقافية بينهم، ما أدى الى كثير من الخلافات والانقسامات، التي نراها اليوم.

وكان مارك سايكس، نائب المحافظ البريطاني، ومساعد وزير الخارجية لشؤون الحرب. وفرانسوا جورج بيكو، دبلوماسي فرنسي مبتدئ . وكان والد بيكو وأسرته مندمجة تماما في نظام دبلوماسي فرنسي مع اهتمام طبيعي لآسيا. وصاغوا ما سماه ديفيد إيرومكين ” اتفاقا سريا بين الفرنسيين والبريطانيين، لتقطيع الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى .” ومثل هذه المعاهدات، تتماشي مع ما قاله مؤلف كتاب “سلام لإنهاء كل سلام”، “جنبا إلى جنب مع الأجندات الشخصية والأفكار المسبقة من المسؤولين الغربيين، وكان لها دور كبير في رسم خطوط في الرمال الصحراوية، حول الدم والنفط الذي تدفق منذ عقود إلى الآن”.

وقال إن اتفاقية سايكس بيكو لم تأخذ بعين الاعتبار مصالح السكان الأصليين؛ واستندت إلى المنظور الأوروبي للدولة القومية، لكنها لم تحل المسائل القومية في المنطقة. وفي الواقع، تم تحويل القضية القومية من واحدة في مجموعة متنوعة من الثقافات في الأراضي العثمانية، إلى سلسلة من الصراعات الدموية.
ووفقا لرئيس الوزراء السابق في تركيا، أحمد داود أوغلو، فإن بلاده عارضت دائما سايكس بيكو، التي كانت السبب في تقسيم المنطقة ونفور مدننا عن بعضها البعض. والأهم من ذلك، تم استخدام الربيع العربي ذريعة لمنع تنفيذ الخطط التركية، لعكس النتائج والآثار المترتبة على اتفاق مثل هذا ، فعلى سبيل المثال، خلق منطقة اقتصادية حرة مع سوريا ولبنان والأردن.

ومن الواضح أن اتفاقية سايكس بيكو تستند على وجهات النظر العنصرية والطائفية والتطهير العرقي المطلوبة، في محاولة إقامة دولة “أحادية الثقافة”. وكانت هذه التركيبات الاصطناعية غير طبيعية، ويمكن أن تكون أيضا السبب الرئيسي للكثير من الخلافات في الشرق الأوسط. ومنطقيا لماذا أيضا هذا العدد الكبير من الدول، التي تم إنشاؤها من قبل البريطانيين والفرنسيين تلقى اليوم فشلا ذريعا. والوضع اليوم أسوأ بكثير مما كان عليه قبل مئة سنة، خلال العصر العثماني.وعلينا أن نتعايش مع العواقب الوخيمة الناجمة عن سايكس بيكو، لأنه لم يكن هناك أبدا أي استقرار في القرن الحالي منذ بدئه . ولدينا الآن أجيال من الناس يعرفون صراعا وعدوانا وحيدا، لدرجة أن السلام والعمل من أجل الصالح العام قد يكون غير معروف نسبيا بالنسبة لهم، لكن قد يكون غير مرغوب فيه أيضا . وواصل الغرب اقترابه من منطقة الشرق الأوسط مع حكم بالوكالة بطريقة قصيرة النظر جدا، واختيار حلفائه وفقا لما هو مربح، وليس ما هو صواب.

ميدل إيست مونيتور

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى