تحليلات سياسيةسلايد

كيف فضحت طائرة “مُسيّرة” صغيرة خطط أمريكا الاستراتيجيّة في البحر الأحمر؟

يبدو أن البحر الأحمر الذي اتّسم بحالةٍ نسبيّةٍ من الهُدوء طِوال الأعوام القليلة الماضية، بات الآن مِحور صِراع خفيّ بين الدول الإقليميّة في المِنطقة والولايات المتحدة و”إسرائيل” من جهةٍ وإيران من الجهة الأُخرى، ولعلّ المُناورات العسكريّة البحريّة التي جرت في شهر شباط (فبراير) الماضي وشاركت فيها 10 دول من بينها “إسرائيل” إلى جانب دول عربيّة أُخرى بقيادةٍ أمريكيّة تُسَلِّط الأضواء على هذا التحوّل الاستراتيجي الجديد المُتصاعِد.

يوم أمس كشفت وكالة الصّحافة الفرنسيّة الدوليّة عن برنامجٍ أمريكيّ للتجسّس في المِنطقة بدأ قبل عام باستخدام مُسيّرات حديثة من Saildone Oxporer وأحدث تقنيات الذّكاء الإصطناعي لرصد، وتصوير جميع التحرّكات الإيرانيّة في البحر الأحمر ومِنطقة الخليج، وإرسال هذه الصّور إلى مراكزِ مُراقبة سريّة في الجزيرة العربيّة لتحليلها.

اكتشاف هذا البرنامج تمّ بالصُّدفة من قِبَل سُفنٍ حربيّة إيرانيّة نجحت في السّيطرة على ثلاث مُسيّرات من النّوع المذكور آنفًا، يَبْلُغ طُولها 7 أمتار، وأعادتها بعد ضُغوطٍ أمريكيّة وبعد نزْع جميع كاميرات التّصوير منها لفكّ أسرارها، والمعلومات، والصّور الموجودة في ذاكرتها الإلكترونيّة.

تكثيف الولايات المتحدة لأنشطتها التجسّسيّة في البحر الأحمر هذه الأيٍام يعود إلى عدّة أسبابٍ في نظرنا:

الأوّل: رصد أيّ صفقات أسلحة مُتطوّرة يُمكن أن تُرسلها إيران إلى حركة “أنصار الله” الحوثيّة في صنعاء يتم تهريبها على ظهر سُفُنٍ “مجهولة” تُفرّغ حُمولتها في الموانئ اليمنيّة الشماليّة “السريّة” أو حتّى عبر ميناء الحديدة.

الثاني: حماية المِلاحة التجاريّة في البحر الأحمر وخاصَّةً الإسرائيليّة منها حيث تمر أكثر من 12 بالمِئة من الصّادرات الإسرائيليّة عبر مضيق باب المندب إلى آسيا.

الثالث: مُحاولة منع أيّ وجود عسكري روسي صيني في البحر الأحمر عبر البوّابة الإيرانيّة وحُكومة صنعاء.

الرّابع: الحيلولة دون حُدوث أيّ تهديد عسكري لصواريخ ومُسيّرات حركة “أنصار الله” لخليج العقبة، وميناء إيلات الحيويً لدولة الاحتِلال في فَمِ البحر الأحمر الشّمالي.

ثلاثة صِدامات مُباشرة وقعت في البحر الأحمر أيّام 20 و30 آب (أغسطس) الماضي، والفاتح من أيلول (سبتمبر) الحالي بين إيران التي اعترضت المُسيّرات، والبوارج الحربيّة الأمريكيّة التي تنطلق من على متنها للتجسّس وجمْع المعلومات، وتقول بعض التقارير الحربيّة الغربيّة، إن تكثيف الولايات المتحدة لأنشطتها الاستخباريّة والعسكريّة في البحر الأحمر قد أتى في إطار استعداداتها لعملٍ عسكريٍّ وشيك ضدّ إيران بعد انهيار مُفاوضات فيينا النوويّة، وبالتّنسيق مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي التي لا تملك قوّةً بحريّةً ضاربةً ومُتفوّقةً مثلما هو حال إيران.

العرض العسكري الضّخم، وغير المسبوق، التي نظّمته حُكومة صنعاء في مدينة الحديدة قبل عشرة أيّام، وشارك فيه أكثر من 25 ألف جندي، وصواريخ باليستيّة جديدة تُعرض لأوّل مرّة من طِراز “مندب 1″ و”مندب 2” البحريّة بعيدة المدى إلى جانب صواريخ روسيّة، يأتي رسالة تحذير قويّة من محور المُقاومة، والجيش الوطني اليمني تحديدًا، للولايات المتحدة “إسرائيل”.

كان لافتًا أن السيّد صالح المشاط رئيس الحركة ألقى خِطابًا ناريًّا في هذا العرض، وكان يرتدي ملابس عسكريّة، وأكٍد فيه أن الصّواريخ البحريّة اليمنيّة باتت قادرة على الوصول إلى أبعدِ نُقطةٍ شِمال البحر الأحمر، في إشارةٍ واضحة إلى ميناء إيلات الإسرائيلي، وربّما إلى مفاعل ديمونا الذرّي في وسط صحراء النقب الفِلسطينيّة المُحتلّة.

نجاح إيران في إسقاط هذه الطّائرات، ومن ثمّ احتجازها على ظهر بوارجها في البحر الأحمر، ثمّ إعادتها بعد مُفاوضات شاقّة مع الجانب الأمريكي بعد نزع كاميراتها، وأجهزة الكومبيوتر فيها حسب ما جاء في تقرير وكالة الصّحافة الفرنسيّة الدوليّة المذكورة في بداية هذه المقالة، يُؤكّد أن مشروع التجسّس الأمريكي، والسّيطرة من خِلاله على البحر الأحمر ومِنطقة الخليج بات يُواجه تهديدات خطيرة، مثلما يُواجه احتمالات المُواجهة المُتزايدة مع الخصم الإيراني الذي يُؤكّد قُدراته العسكريّة المُتقدّمة يومًا بعد آخر.

نحن نعيش زمن المُسيّرات، والذّكاء الاصطناعي، ومن سُوء حظ الولايات المتحدة، ودولة الاحتِلال، أن إيران تحتل المرتبة الثانية بعد الصين في هذا الميدان، وما يؤكّد هذه الحقيقة لجوء موسكو إلى شراء عشَرات وربّما مِئات من هذه الطّائرات للاستِعانة بها في الحرب الأوكرانيّة حسب تقارير رسميّة أمريكيّة، أمّا عن الذّكاء الاصطناعي يُمكن الإشارة إلى نجاح الأذرع الإلكترونيّة الإيرانيّة الضّاربة في إعطابِ مراكز الحاسوب الحُكوميّة الألبانيّة وشلّها عن العمل كُلِّيًّا، انتقامًا لاستِضافتها أكثر من 3000 من كوادر حركة مُجاهدي خلق الإيرانيّة المُعارضة على أراضيها.

راقِبُوا البحر الأحمر في الأسابيع والأشهر المُقبلة، والتطوّرات التي يُمكن أن تحدث في مِياهه الدوليّة أو على سواحله الشرقيّة، فجميع الاحتِمالات واردة.. والأيّام بيننا.

 

 

صحيفة رأي اليوم الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى