افتتاحية الموقع

كيف قسّمت بريطانيا العظمى العالم وبالتحديد الشرق الأوسط الكبير وخلقت النزاعات فيه من أجل مصالحها؟

ماهر عصام المملوك

منذ بدايات القرن السابع عشر، شرعت بريطانيا العظمى في بناء واحدة من أضخم الإمبراطوريات الاستعمارية في التاريخ، حيث امتدت سيطرتها إلى أجزاء واسعة من آسيا، وأفريقيا، والأمريكيتين، وأوقيانوسيا.

ما يميز هذه الإمبراطورية لم يكن فقط اتساع رقعتها، بل الطريقة التي تم بها تقسيم العالم واستغلاله وفقًا لمصالحها، حتى وإن لم تكن هذه الأراضي ملكًا لها. فبريطانيا لم تكتفِ بالغزو العسكري أو الاحتلال المباشر، بل اتبعت سياسة ممنهجة تقوم على إعادة رسم خرائط المناطق، وخلق النزاعات، وتغذية الحروب الأهلية، لإضعاف الشعوب وضمان الهيمنة طويلة الأمد.

من أبرز الأمثلة على سياسة بريطانيا في تقسيم الأراضي ما حدث في الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الأولى، حين شاركت في اتفاقية سايكس-بيكو مع فرنسا عام 1916، لتقاسم تركة الدولة العثمانية قبل سقوطها وكذلك وعد بلفور . كما أعادت هذه الاتفاقيات رسم الحدود بشكل تعسفي لا يراعي المكونات العرقية أو الطائفية للشعوب، مما خلق أزمات مستمرة حتى يومنا هذا. فقد وُضعت جماعات متناحرة داخل دولة واحدة عمدًا، أو تم تفتيت قوميات متجانسة بين عدة دول، وهو ما أدى إلى حروب أهلية وصراعات حدودية استمرت لعقود.

كذلك اتبعت بريطانيا أيضًا سياسة “فرّق تسد”، وهي منهج استعماري يقوم على تأجيج الخلافات بين المكونات الاجتماعية والعرقية في البلدان التي تحتلها. في الهند، دعمت الانقسام بين الهندوس والمسلمين، مما أدى لاحقًا إلى انفصال باكستان وبنغلاديش عن الهند بعد استقلالها. وفي فلسطين، سهلت الهجرة الصهيونية ودعمت إنشاء وطن قومي لليهود بموجب وعد بلفور عام 1917، مما زرع بذور صراع دموي مستمر حتى اليوم.

وخلفت شعارات مثل “نشر الحضارة” و”التحديث” و”تحرير العبيد”، قامت بريطانيا بنهب الموارد الطبيعية للدول المستعمَرة.

في أفريقيا، سُخّرت الثروات الزراعية والمعدنية لخدمة الاقتصاد البريطاني.

وفي الهند، أدى الاستغلال الاقتصادي إلى تدمير الصناعة المحلية، وانتشار المجاعات. حتى المناطق التي لم تحتلها مباشرة، كانت تحت وصاية اقتصادية أو عسكرية غير معلنة.

ومازال إرث الاستعمار الحديث قائمًا رغم أن معظم الدول نالت استقلالها بعد منتصف القرن العشرين، فإن إرث الاستعمار البريطاني لا يزال حاضرًا في البنية السياسية والاقتصادية لهذه البلدان.

فالصراعات الحدودية، والنزاعات الطائفية، والانقسامات السياسية، كلها من مخلّفات تقسيمات استعمارية لم تُراعِ الهوية الحقيقية للشعوب. وحتى اليوم، لا تزال الشركات البريطانية (ومعها الغربية) تستفيد من الموارد والثروات بتسهيلات تجارية وامتيازات قديمة.

بالمحصلة لقد تمكّنت بريطانيا عبر ثلاثة قرون من إعادة تشكيل خارطة العالم وفقًا لمصالحها، من خلال القوة العسكرية، والتحالفات السياسية، والخداع الاستعماري، تاركة وراءها أزمات مستمرة حتى القرن الحادي والعشرين. وبينما قد تغيّر شكل النفوذ، فإن جوهره لا يزال قائمًا، يجعل من بريطانيا أحد أكبر المستفيدين عبر التاريخ من استنزاف الشعوب واستغلالها باسم التقدّم والحضارة.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على الفيسبوك

لزيارة موقع بوابة الشرق الاوسط الجديدة على التويتر

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى