لا تكن فظاً
أن تكون فظاً يعني أن تملك موهبة البدوي الذي كان يسقي بعيره قبل سفره في مغامرة ، ثم يربط فمه بإحكام حتى لا يجتر فيستهلك ما إختزن من ماء ، فإذا عطش و لم يجد ماء بقر كرش بعيره و شرب من عصيره فعاش ومات البعير.
هذا الشراب البدوي هو ” الفظاظة ” أي أن تقتل كي تعيش من جثة القتيل ، ثم صارت كلمة” فظاظة ” هي الشراسة والخشونة والقسوة في السلوك، وبهذا المعنى استخدمها القرآن الكريم من سورة ” آل عمران ” في الآية 159 ، مما يؤكد أن الفظاظة بمعنى الشراسة و سوء الخلق كانت ظاهرة إجتماعية كريهة و بارزة في المجتمع الجاهلي مما دعا الإسلام إلى التحذير منها غيرأن بداة الأعراب كما يبدو ظلوا كعادتهم على عاداتهم الفظة مما دعا إبن خلدون إلى إدانة هؤلاء الأعراب مما اتصفوا به من قسوة و شراسة، فإذا تأملنا تاريخنا جيداً لاحظنا أن الفظاظة قد تطورت فيما بعد ولم تعد لاصقة بالبدو وأقل ما يدهش في هذا التطور أن البدوي الفرد الذي كان يبقر كرش بعيره ليشرب في المغارات الخالية من الماء قد حال من التطور السياسي إلى سلطة طاغية قادرة أن تكم جميع الأفواه في البلد الذي يستبد في حكمه و بالتالي أن يسرق قوت أهله حتى البطر في حين تهوي مرافق العيش بالغالبية من شعبه إلى حضيض الإذلال .
لم تعد الفظاظة إذن تعبيراً مقتصراً على هيجان فردي عابر بل صارت برنامجاً لسطوة مدروسة حتى لتغدو الفظاظة مع التعود طبيعة بشرية كالقضاء والقدر وصار الإعتراض عليها نوعاً من الإفراط في حق سلطان مقدس يمّن على شعبه بنعمته و ما على هذا الشعب المغلوب على أمره سوى أن يشكوه ويسبح بحمده .
لقد إنتصرت الفظاظة كما يبدو في العالم أجمع إذ يشتد الظلم عبر تصرف خال من الديمقراطية في كثير من الأقطار الأوروبية و الأميركية الماهرة في تجميل أقنعتها المخادعة.