كتاب الموقعنوافذ

لا تمزح مع الغيب .. ولا مع العيب !

لا تمزح مع الغيب .. ولا مع العيب !… إحدى المهن المحترمة: الجهر بالحقيقة !

” لا تحاول إقناع من ليس له مصلحة في الاقتناع”.


لا تحاول مع “المقدّس” ـ الشيء المقدس نصاً أو تعاليم. فهو اعتناق أكثر مما هو اقتناع. ثقافة التقديس ستظل منتجاً رئيسياً للمقدس في الثقافة، وبالطبع ستكون بمرتبة الواجب الأخلاقي محاطة بأنواع من الغموض…المقدس أيضاً.

بذلك نرى ورطة الكاتب حين يتكىء على المرجعيات النصيّة المقدسة أو الأخلاقية، حين يرتهن برهانه على مضامينها. وحتى إذا عارضها… فإنه يقوم بمهمة التذكير بها.

الناس العاديون يعيشون تجربة المقدس ببساطة الحياة اليومية، ولا ينتبهون إلى تفاصيل الواجب الأخلاقي المنبثق عنها. إذا رأيناهم يخترقون عفة النص، بحكاياتهم وأحاديثهم الشفوية، فلأن الحياة، بالأساس، عاطلة عن الثياب. مكشوفة وتمارس التبدل اليومي بلا عناء. هكذا تولد وتحيا وتتكاثر النكتة البذيئة، والحكاية الشبقة، وفضائح الأحرار والحرائر في النميمة. ولكن بمجرد أن يكون على المثقف أن يقول ويروي ويتباسط مع الحياة… تقف شارة الممنوع والعيب والحرام.

القمع والرقابة والمصادرة بموجبات سياسية، أهون من الرقابة المعمول بها عرفياً وضمنياً في وجدان الكاتب وحبره وأقلامه. وإذا كانت الحرية ليس لها مقياس انضباطي فإنها تتعرض وحدها للتشريح والشرح والشرشحة… فيما يشمت بها ضباط صف النص القدس؟

هكذا نكون بسطاء ومرحين، ومنفتحين مع بعضنا في الغرف الخلفية للحديث، ونكون مزيفين، قليلاً أو كثيراً، في استديو تلفزيوني، في تسجيل أو على الهواء. وعندما نكتب ونطبع. أو حتى عندما نجيب على سؤال وجودي.

كان الحبيب بورقيبة، رئيس تونس وأبو استقلالها، بذيء اللسان، في القصر، وبين الناس، وعلى التلفزيون. ومن مشهوراته أن يقول للنساء:” أغلقوا آذانكن. سأكون صريحاُ.” فيما نجد، حتى الآن، ارتباكاً في المناهج المدرسية، تاليفاً وتدريساً، عندما يتعلق العلم بالجسد وتشريحه ووظائفه. وحتى وقت قريب كانت طالبات طب جامعة دمشق يغادرن المدرج في درس أستاذ يشبه بورقيبه ولسانه.

إن التحريم والتجريم لم يكن شفوياً أبداً، بل كتابياً ونصياً وقانونياً. وبهذا سيكون القمع السياسي آتياً من مصدر أخلاقي… أي القمع الثقافي والمقدس، واليقيني. ومن هنا نجد السلطات “الدنيوية” مغرمة بإرضاء السلطات “الدينية”. ولكن، في النهاية تنتشر ثقافة المقدس، بكل تعقيداتها وتصبح جيوشاً من القوة المتحولة، دون أن تكون القشرة الرسمية للسلطات الدينية ذات فاعلية، كما أنها لا تمون، في اللحظة الحاسمة، على أحد.

أحد الكتّاب وصف المسألة على النحو التالي:
“الاقتباس الأدبي من الكتب السماوية يحطم مرجعية النص الدنيوي. فهو يساعد في تربية مجتمع محافظ، وغير نقدي تجاه الدين، والمقدس عموماً، ويساهم في احتجاز مسيرة التفكير الحر. وبالتالي مسيرة التقدم. إن هذا يجب أن نسميه “التعالي النصّي” (أي اكتفاء فكرة النص بنفسها كمصداقية بذاتها غير مدعومة من خارجها).

إن التفكير بهذه الطريقة، أصبح ترفاً. ذلك لأن الواقع أثبت القدرة الهائلة للـ “تكفير”، على القدرة الخائبة للـ” تفكير”… مؤقتاً…
مؤقتاً ….؟!

أي لنصف قرن ، على الأقل !

بوابة الشرق الاوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى