لصوص بأقنعة طائفية (فاروق يوسف)

 

فاروق يوسف

بعد حوالي شهرين تنتهي الولاية الثانية لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي.
ثمان سنوات ختمها المالكي بتحذيره من إمكانية وقوع انهيار مالي قريب في العراق وبحرب في غرب العراق، عقد العزم على الخروج منها منتصرا على الشعب هناك.
ولكن دولة مهددة بإنهيار مالي، هل في إمكانها أن تنتصر في حرب، بغض النظر عن حجم قوة عدوها الافتراضي؟
سيكون المالكي معفيا كالعادة من الاجابة.
فالرجل الذي شهدت حقبة حكمه نشوب أول حرب أهلية في تاريخ العراق المعاصر وراحت ضحيتها عشرات الالاف من العراقيين الابرياء والعُزل لم يكلف نفسه ولا مرة واحدة الاشارة إلى ظاهرة الفساد الاداري والمالي التي جعلت العراق أثناء حكمه يتقدم في وقت قياسي ليكون الدولة الأكثر فسادا في العالم.
لقد كرس المالكي عبر سنوات حكمه الثمان مفهوم الدولة الفاشلة.
فالانهيار المالي الذي صار في نهاية ولايته الثانية يحذر من وقوعه، لن يكون وليد لحظة بعينها. ففي كل السنوات السابقة كان الانفاق الحكومي في العراق أكبر من الموارد المالية التي لا تقل سنويا عن مبلغ مئة مليار دولار أميركي، فكانت موازنة الدولة السنوية تنتهي دائما بالعجز المالي.
وهو ما يشير إلى أن سياسيات الحكومة المالية لم تكن تستند إلى أي نوع حكيم من الخبرة الاقتصادية. كان سلوك المالكي والمحيطين به من أفراد حزب الدعوة الاسلامي أشبه بسلوك القراصنة الذين استولوا على سفينة محملة بالذهب، وصار افراغ تلك السفينة من ذهبها هو مهمتهم التي ينبغي عليهم أن يتموها في أسرع وقت، في الوقت الذي كانوا فيه يهددون بإحراق السفينة بمن فيها.
لذلك كان المالكي حريصا على أن يقرع أجراس الحرب الأهلية بين حين وآخر.
وما الحرب الأخيرة التي زج المالكي بالجيش العراقي فيها إلا واحدة من تنويعات ذلك السلوك المغامر الذي يهدف إلى اشاعة الهلع والخوف والريبة الطائفية بين صفوف العراقيين، من أجل أن ينسوا سؤالهم المأساوي الذي يتعلق بثمان سنوات من الحكم لم يشهد أثناءها البلد أي نوع من الاعمار أو التنمية. فأين ذهبت أموال العراق إذن؟
أما كان في إمكان المالكي وهو مختار العصر كما يشير إلى ذلك موقعه الرسمي أن ينصر الامام الحسين (المقتول منذ حوالي 1400 سنة) من خلال تكريس مبدأ العدالة الاجتماعية في مجتمع لم تعد مشكلاته ذات صلة بما شهده القرن الهجري الثاني من صراع على الحكم؟
لم يكن المالكي رجل دولة معاصر ولن يكون كذلك.
لقد قُدر للشعب العراقي بوصية أميركية أن يقع ضحية بين أيدي جوقة من النصابين واللصوص والمحتالين والافاقين وقطاع الطرق وخريجي العالم السفلي الذين وجدوا في رفع رايات الطوائف وسيلة بدائية للسيطرة على تطلعات شعب كان يتطلع إلى الحرية، فإذا به بعد الغزو الاميركي يكبل بقيود ماض، لم يكن من صنعه، ولا اشترك أجداده في صياغة تجلياته.
للمالكي حروبه الماضوية المتخيلة، التي صار العراقيون يدفعون ثمنها.
لقد استطاع الرجل من خلال ثمان سنوات من الحكم أن يرسخ الثقافة التي تحمي فساده المالي. وهي ثقافة سطحية يمتزج فيها الخوف بعاطفة حزبية تنتمي إلى أزمنة التناحر على الحكم بين العوائل القرشية ولا علاقة لها بالدين المحمدي.
لقد خدع المالكي العراقيين بماضويته السوداء، فاستلب حقهم في العيش الحر الكريم، فهل سيمضون معه ومع أشباهه من سياسيي الاحتلال في ولاية ثالثة، ليكونوا محط لعنة الاجيال العراقية القادمة؟
ما ينبغي أن يعرفه العراقيون أن دعاة حزب الدعوة، وجلهم مواطنون في دول أوروبية، لا يفكرون في الماضي الحزين إلا باعتباره سجنا للعراقيين. في المقابل فان الاموال المهربة من العراق ستكون رصيدا لأولادهم وأحفادهم في الاوطان البديلة.

ميدل ايست أونلاين

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى