لغة المعارضة وتزوير الحقيقة

ما أن حلت سلطة الاحتلال الاميركي في العراق الجيش العراقي حتى سارعت المعارضة العراقية التي كانت تسعى لاستلام السلطة إلى القول إن الجيش الذي حُل هو جيش صدام ولم يكن جيشا عراقيا. لم يتساءل أحد يومها “أين ذهب الجيش العراقي؟”

بالنسبة لحزب الدعوة الذي آلت إليه مقاليد الحكم فإن الجيش الذي قاتل ايران ثمان سنوات في حرب شرسة يستحق أن يُمحى، فوجوده يذكر باللحظة التي تجرع فيها الخميني السم حين يوافق على انهاء الحرب.

لذلك فإن اللغة التي استعملتها المعارضة السابقة في وصف الجيش المنحل كانت تتماهى مع تلك الحقيقة. وهي حقيقة تخفي حقيقة أن المعارضة نفسها كانت قد شاركت في تلك الحرب، لكن على الضفة الايرانية.

هكذا وجد المعارضون السابقون في التسمية المضللة تبريرا لخيانتهم.

من جهتها فإن المعارضة السورية حذت حذو المعارضة العراقية السابقة في تبرير دعوتها لضرب الجيش العربي السوري من قبل الولايات المتحدة أو أية جهة في العالم. ناهيك عن أن حشود القادمين من مختلف انحاء العالم لمحاربة الجيش السوري لم يكن ليثير استياء تلك المعارضة.

بالنسبة للمعارضين فإن ذلك الجيش هو جيش الاسد. في أحسن أحواله فإنه جيش النظام وليس جيشا سوريا، يتالف من ضباط وجنود ينتمون إلى الشعب السوري الذي ما من مؤسسة تؤكد وحدته مثلما تفعل المؤسسة العسكرية.

تنطوي لغة المعارضين على قدر لافت من التشفي وهي تنقل أخبار القتل الذي يتعرض له أفراد من الجيش السوري، كما لو أنهم لم يكونوا أبناء لقرى ومدن سورية كانت هي الآخرى تتعرض لفجائع الحرب. بالدرجة نفسها من السوء جرى الصاق صفة “شبيح” وهي اختراع لغوي سوري معاصر بكل من يؤيد النظام من أبناء الشعب السوري. بعد ذلك تم تعميم تلك الصفة فصارت تشمل كل شخص في العالم لا تطابق وجهة نظره أفكار المعارضة السورية، حتى وإن كان ذلك الشخص لا يؤيد النظام.

من سوء حظ المعارضة أن يكون شاعر كبير مثل أدونيس شبيحا. وهو ما جعل الكثيرين ممن لا يعرفون قيمة أدونيس ولم يقرأ من نتاجه الشعري والفكري حرفا واحدا ينظرون إليه بإعتباره واحدا من أزلام النظام.

وإذا ما عدنا إلى ابجدية اللغة العراقية السائدة فقد جرى العرف اللغوي بتوزيع معارضي النظام القائم على اساس المحاصصة بين حزب البعث وتنظيمي داعش والقاعدة، حتى وإن كانوا من معارضي النظام السابق ولم تكن لديهم اية توجهات دينية متطرفة.

تكمن خطورة تلك اللغة الاختزالية في محاولة تجريد الآخر من حقه في أن يكون له رأي مختلف ودفعه إلى تكريس وقته للدفاع عن نفسه من أجل اعلان براءتها مما ينسب إليها. وهي خطة تنطوي على الكثير من الخبث لما يتخللها من عمليات تزوير وتشويه للحقائق.

غير أن فضيحة تلك اللغة تكمن في أنها كانت مرآة للغة التي اعتادت الانظمة الشمولية استعمالها في وصف معارضيها، الذين كانت الاوصاف التي تلصق بهم تجردهم من وطنيتهم لتلقي بهم بين أحضان الاجنبي بإعتبارهم خونة وعملاء وادلاء ذليلين وتابعين.

وكما يبدو فإن سيرة المعارضة العراقية وقد تلطخت بعار السير في ركاب المحتل وصولا إلى السلطة صارت تسمح لها بتكريس تلك اللغة بإعتبارها اللغة الوحيدة الممكنة للتعريف بخصومها. فـ”تهم” من نوع الخيانة والعمالة والتعاون مع المحتل لم تعد تثير أي نوع من الحساسية لدى المعارضين السابقين الذين كانوا حذرين من اتهام خصومهم بالخيانة أو العمالة.

لقد جرى تحديث تلك اللغة المضللة بما يخدم الهدف.

غير أن ذلك التحديث كان بسبب ما تخلله من ارتجال وانفعال قد خان الحقيقة. فالعراق اليوم هو في أمس الحاجة إلى جيشه الذي قرر المعارضون ذات يوم أنه لم يكن إلا جيشا لصدام. اما السوريون فإنهم سيندمون على كل رصاصة وجهت إلى صدور جنود الجيش الذي يسمونه اليوم “جيش الاسد”. ذلك لأن سوريا من غير ذلك الجيش ستكون عراقا آخر. بلد لن يتعرف فيه أحد على أحد، في ظل لغة تخون نفسها بعد أن خانت الحقيقة.

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى