لماذا ارتفع مُستوى التّمثيل الأوروبيّ وانخَفض نظيره العربيّ في قمّة شرم الشيخ العربيّة الأُوروبيّة؟

 

تُشكّل القمّة العربيّة الأوروبيّة التي بدأت أعمالها يوم الأحد في شرم الشيخ انعِكاسًا لرغبة الطّرفين في الخُروج من مجموعةٍ من الأزَمات الأمنيّة والاقتصاديّة، ومُحاولة وضع استراتيجيّة جديدة لمِلء أيّ فراغ ينشأ عن الانسِحاب الأمريكيّ المُتسارع من منطقة الشرق الأوسط، وهزيمة “الدولة الإسلاميّة” “داعش” في سورية والعراق.

انعِقاد القمّة يُمكِن النّظر إليه من زاويةٍ إقليميّةٍ مُهمّةٍ، وهي عودة مصر، ومُحاولتها استِعادة دورها القياديّ عربيًّا وعالميًّا بعد خمس سنوات من الانكِفاء الداخليّ، والتّركيز على القضايا الاقتصاديّة والأمنيّة التي كانت تُشكّل تهديدًا لاستِقرارها.

كان مُستوى الحُضور الأُوروبيّ لافتًا في هذه القمّة، فقد شارك فيها 28 مسؤولًا من بينهم 20 رئيس وزراء ومُستشاران (ألمانيا والنمسا)، ورئيس دولة (رومانيا)، الأمر الذي يُؤشّر إلى رغبةٍ أوروبيّةٍ بانفتاحٍ أكبر على الجِوار العربي، وتعزيز العلاقات التجاريّة والأمنيّة، ووضع خُطط لمُواجهة القضايا التي تَهُم الجانبين وأبرزها الإرهاب والهِجرة غير الشرعيّة.

الحُضور العربيّ لم يكُن على نفس مُستوى الحُضور الأوروبيّ، وانحصر في حُضور 12 زعيم دولة، كان أبرزهم العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، وملك البحرين حمد بن عيس، والرئيس العراقيّ برهم صالح، والرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، ولا نعرف أسباب غياب العاهل الأردني الملك عبد الله بن الحسين، وتخفيض مُستوى تمثيل دولة الإمارات وحُضور الشيخ حمد بن محمد الشرقي، حاكم إمارة الفجيرة، حيث جرت العادة، وبحُكم العلاقات المصريّة الإماراتيّة القويّة، أن يترأس وفد الإمارات إمّا الشيخ محمد بن راشد، حاكم دبي ورئيس الوزراء، أو الشيخ محمد بن زايد، نائبه ووليّ عهد أبو ظبي، فهل هُناك تأزّم في العلاقات لسببٍ أو لآخَر، وما هي الأسباب الخفيّة في حال كانت الإجابة بالإيجاب؟

تمثيل دولة قطر بمندوبها الدائم في الجامعة العربيّة (بدرجة سفير) كان مُتوقّعًا، لأنّ الدعوة التي وجّهتها الحُكومة المصريّة إلى نظيرتها القطريّة جاءت “مغمغمة”، أو خارج الأعراف البروتوكوليّة المُتّبعة، مثلما تقول دولة قطر، أيّ لم تكن مُوجّهة إلى الأمير تميم بن حمد شخصيًّا، وكأنّ الحُكومة المصريّة تقول للأخير بأنّه غير مُرحّبٍ بك في هذه القمّة، بحُكم تدهور العلاقات بين البلدين، والأفضل أن لا يتحمّل مشاق السّفر، وهذا موقف يُذكّرنا بنظيره السعوديّ إلى القمّة الخليجيّة الأخيرة في الرياض.

توقيت هذه القمّة على درجةٍ كبيرةٍ من الأهميّة، لأنّه يتزامن مع انسِحاب الإدارة الأمريكيّة الحاليّة من منطقة الشرق الأوسط، والتّركيز على القارّة الأفريقيّة وجنوب شرق آسيا، الأمر الذي قد يخلِق فراغًا تحرص دول الاتحاد الأوروبي على المُسارعة في ملئه، وإغلاق الأبواب على مُنافسيها الروسيّ والصينيّ.

حجم التجارة البينيّة بين أوروبا والمنطقة العربيّة يُوازي نظيره لثلاث دول مُجتمعة هي روسيا والصين والولايات المتحدة، ولهذا تحرِص هذه الدول على تعزيز هذا التّعاون الاقتصاديّ مع العرب في ظِل الحُروب التجاريّة التي أشعلت فتيلها إدارة الرئيس ترامب الحاليّة على أكثر من جبهةٍ في العالم ومن ضِمنها أُوروبا.

المِنطقة العربيّة تُشكّل الجِوار الأهم بالنّسبة للاتحاد الأوروبي خاصَّةً على الصّعيد الأمنيّ، فعدم استقرارها يعني تصاعُد الهجَمات الإرهابيّة، وموجات الهجرة غير الشرعيّة، ولهذا أدركت قيادة الاتحاد الأوروبي فداحة تدخّلاتها العسكريّة في ليبيا والعِراق، وما خلقته من فوضى، وتحويل هذه الدول إلى دولٍ فاشلةٍ.

السؤال المطروح الآن عمّا آذا كانت أوروبا على استعدادٍ لمُقايضة الاستثمار بالاستِقرار في المنطقة العربيّة؟ والتّراجع بالتّالي عن سِياساتها السابقة في تبنّي الحُروب الأمريكيّة، والانحياز للعُدوان الإسرائيليّ؟

لا نملُك إجابةً عن هذا السُؤال لكن مُقاطعة الاتحاد الأوروبي ووزراء خارجيّة بُلدانه لمُؤتمر وارسو الأخير ربّما يعكِس مُؤشِّرًا مُهِمًّا يستحِق التّأمُّل.. ما زِلنا في البداية.. والأُمور بخواتمها في جميع الأحوال.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى