لماذا تتملّص تل أبيب من تحمّل مسؤولية ضرباتها في سوريّة؟

من اللافت جدًا أنّ دولة الاحتلال تمتنع بشكلٍ منهجيٍّ عن تحمّل مسؤولية توجيه الضربات العسكريّة لمواقع عسكريّة داخل الأراضي السوريّة، وفي الضربة الـ”منسوبة” لها، أمس السبت، عاد الإعلام العبريّ ليجتّر للمرّة بعد الألف الرواية الرسميّة الصادرة من المؤسستين السياسيّة والأمنيّة في تل أبيب والتي تقول، بحسب مصادر “أجنبيّةٍ” (!) طبعًا، إنّ الضربة المنسوبة لإسرائيل نُفذّت لتوجيه رسالةٍ حادّة كالموس إلى كلٍّ من سوريّة، إيران وحزب الله بأنّ حكومة بنيامين نتنياهو ماضية حتى الرمق الأخير، مثلما أكّد مُحلّل الشؤون العسكريّة في صحيفة (هآرتس)، عاموس هارئيل، في تطبيق خطوطها الحمراء التي وضعتها فيما يتعلّق ببلاد الشام.

المُحلّل نفسه زاد في مقالته الـ”تحليليّة” أنّ إسرائيل، تمامًا مثلما فعلت في الضربات السابقة المنسوبة لها في سريّة، قامت بالتدّخل بقوّةٍ وبالقوّة في الأماكن التي تجاهلتها الدول العظمى حول ترسيخ التواجد الإيرانيّ في سوريّة، على الرغم من أنّ تل أبيب قامت بواسطة القنوات الدبلوماسيّة بتوجيه تحذيرات لهذه الدول حول تنامي قوّة إيران العسكريّة على الأراضي السوريّة، على حدّ تعبير المُحلّل هارئيل.

ورأى المُحلّل في سياق تقريره أنّ السؤال الأهّم يتمحور حول الردّ الإيرانيّ على المدى الطويل: هل ستزيد كطهران مساعيها من أجل تثبيت تواجدها العسكريّ في سوريّة؟ وهل ستقوم بالمُبادرة لفتح جبهةٍ جديدةٍ ضدّ إسرائيل، بواسطة تفعيل خلايا “إرهابيّة” على طول الحدود الإسرائيليّة في هضبة الجولان العربيّة السوريّة؟

وأكّد هارئيل، نقلاً عن مصادر أمنيّة وعسكريّة، وصفها بأنّها مطلعة للغاية في تل أبيب، أكّد أنّ الهدف الإستراتيجيّ للجمهوريّة الإسلاميّة في إيران هو إيجاد “سلسلةٍ بريّةٍ” التي توصل بين إيران، العراق، سوريّة وحزب الله في لبنان، ومن المُمكن جدًا، أضاف، أنّ التصعيد الإيراني ضدّ إسرائيل في الوقت الراهن لا يخدم الهدف الإيرانيّ الإستراتيجيّ المذكور، على حدّ تعبير المصادر الإسرائيليّة.

مع ذلك، أضاف المُحلّل، الآن بات جليًا وواضحًا أنّ الطرفين، أيْ إسرائيل وإيران، قررا السير حتى النهاية: إيران ستُواصل ترسيخ وجودها العسكريّ في سوريّة، وإسرائيل ستستمّر في توجيه الضربات العسكريّة لمنشآت تزعم أنّها تابعةً للحرس الثوريّ الإيرانيّ.

ووفقًا للمصادر عينها، زاد المُحلّل هارئيل، فإنّ السؤال المُحرج والمُربك في هذه المسألة تتعلّق بروسيا، لافتًا إلى أنّ الروس والإيرانيين تعاونوا كثيرًا في الحرب الأهليّة السوريّة من أجل إبقاء الرئيس د. بشّار الأسد في سُدّة الحكم، ولكنّه زعم بموازاة ذلك أنّ العلاقات بينهما باتت مُعقدّة ومُركبّة للغاية.

وشدّدّ هارئيل على أنّ الجنرال الأمريكيّ في الاحتياط، جون آلين، الذي قاد المعركة ضدّ تنظيم “داعش” الإرهابيّ-المًتوحّش في كلٍّ من العراق وسوريّة، وتمّ تعيينه مؤخرًا رئيسًا لمعهد الأبحاث “بروكينغز″ قال أوّل من أمس الجمعة، في المؤتمر السنويّ الذي يُنظمه في واشنطن رجل الأعمال الإسرائيليّ-الأمريكيّ، حاييم سابان، قال إنّ المصالح الروسيّة-الإيرانيّة في سوريّة لم تعُد متطابقة كما كانت في الماضي غير البعيد، وذلك منذ أنْ خمدت المعركة ضدّ ما أسماها بالتنظيمات المُتمردّة، لافتًا في الوقت نفسه إلى أنّ هذه النتيجة توصّل إليها أيضًا صنّاع القرار في تل أبيب.

وشدّدّت المصادر في تل أبيب، كما أكّد المُحلّل الإسرائيليّ، على أنّ روسيا لم تفعل شيئًا من أجل منع الضربات المنسوبة لإسرائيل في سوريّة، والتي تستهدف المنشآت الإيرانيّة وقوافل الأسلحة التي تعمل طريقها من الأراضي السوريّة إلى حزب الله في لبنان، هذا على الرغم من أنّها نشرت منظومات الدفاع المُتقدّمة جدًا من طراز (إس400)، القادرة على التقاط أيّ تحركٍ للطائرات الحربيّة الإسرائيليّة في المنطقة.

واختتم قائلاً إنّه إذا كان الهجوم الأخير المنسوب لإسرائيل يرفع منسوب القلق لدى موسكو، فإنّها قادرة على تجريب وضع ترتيبٍ جديدٍ وتحديد قواعد اللعبة في الجنوب السوريّ، مُشيرًا إلى أنّه حتى الآن هذا الأمر لم يحدث.

من الجدير بالذكر أنّ الخطوط الحمراء التي وضعتها دولة الاحتلال في سوريّة تشمل: منع سقوط قذائف في الجزء المُحتّل من هضبة الجولان، نقل أسلحة متطورّة إلى حزب الله، ووجود قواتٍ إيرانيّةٍ أوْ مواليةٍ لإيران على حدود إسرائيل سواءً في سوريّة أوْ لبنان، كما أنّ بناء إيران قاعدة بحريّة في سوريّة غير مقبول وتجاوز للخطوط الحمراء، الأمر الذي يؤدي لردٍّ إسرائيليٍّ.

ونقلت الصحيفة عن وزير التعاون الإقليميّ الإسرائيليّ تساحي هنغبي قوله إنّ الوجود الإيرانيّ على حدود إسرائيل قد يسبب حدوث حرب. وأضاف هنغبي أنّ إسرائيل لا يُمكنها أنْ تغمض عينيها وتكتفي بالتنديد، ولكنّها لا تضرب إلّا إذا تعرضت لعدوانٍ من الطرف الآخر. من جهته قال مصدر دبلوماسيّ إسرائيليّ إنّ الإيرانيين يخطئون إذا توهموا أنّ في وسعهم فرض معادلةٍ جديدةٍ للردع المتبادل.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى