تحليلات سياسيةسلايد

لماذا صعّد الرئيس الكوري الشّمالي تهديداته لأمريكا

بمُجرّد إعلان الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون إصدار بلاده قانونًا بتوجيهِ ضربةٍ وقائيّة نوويّة فوريّة للرّد على أيّ عُدوان يستهدفها، عقدت السيّدة كارين جان بيير المُتحدّثة باسم البيت الأبيض مُؤتمرًا صِحافيًّا أكّدت فيه أن بلادها مُستَعِدَّةٌ للتّفاوض مع كوريا الشماليّة دُونَ أيّ شُروط.

الرئيس الكوري الشّمالي ربّما من القلائل في شرق آسيا، والعالم بأسْره، الذي فهم جيّدًا العقليّة الأمريكيّة وكيفيّة التّعاطي معها، ولا يعبَأ مُطلقًا بتهديداتها، ويمضي قدمًا في برامجه النوويّة والصاروخيّة بأقصى سُرعةٍ مُمكنة، ولا يعبَأ مُطلقًا بعُقوباتها الاقتصاديّة، ويرد عليها بالاكتفاء الذّاتي.

هذا القرار الذي أصدره وتبنّاه البرلمان يعني نسف أيّ مُفاوضات مُستقبليّة لنزع أسلحة كوريا الشماليّة النوويّة بَل ويُغلق باب الحِوار مع واشنطن حول هذه المسألة، وِفق المطالب أو الشّروط الأمريكيّة.

البند اللّافت في القانون الجديد الذي يُعطي الرئيس صلاحيّةً مُطلقة لاستِخدام الأسلحة النوويّة، ذلك الذي لا يحصر هذا الاستِخدام في الرّد على أيّ عُدوانٍ نوويّ، وإنّما أيضًا بالأسلحة التقليديّة، وهذا تصعيدٌ غير مسبوق في الأزمة الكوريّة مع الولايات المتحدة والجارة الجنوبيّة التّابعة لها.

الرئيس الكوري الشمالي يُرعب واشنطن وجميع رؤوسائها، السّابقين أو الحاليين، أو حتى المُستقبليين لسَببين رئيسيّين:

الأوّل: قُدرته على اتّخاذ القرار بالحرب دفاعًا عن بلاده وشعبها، حتّى لو كان الرّد نوويًّا إذا اقتضت الحاجة.

الثاني: أنه الوحيد في العالم تقريبًا الذي لا يسعى للِقاء أيّ رئيس أمريكي أو زيارة واشنطن، وشاهدنا كيف كان الرئيس الأمريكي السّابق دونالد ترامب يستجدي لقائه، وعندما التقاه مرّتين في العام 2019، الأولى في سنغافورة، والثانية في هانوي، لم يخرج الرئيس ترامب من اللّقاءين بأيّ تنازلٍ كوريّ شماليّ، وخرج من الأخير في هانوي غاضبًا مُتَوَجِّهًا إلى المطار مُباشَرةً، ودُونَ أن يَعقِد أيّ مُؤتمر صحافي.

الرئيس كيم جونغ أون جعل من بلاده قُوّةً نوويّةً مُهابة، وانضَمّ إلى الحِلف الدّولي الجديد الصّاعد الذي يضم كُل من الصين وروسيا وعلى وشك أن يحكم العالم بعد الإطاحة الوشيكة بالزّعامة الأمريكيّة الغربيّة.

ربٍما يُجادل البعض من الأخوة العرب أن هذا الرئيس جوّع بلاده، وحرَم شعبها من مُعظم مُقوّمات الرّخاء، وهذا صحيح، ولكن ينسى هؤلاء المُعجبون بالهيمنة الأمريكيّة وديمقراطيّتها العُدوانيّة، أن مُعظم زُعمائهم الذين يَدورون في الفلك الأمريكي لا يستطيعون حماية قُصورهم وبُلدانهم دُونَ الدّعم من واشنطن، والآن نقَل بعضهم الحِماية الخارجيّة إلى الكتف الإسرائيلي أيضًا.

في عِلم الاجتماع، تُؤكّد جميع النظريّات القديم منها أو الحديث، أن الأمن يتصدّر كُل أولويّات المُواطن، وقبل الجُوع، ولعلّ الرئيس الكوري الشّمالي يعرف هذه الحقيقة جيّدًا، ولهذا أعطى الأولويّة لتكريس أمن بلاده، وعزّز سِيادتها بالتّجارب النوويّة والصاروخيّة النّاجحة، وخاصَّةً تلك العابرة للقارات، فهنيئًا لهُ ولشعبه الذي استطاع أن يعيش آمنًا وبُدون الكوكاكولا والهامبرغر ومحلّات ماكدونالدز.

 

صحيفة رأي اليوم الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى