إدارة بايدن تعرّضت لانتقادات واسعة من جانب المسؤولين الإسرائيليين نتيجة موقفها المطالب بوقف الحرب على غزة، على رغم دعمها المطلق لحكومة الكيان وتعاطفها الكبير معها منذ بدء عملية طوفان الأقصى.
فشل بلينكن في التوصل إلى وقف الحرب في غزة
لم تحقق الجولة الخامسة لوزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، أهدافها المعلنة بالتوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة. على رغم ما سبق تلك الزيارة من تحضيرات وتكهنات وظروف تشي باحتمال نجاحها.
وتحدثت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن ضغط تمارسه إدارة بايدن على حكومة الكيان لوقف عدوانها على قطاع غزة. والذي بات يحظى بانتقادات واسعة من جانب الرأي العام العالمي.
كذلك، بادرت الولايات المتحدة إلى فرض عقوبات بحق أربعة مستوطنين ممن ارتكبوا مجازر بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.
كان من نتائج زيارة بلينكن أن قام الرئيس بايدن بإصدار مذكرة تطالب الحكومات التي تتلقى أسلحة أميركية بضمانات مكتوبة بشأن التزام القانون الدولي والقانون الأميركي. وهو ما يشير إلى فشل مساعي بلينكن. كما وأن الحكومة الاسرائيلية لا تريد التزام أيّ إملاءات أو شروط أميركية.
زيارة بلينكن كان تم تأجيلها ليترك للمتفاوضين مزيدٌ من الوقت لإنضاج عملية التفاوض. والتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار قابل للتطبيق والاستمرارية.
القيادي موسى أبو مرزوق يبحث عن ضمانات روسية لوقف الحرب في غزة .
القيادي في حركة حماس، موسى أبو مرزوق، كان قام بزيارة لموسكو بحثاً عن ضمانات روسية لرعاية أيّ اتفاق على وقف القتال في غزة.
كما جرى الحديث عن أن لقاء باريس الذي جمع كلاً من وليام بيرنز ورئيس الموساد الإسرائيلي ورئيس الاستخبارات المصرية عباس كامل ووزير الخارجية القطري، توصل إلى وضع إطار نظري لوقف الحرب على غزة.
لكن زيارة بلينكن لم تحقق أهدافها بسبب التعنت الإسرائيلي، وإصرار رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، على الاستمرار في الحرب.
ربما يعود ذلك إلى قلة خبرة إدارة الرئيس بايدن في شؤون الشرق الأوسط، وفشل استراتيجيتها في الانسحاب من المنطقة.
تلك الاستراتيجية كانت نتيجتها عودة أميركا إلى المنطقة في أكبر وجود لها منذ الحرب العالمية الثانية.
وبات من الثابت أن منطقة الشرق الأوسط ما زالت حتى اليوم تشكل “قلب العالم”. وأن الذي يريد أن يتسيّد العالم عليه أن يسيطر على هذه المنطقة. أو يكون له نفوذ كبير فيها، في أقل تقدير.
رد فعل إسرائيلي على الموقف الأميركي
الكيان الصهيوني بعد طوفان الأقصى فقدَ عنصري التأسيس، اللذين قامت عليهما “دولته” عند “تأسيسها”، وهما:
– التفوق العسكري: الذي بدأ يتلاشى منذ عام 2000، حين اضطرت “إسرائيل” إلى الانسحاب من جنوبي لبنان تحت وقع ضربات المقاومة. والانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة في عام 2005.
– الدور الوظيفي: كحامٍ للمصالح الغربية في المنطقة.
فبعد عملية “طوفان الأقصى” فقدَ الكيان عنصر الردع وترهيب الجوار. لتظهر “إسرائيل” “دولةً” غير قادرة على تأمين الحماية المطلقة لمستوطنيها على رغم امتلاكها أحدث أنواع الأسلحة وأكثرها تعقيداً.
من هنا، كان حديث نتنياهو عن كون المعركة التي تخوضها “إسرائيل” هي معركة وجود. وأن الانتصار فيها ضرورة لضمان استمرارية الكيان.
انتقادارت لإدارة بايدن لموقفها المطالب بوقف الحرب في غزة
لذا، تعرّضت إدارة بايدن لانتقادات واسعة من جانب المسؤولين الإسرائيليين نتيجة موقفها المطالب بوقف الحرب على غزة. على رغم دعمها المطلق لحكومة الكيان وتعاطفها الكبير معها منذ بدء عملية طوفان الأقصى.
نتنياهو، من جهته، أعلن موقف “إسرائيل” واصرارها على الاستمرار في الحرب حتى تحقيق أهدافها، متمثلةً بالقضاء على حركة حماس.
الصحافة الإسرائيلية ذكّرت بالعلاقة السيئة بين نتنياهو وبايدن منذ تولي بايدن السلطة، منددة بالتدخلات الأميركية المستمرة في الشؤون الداخلية لـ”إسرائيل”.
وكان أول تلك التدخلات الانتقاد الأميركي للتعديلات القضائية التي أجراها نتنياهو، بحيث رأت فيها واشنطن “إضعافاً للديمقراطية في إسرائيل”.
وصرّح عدد من المسؤولين الإسرائيليين بأن “إسرائيل” ليست ولاية أميركية. ويجب على إدارة بايدن أن تعي ذلك وتتوقف عن سياسة الإملاءات على حكومة الكيان.
المهم في الموضوع أن الخلافات بين الجانبين باتت معلنة، وبات واضحاً أن نتنياهو لن يستجيب للضغوط الأميركية. وأنه يسعى لتوريط واشنطن أكثر في الحرب.
حماس في موقع قوي
حركة حماس، من جهتها. ما زالت ترفض أيّ هدنة يكون عنوانها الأساسي الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين فقط. من دون الأخذ في الاعتبار مصالح الشعب الفلسطيني، عبر وقف الحرب وتبادل الأسرى.
ورقة الأسرى ما زالت هي الورقة الأقوى في يد حماس. وهي ما تسبب بمزيد من الضغوط الداخلية على حكومة الاحتلال لوقف الحرب.
لو قامت حركة حماس بتوزيع هؤلاء الأسرى داخل القطاع، بحيث يقتل واحد منهم عند قيام “إسرائيل” بتدمير أي مبنى، ثم تقوم حماس بإعلان أسماء هؤلاء القتلى رسمياً، فإن ذلك سيؤدي إلى مزيد من التصعيد في “إسرائيل” ضد نتنياهو وحكومته.
وهناك أكثر من مئة ألف مستوطن صهيوني باتوا مهجرين من المناطق المحاذية لقطاع غزة، ولا يفكرون في العودة إليها مستقبلاً، بسبب عدم ثقتهم بقدرة حكومتهم على إعادة الأمان إليها.
كما أن الواقع الميداني يعكس فشلاً كبيراً لـ “جيش” الاحتلال، ويظهر ضعفه وعدم قدرته على تحقيق انتصارات حقيقية في غزة. وبالتالي، فإن القرار النهائي هو لكتائب عز الدين القسام وليحيى السنوار ومحمد ضيف، بصفتيهما القائدين الميدانيَّين لتلك الحرب.
كما أن الراي العام العالمي بات ضد نتنياهو، وجرّد “إسرائيل” من “المظلومية التاريخية” التي كانت تقدمها إلى العالم (“الهولوكوست”).
“إسرائيل”، التي نجحت تاريخياً في أداء دور “الضحية”، باتت اليوم تقوم بدور الجلاد، وهو ما جعل كثيرين من يهود العالم يتخلون عن صهيونيتهم ويتظاهرون رفضاً للحرب في غزة.
قرار محكمة العدل الدولية وضع “إسرائيل” في قفص الاتهام
كما أن قرار محكمة العدل الدولية، بعيداً عن النقاش والحديث بشأن أهميته، وعدم القدرة على تطبيقه على أرض الواقع، فإنه وضع “إسرائيل” في قفص الاتهام بكل تأكيد.
فكرة “حل الدولتين” باتت هي الخيار الوحيد المتاح لإيجاد حل للقضية الفلسطينية، على رغم كل الانتقادات التي توجَّه إلى هذه الفكرة، وعلى رغم الرفض الإسرائيلي لها.
الانصياع الأميركي لفكرة “حل الدولتين” يعيد فكرة مفادها أن المضي إلى طاولة المفاوضات هو النتيجة الحتمية لهذا الحل، وهو ما كانت إدارتا ترامب وبايدن تخلَّتا عنه.
فكرة التطبيع العربي مع حكومة الاحتلال باتت على المحك، والاشتراط السعودي لـ”حل الدولتين”، مدخلاً للتطبيع مع “إسرائيل”، يؤكد ذلك، وينذر بالتراجع عن “مسار التطبيع الإبراهيمي” في حال الاستمرار الإسرائيلي في رفض تلك الفكرة.
الحرب في قطاع غزة.. إلى أين؟
يبدو أن حكومة نتنياهو مستمرة في حربها، لاعتبارات شخصية وحزبية، ولعدم تمكنها من تحقيق أهدافها المعلنة حتى اليوم.
لذا، باتت احتمالات التصعيد هي الأكثر احتمالاً. وخصوصاً في ظل ما يقوم به الجيش اليمني ضد السفن الإسرائيلية والأميركية في منطقة البحر الأحمر. وفي ظل التصعيد الكبير ضد القوات الأميركية الموجودة في سوريا والعراق. بحيث باتت عرضة لمئات الاستهدافات منذ بداية الحرب.
وبعد أن قام حزب الله بأكثر من ألف عملية عسكرية ضد قوات الاحتلال الصهيوني، استطاع من خلالها إقامة منطقة عازلة داخل أرض العدو. بعد هرب المستوطنين من المناطق الحدودية التي أصبحت هدفاً لضربات المقاومة.
على الرغم من أن ذلك لا يخدم المصالح الأميركية، بحيث باتت الانتخابات الرئاسية هي الأولوية حالياً.
الرئيس بايدن بات يعمل تحت ضغط الوقت. والتخوف هو من ردود الأفعال على ما تقوم به الولايات المتحدة من عمليات عسكرية في اليمن وسوريا والعراق.
لقد تعرضت “إسرائيل” لهزيمة كبيرة يوم طوفان الأقصى، لكن هزيمتها ستكون أكبر كثيراً بعد توقف العمليات البرية.
فانتصار حماس سيكون بداية النهاية لـ”إسرائيل”، وهزيمة حماس عسكرياً ستكون أيضاً هزيمة سياسية لـ”إسرائيل”، بكل تأكيد.
مع اقتراب شهر رمضان المبارك، واستمرار المجازر الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني، فإن مجموعة من الدول العربية والإسلامية ستكون عرضة لاهتزازات داخلية لا يمكن لأحد أن يتوقع نتائجها.
لقد بدأت عدة دول عربية تستشعر الخطر، وباتت تسعى للتوصل، وفق أي طريقة، رسمياً لوقف للحرب على غزة، لكن ذلك يبدو مطلباً بعيد المنال في الوقت الراهن.
الميادين نت