تحليلات سياسيةسلايد

لماذا لا نستبعد اتّخاذ الحرس الثوري الإيراني قرارًا بالرّد القويّ ثأْرًا لاستِشهاد مُستشاريه

عندما تتكثّف العُدوانات الصاروخيّة الإسرائيليّة على أهدافٍ إيرانيّة في العُمُق السوري وتُصبح شِبه يوميّة، مثلما أثبتت الأيّام الثلاثة الماضية، وتُؤدّي إلى استِشهاد مُستشارين عسكريين، تعترف السّلطات الإيرانيّة رسميًّا بأنّهم ينتمون للحرس الثوري، فهذا يعني أن بنيامين نِتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي “المنبوذ” داخليًّا وخارجيًّا، هو الذي يبحث عن ردٍّ إيرانيّ سُوريّ، أو من محور المُقاومة عُمومًا لكسْر الحِصار المفروض عليه، وتوحيد جميع القِوى الإسرائيليّة خلفه، ووضع خِلافاتها السياسيّة جانبًا، وربّما يحصل على ما يُريد قريبًا جدًّا، وقد يكون الثمن باهظًا ووجوديًّا.

بعد هُجومين صاروخيين استهدفا العاصمة السوريّة دِمشق يوميّ الخميس والجمعة الماضيين، شنّت دولة الاحتِلال الإسرائيلي فجر اليوم الأحد هُجومًا ثالثًا على قاعدة “تي 4” الجويّة السوريّة، ومطار الضّبعة في مُحافظة حمص حيث تتردّد أنباء عن مصانع مُسيّرات وصواريخ تابعة للحرس الثوري الإيراني، وأُخرى لحزب الله اللبناني، ممّا أدّى إلى حُدوث إصابات عسكريّة حسب البيان الرسمي السوري.

***

مسؤوليّة دولة الاحتِلال الإسرائيلي عن هذه الهجمات لا تحتاج إلى إثبات، ولكنّ تلميحات نِتنياهو في تصريحاتٍ إلى الصّحف أدلى بها “مُتَعمّدًا” قبل اجتِماع لمجلس الوزراء برئاسته، تؤكّد هذه الفرضيّة، وكان لافتًا تهديده بأنّه سيتم الرّد على أيّ هُجومٍ انتقاميّ إيرانيّ، سواءً كان في “الدّاخل الإسرائيلي أو خارجه”.

الحرس الثوري الإيراني الذي اعترف للمرّة الأولى باستشهاد اثنين من مُستشاريه في سورية، الأوّل يوم الجمعة الماضي يُدعى ميلادي حيدري، والثاني مقداد جعفر الذي استشهد اليوم الأحد مُتأثّرًا بجِراحه التي أُصيبَ بها يوم أمس الأوّل، وتعهّد الحرس الثوري في بيانٍ له أنه سينتقم لشهيديه وفي أسرعِ وقتٍ مُمكن.

الأمر شِبه المُؤكّد أن الرّد قادم حتمًا، لأنّ السّلطات الإيرانيّة لا تُريد أن تظهر بمظهر الضّعيف، وهي التي أدّت قوّتها إلى تغييرِ المُعادلات السياسيّة في المِنطقة، ووقف مسيرة التّطبيع فيها، وكسْر الحِصار الخليجي الأمريكي المفروض عليها، والتوصّل إلى اتّفاقاتِ تعاونٍ، وإعادة السّفارات معها، ولكنّ السُّؤال الذي يطرح نفسه هذه المرّة، وكُل مرّة، أين سيكون هذا الرّد وكيف؟

من المُستَبعد أن يأتي أيّ رد انتقامي ثأري إيراني من الأراضي السوريّة التي استهدفتها الغارات الصاروخيّة الإسرائيليّة، لأنّ القِيادة السوريّة لا تُريد الانجِرار إلى حربٍ مُوسّعة غير مُستعدّة لها، وتُؤدّي إلى تدمير بُناها التحتيّة بعد عشر سنوات أو أكثر من القِتال على عدّة جبهات للتصدّي لمُؤامرة تفتيتها، وإطاحة السّلطة فيها، علاوةً على ذلك عدم تزويدها من قِبَل الحليف الروسي بالمنظومات الدفاعيّة الجويّة مِثل صواريخ “إس 300” أو “إس 400” ذات الكفاءات والفعاليّة العالية في هذا المِضمار، ولهذا قرّرت مُكرَهةً امتِصاص جميع هذه العُدوانات الإسرائيليّة، وعدم إعطاء نِتنياهو أو غيره الذّريعة لتدمير البِلاد، وشلّ الحياة فيها، ومُضاعفة مُعاناة شعبها، بضرب أهداف مدنيّة سُوريّة مِثل محطّات الماء والكهرباء على سبيل المِثال لا الحصر، مثلما قال لنا مصدر لبناني وثيق الصّلة بالحُكومة السوريّة، فالجيش السوري يُحارب عدّة جبهات دُفعةً واحدةً مُنذ 11 عامًا دُونَ توقّف.

من المُرجّح أن يأتي الرّد الإيراني الانتقامي بالإنابة، أو عبر الأذرع العسكريّة الحليفة، أوّلها في جنوب لبنان حيث تتمركز قوّات “حزب الله” وترسانته المُتضخّمة من الصّواريخ الدّقيقة، ومُسيّراته الانتحاريّة المُتطوّرة، أو من قِبَل قوّات “أنصار الله” اليمنيّة من خِلالِ قصفِ سُفن تجاريّة إسرائيليّة في “بحر العرب” أو البحر الأحمر، أو باستهداف القواعد الأمريكيّة شرق الفُرات بصواريخٍ تابعة لفصائل مُسلّحة مُوالية لإيران في غرب العِراق.

ترجيح الرّد من قِبَل الفصائل المُوالية لإيران في المِنطقة لا ينفي احتِمال الرّد الإيراني المُباشر والقويّ كُلّيًّا، فهذا الاحتِمال ما زال واردًا وقويًّا، وعلينا أن لا ننسى أن الدّفاعات الجويّة الإيرانيّة لم تتردّد في إسقاط طائرة الاستِطلاع الأمريكيّة “غلوبال هوك” دُرّة التّاج في سِلاح التجسّس الأمريكي اخترقت الأجواء الإيرانيّة فوق مضيق هرمز بعد أمتار فقط، وكانت تُحلّق على ارتفاع 20 كيلومترًا، كما أنها، أيّ الدّفاعات الجويّة الإيرانيّة تصدّت بالأمس لطائرة تجسّس أمريكيّة أُخرى اخترقت الأجواء الإيرانيّة فوق الخليج.

أضرار عدم الرّد الإيراني القويّ على “العُدوانات” الإسرائيليّة باتت “ضخمةً جدًّا” ومن الصّعب استِمرار الصّمت عليها، أو التعايش معها، خاصّةً بعد إحكام دولة الاحتِلال الإسرائيلي لحِصارها لإيران، وفتح جبهات جديدة ضدّها، وخاصّةً في أذربيجان شِمال حُدودها التي كثّفت وجودها فيها وتوقيع حُكومتها اتّفاقًا استراتيجيًّا استخباريًّا ودفاعيًّا مع رئيسها إلهام علييف، وكشف السّلطات الإيرانيّة تورّط حُكومة الأخير في عمليّة اغتِيال الخبير النووي الإيراني فخري زادة، وتقديم الدّعم المُباشر والعمليّاتي للاحتِجاجات التي نظّمتها المُعارضة الإيرانيّة بهدف إسقاط النظام.

المعلومات المُتوفّرة لدينا أن قرار الرّد الانتِقامي للشّهداء الإيرانيين في سورية قد جرى اتّخاذه من أعلى المُستويات في القِيادة الإيرانيّة، ونحن ننقل هُنا بعض ممّا جاء على لسان مصادر وثيقة جدًّا، وسيتولّى الحرس الثوري وحُلفاؤه في المِنطقة مهمّة التنفيذ في الأيّام القليلة المُقبلة.

***

خِتامًا نقول إن إيران وسورية يُمكن أن يتعايشا مع أكثر من 300 عُدوان إسرائيلي على مواقع في سورية، ويمتصّا آثاره، ولكن دولة الاحتِلال الإسرائيلي لا تستطيع التّعايش مع رد قوي واحد قد يُؤدّي إلى جرّها إلى حرب، جزئيّة، أو شاملة، ويفتح عليها أبواب جهنّم في ظِل أزماتها الداخليّة المُتفاقمة، وتعاظم المُقاومة الفِلسطينيّة المسلّحة التي هزّت وتهزّ أمنها الدّاخلي، واستِقرارها بالتّالي.

لا يُوجد عربي، أو مُسلم واحد، لا يُريد أو لا يُؤيّد الرّد الانتقامي الإيراني، أو السوري على العُدوانات الإسرائيليّة المُهينة والمُذلّة، ولهذا سيحظى هذا الرّد بكُلّ الدّعم والمُساندة من قِبَل الأغلبيّة المُؤمنة السّاحقة، وعلينا أن نضع في اعتبارنا دائمًا، أن التهجّم، والانتِقاد، والاتّهام بالتّخاذل وعدم الرّد أمْرٌ في مُنتهى السّهولة، وإن كان بعضه يأتي من مُنطلق الحِرص والكرامة، والاندِفاع المشروع، لكن علينا أن نتذكّر دائمًا أن اتّخاذ قرار خوض الحُروب وما يترتّب عليه من دمارٍ ودماءٍ وشُهداء وجرحى ليس بالسّهولة نفسها، خاصّةً إذا جاء هذا القرار انفعاليًّا وغير مدروس بعنايةٍ من الجوانب كافّة، وهذا لا يعني وفي جميع الأحوال الاستِمرار إلى الأبد في تلقّي الضّربات المُهينة ودُونَ رد.

سورية خاضت أربعة حُروب ضدّ دولة الاحتِلال، والشّيء نفسه يُقال أيضًا عن إيران التي لم تتوقّف الحُروب الأمريكيّة ضدّها مُنذ اليوم الأوّل لانطِلاق ثورتها، ولذلك لن تتردّدا في خوضِ حربٍ ضدّ العدوّين الأمريكي والإسرائيلي، فإذا كانت حركة طالبان في أفغانستان، والمُقاومة العِراقيّة اللّتين لم يملكا الصّواريخ والمُسيّرات قد هزَمتا أمريكا وأذلّتاها، فهل ستتردّد سورية وإيران في خوضِ حربٍ ضدّها و”إسرائيل” معها، خاصّةً أن إيران قائدة محور المُقاومة تملك أكثر من 500 ألف صاروخ، و40 ألف مُسيّرة، والعديد من الغوّاصات وآلاف الزّوارق الانتحاريّة وربّما رُؤوسًا نوويّة.

وزير الحرب الإسرائيلي المُقال يوآف غالانت يهدد بان الغارات الإسرائيلية على سورية ستستمر حتى اخراج ايران وحزب الله من أراضيها، ونحن نقول ان ما سيحدث العكس تماما أي اخراج الإسرائيليين من كل الأراضي الفلسطينية المحتلة.. فقد اقتربت الساعة.. والأيام بيننا.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى