مئوية الحرب العالمية الأولى ماذا ينتظر العالم.. بلا سلام؟ (سركيس ابو زيد)

 

سركيس ابو زيد 

عام مرت على الحرب العالمية الاولى التي غيرت جذرياً النظام الدولي الذي كان سائدا آنذاك.
حصدت الحرب 40 مليون قتيل، ودمرت اربع إمبراطوريات: الألمانية، المجرية، الروسية والعثمانية. قبل اندلاع الحرب العظمى، كان مركز توازن القوى العالمي في أوروبا؛ وبعدها ظهرت الولايات المتحدة واليابان كقوتين عظميين. كما بشرت الحرب أيضاً بالثورة البلشفية في العام 1917، ومهدت الطريق للفاشية وأسست للحرب العالمية الثانية، وانعكست مصيرياً على المشرق العربي فقسمته سياسياً ومجتمعياً بموجب اتفاقية «سايكس بيكو» و«وعد بلفور» وانظمة الاستبداد والتبعية.
وزير الخارجية البريطاني سير إدوارد غراي «توصل إلى اعتقاد مفاده أنه لم يكن بوسع أي إنسان أن يمنع اندلاع تلك الحرب».
سؤال ما زال مطروحاً الآن مع تزايد المخاوف من تكرار الحرب الساخنة بعد ان عرف العالم حرباً باردة بين الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد السوفياتي تتجدد ملامحها اليوم. وينقسم العالم بين نظرة متشائمة تتوقع الحرب ونظرة متفائلة تبشر بعالم افضل اكثر اماناً.
هل نحن على ابواب حرب عالمية ثالثة؟ أهل التكفير يشنون شكلاً من حرب ارهاب عالمية ضد كل من يخالفهم الرأي. حركات المقاومة تتحول الى نوع من الحرب العالمية ضد المظالم والاحتلالات. فضلاً عن عولمة الارهاب والمقاومة، يرسم آخرون سيناريوهات حرب عالمية كلاسيكية متوقعة بين الولايات المتحدة والصين وروسيا، ويتساءلون: هل يمكن تفاديها؟
مارجريت ماكميلان، مؤلفة كتاب «الحرب التي أنهت السلام» تقارن العلاقات بين الصين والولايات المتحدة اليوم بالعلاقات بين ألمانيا وبريطانيا قبل قرن من الزمان. مقارنة مماثلة أجرتها مجلة «الإيكونوميست». اما جون ميرشايمر، من علماء السياسة في جامعة شيكاغو، فيتوقع أن «الصين من غير الممكن أن تصعد بشكل سلمي».
لكن الحرب مستبعَدة لان الفجوة الإجمالية في القوة اليوم بين الولايات المتحدة والصين أعظم من الفجوة التي كانت بين ألمانيا وبريطانيا في العام 1914.
منذ صعوده إلى أعلى مناصب الحزب الشيوعي الصيني في تشرين الثاني 2012، اعتمد شي جين بينغ استراتيجية سياسية استلزمت تشديد سيطرة الحزب الشيوعي الصيني على الإيديولوجيا، وشن حملة صارمة ضد الفساد الرسمي، وقمع المعارضة، ومناصرة سياسة خارجية أكثر قومية، وخطة جريئة إلى حد غير عادي للإصلاح الاقتصادي. لمواجهة هذه التحديات يتخوف المتشائمون من أن ينزلق «شي» الى نزاع مع اليابان قد يتطور الى حرب عالمية.
إن إعلان الصين مؤخراً عن إقامة منطقة تحديد دفاع جوي تغطي جزر سينكاكو المتنازع عليها، يشير إلى أن العلاقات الثنائية ــ التي بلغت أدنى مستوياتها في أربعين عاماً ــ سوف تستمر في التدهور. والمتشائمون يتوقعون ان تضطر الولايات المتحدة الى دعم اليابان وإلحاق هزيمة عسكرية مذلة بالصين. بينما المتفائلون واثقون من أن شي لن ينجرّ الى خوض مغامرة عسكرية مأساوية.
«التشاؤل» يتنازع جبهة الصين واميركا، ماذا عن جبهة روسيا واميركا؟
يتخوف المتشائمون من أن قرار بوتين بالعودة الى الصحوة الروسية وإحياء امبرطورية من جديد قد يهدّد بإشعال حرب عالمية. ويذكر بأنه منذ قرن من الزمان كانت بداية حريق مدمر في اوروبا انطلاقاً من البلقان، فهل تتجدد الحرب العالمية الاولى انطلاقاً من روسيا بوتين؟
يرد المتفائلون بأن عالم اليوم يختلف عن العالم 1914.
إيديولوجية الحرب باتت أضعف في الوقت الحاضر. في العام 1914، ساد تصور أن الحرب حتمية، وهي نظرة قَدَرية عززتها الحجة الداروينية الاجتماعية بأن الحرب مرحب بها، لأنها تعمل على «تنقية الأجواء»، مثل عاصفة الصيف، كما كتب ونستون تشرشل في كتابه «أزمة العالم». لذلك اندفعت الأمم بشراسة نحو النزاع والدمار، كأن العالم كان راغباً في المأساة.
لا شك في أن القومية تنمو اليوم خاصة في الصين وروسيا وقد تتواجه مع مصالح قوميات اخرى. شنت الولايات المتحدة حربين بعد هجمات الحادي عشر من أيلول 2001. لكن الدول الكبرى ليست مولعة بالقتال أو راضية عن الحروب المحدودة. لكن أي خطر مصيري بالمواجهة يمكن الحد منه باللجوء إلى الخيارات السياسية السلمية. وامكانيات التعاون ما زالت أقوى من احتمالات الحرب في ما يتعلق بالعديد من القضايا. وانتهاج أي سياسة مغامرة من شأنه أن يعرّض مكاسب البلدان في الداخل والخارج للخطر. لذلك لديهم الخيارات والوقت لإدارة العلاقات بينهم بنجاح.
من بين الدروس التي ينبغي لنا أن نتعلمها من أحداث 1914 أن الحرب لا تكون حتمية أبداً، ولو أن الاعتقاد بكونها حتمية قد يصبح أحد أسبابها.
يصادف هذا العام حلول الذكرى المئوية لاندلاع الحرب العالمية الأولى ــ ويُقال إن العام الذي شهد اندلاع تلك الحرب هو الأسوأ في تاريخ البشرية. ولكن هل أصبح العالم مكاناً أكثر أماناً بعد مرور مئة عام؟
إن الحرب العالمية الأولى لم تخلف نحو أربعين مليون قتيل فحسب؛ بل كانت ايضاً مقدمة للحرب العالمية الثانية، وكانت سبباً في إطلاق سلسلة متوالية من إراقة الدماء التي بلغت حصيلتها نحو مئة مليون قتيل بحلول العام 1945 وتسببت في معاناة إنسانية على نطاق واسع.
بحثت أجيال من المؤرخين والخبراء وصناع السياسات بكل دقة في أصول الحربين العالميتين والتأمل في ايجاد صيغة بين القوة والعدالة في ادارة شؤون الحكم العالمي.
كانت الجهود المضنية التي بُذِلَت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية لبناء مؤسسات حكم إقليمية وعالمية فعّالة، سبباً في الحد بشكل كبير من خطر وقوع كوارث مثل الحروب العالمية. بعد «عصبة الأمم» و«الامم المتحدة» لا بد الآن من اصلاح المؤسسات الاممية وايجاد صيغة افضل لادارة الامم تكون اكثر فعالية ومشاركة وتعاوناً من اجل حل النزاعات وايجاد عالم اكثر رفاهية.
عندما تقرأ صحيفة أو تشاهد الأخبار فسوف يبدو لك دوماً أن العالم ينتقل من سيئ إلى أسوأ. وتُسَلَّط الأضواء على المشكلة تلو الأخرى. وكلما كان الموت والدمار واليأس أعظم كان ذلك أفضل.يقول صحافي دنماركي: «القصة الجيدة هي عادة خبر سيئ».
بالمقابل، يجب الاعتراف بأن مؤشرات عدة تدلل على ان العالم يتحسن:
– تُظهِر بيانات صادرة عن البنك الدولي أن نسبة شديدي الفقر انخفضت إلى أقل من النصف خلال الأعوام الثلاثين الماضية.
– الأمية اليوم لا تزال تبتلي 20 في المئة من سكان العالم، ولكن هذه النسبة تشكل انخفاضاً حاداً على نحو 70 في المئة عن العام 1900.
– في القرن العشرين حصدت الصراعات أرواح 140 مليون إنسان، منهم 78 إلى 90 مليوناً في الحربين العالميتين.
– تكاليف الحرب العالمية الأولى 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، في حين بلغت تكاليف الحرب العالمية الثانية الضعف تقريباً، وهي اليوم نحو 1,7 في المئة. ومن المتوقع ان تصل بحلول العام 2050 إلى 1,6 في المئة.
يؤكد المتشائمون أن العالم لا يزال زاخراً بالمشاكل، كما تشير وسائل الإعلام كل يوم. لكن المتفائلين يركزون على اجتثاث الفقر، والقضاء على الأمية، وتعزيز السلام، ويذكرون أن العالم أصبح في المجمل مكاناً أفضل مما نتصور.
بعيداً عن التشاؤم، العالم اصبح بحاجة الى رؤية اكثر انسانية واخلاقية لبناء انسان جديد يعترف بالآخر ويضحي من اجل الغير ويهزم الانانية وقادر على اطلاق ثورة ثقافية لعالم جديد.
هل نشهد موت الانسان الفرداني الإلغائي للآخر العدواني الذي يزرع الحروب والدمار والخراب، كما بشرنا فوكوياما في ما سماه «نهاية التاريخ»، ام دخلنا مرحلة تاريخية لإنقاذ الحضارة والانسانية بولادة انسان جديد يعمل على إيجاد سبل جديدة للتعاون؟
100 عام مرت على الحرب العالمية الاولى وما زال الانسان يعيش صراعاً بين الحرب والأمان بين نزعته الداروينية العدوانية وبين توقه الى تجسيد الاخلاق والقيم السامية في عالم جديد.
هل مات الانسان ام ولد من جديد؟ سؤال يستحق التأمل والبحث في مئوية حرب، حتى لا تتكرر!

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى