نوافذ

مائة مليون

مائة مليون

كنا في الصف الخامس ابتدائي، في مدرسة خمسة صفوف في بلدة صغيرة اسمها الحفه.

أخرجونا إلى الباحة في نهار مشمس من خريف مبكرعام 1956.

رتبونا صفوفاً، وعلمونا أن نردد وراء الأستاذ: “بلادي بلادي بلادي لك حبي وفؤادي.” كان ذلك ردنا على العدوان الثلاثي على مصر.

ولكن الذي كان يشغل عقول وعيون التلاميذ الصغار… هو المشهد المجاوروراء أسلاك باحة المدرسة… كان هناك عشرات من كل أنواع الحيوانات تتزاوج، في ما يشبه مباراة مهنية للتلقيح الاحترافي في بازاراسبوعي لبيع وشراء الحيوانات.

كان النشيد تلك الأيام يمزج، بصورة سهلة، بين الاغنية وبين الوقائع. ولكن المشهد، الآن في الذاكرة، راسخ بصرياً على نحو غير قابل للمحو… إنها ، إلى حد ما ، تشبه الاختبار الجسدي الأول.

بعد الدخول إلى الصفوف… شرح لنا الأستاذ قليلاً مما يحدث في مصر، حيث احتل الإنكليز والفرنسيون قناة السويس (التي لا نعرف ماذاتعني ) وإسرائيل وصلت إلى القناة أيضاَ. والفدائيون المصريون يتصدون للإنزالات المظلية. وأذكر من تلك المعلومات أن عدد سكان مصر هو 15 مليون نسمة. في حين كنا في سورية لا نتجاوز الثلاثة مليون.

في تلك الأيام أيضاً رسخت في وجداننا، الذي بدأ يتشكل بلغة وطنية يصوغها الأساتذة، رسخت صورة البطل البحري الضابط ااسوري جول جمّال الذي دخل بنفسه وطوربيده بإحدى السفن الحربية ودمرها.

في 31 كانون الثاني 2020 حدث هام أعلنته  السلطات المصرية :

ولد صبي، في مكان ما في مصر، صبي سيحمل معه إلى الأبد، هذا الاسم : الولد الذي أوصل مصرالى “المائة مليون”.

أصبحت مصر مائة مليون. وهو الرقم الذي طالما تفاخر به العرب في الخمسينات بأنهم أمة المائة مليون عربي. وفي حرب حزيران 1967 كانوا يتفاخرون بأننا لو رمى كل عربي حجراً على إسرائيل لدمرناها.

في تلك الأيام ولدت أحلام. ووئدت أحلام. ولكن لا يمكن نسيان هذه المفارقة البسيطة: تحتاج مصر إلى بواخر شحن قمح المعونات الأمريكية وهي تقاتل ب 15 مليون، وتحتاج القمح وهي تنهزم مع الزملاء العرب بعدد مئة مليون، وتحتاج القمح وهي تخوض حرب نصف نصر ونصف هزيمة في تشرين، ثم قيل لنا أن أعباء التسلح والحروب إذا انتهت لا تحتاج دجاجات العرب إلى قمح الغرب.

اليوم …تمت ، وتتم كل أنواع المصالحات مع إسرائيل…أقصد الصفقات .

وانتهت الحاجة للأسلحة…

وماتت الجبهات…

وأصبح العرب فوق الثلاثمائة مليون…

ومصر وحدها أكملت المائة مليون …

والقمح الأمريكي…مايزال يجلس في سفينة الشحن قبالة الشاطئ العربي… منتظراً التوزيع على المطيعين الذين تمتحن أمريكا ولاءهم يومياً.

ذاكرتنا نحن تلامذة تلك الأيام تتجه إلى تلك الحيوانات البريئة وهي تنجزأ سهل أنواع المهمات … التكاثر.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى