ماذا تعرف عن مرض الكرسي؟ (علاء الأسواني)

 

علاء الأسواني


تستعمل كلمة الكرسي في اللغة العربية بمعنى المقعد أو السرير أو العرش، ومرض الكرسي "CHAIROPHILIA" مرض معروف يصيب الانسان، فيجعل همه في الحياة الحصول على منصب، واذا حصل عليه يتركز تفكيره في الاحتفاظ بمنصبه بكل الطرق مهما كانت التنازلات التي يقدمها.

انتشاره

ينتشر مرض الكرسي في البلاد العربية والأفريقية وكثير من بلاد اميركا اللاتينية. لوحظ أن المرض ينتشر في الأنظمة الديكتاتورية ويقل في البلاد الديموقراطية حيث يصل الى أقل معدلاته في السويد والدانمارك، بينما يعتبر معدل انتشار مرض الكرسي في مصر هو الأكبر في العالم، حيث أثبتت الإحصائيات أن واحداً من كل ثلاثة مصريين مصاب بمرض الكرسي، وقد أجريت دراسة أثبتت أن نحو 60 في المئة من ضيوف البرامج التلفزيونية في مصر مصابون بمرض الكرسي، بينما تنتشر الاصابة بالمرض بين الوزراء المصريين لتصل الى 95 في المئة. ويذكر انه منذ العام 1952 حتى الآن من بين آلاف الوزراء الذين تولوا السلطة في مصر، فإن عدد الوزراء الذين استقالوا لا يزيد عن عدد أصابع اليدين مما يؤكد انتشار مرض الكرسي بشكل وبائي بين المسؤولين المصريين على مر الأجيال، وقد لاحظت بعض الدراسات ان الاستقالة في مصر تحمل مفهوماً غريباً اذ أنها لا تعكس دائماً رغبة الوزير الصادقة في ترك المنصب، في الدول الديموقراطية يقدم الوزير استقالته وينصرف الى بيته بهدوء، أما الوزير المصري فهو لا يجرؤ على تقديم الاستقالة وإنما يضعها على مكتب الرئيس، فإذا رفضها ينتاب الوزير فرح غامر لأنه يتأكد أنه لا زال مرغوباً من سيادة الرئيس، وعندئذ يسحب استقالته ويستأنف عمله وكأن شيئاً لم يكن.

أسباب المرض

لم يثبت تأثير الجينات على المرض، ولكن لوحظ الارتباط بين الاستبداد وانتشار مرض الكرسي، فالمريض غالباً شخص يتمتع بالذكاء ومستوى جيد من التعليم يجعل من حقه فعلا أن يتبوأ منصباً رفيعاً في أي دولة ديموقراطية، لكنه يعلم يقيناً أن الترقي في ظل الاستبداد لا علاقة له بالكفاءة وانما بالولاء، وهو متأكد أنه مهما بلغت مواهبه لن يصعد سياسياً إن لم يستطع إرضاء الرئيس وإثبات ولائه المطلق له. وقد أكد علماء عديدون أن انتشار الفساد والظلم واليأس من تحقق العدالة والاحساس بالتميز والطموح تكون بمثابة عوامل تساعد دائماً على الاصابة بمرض الكرسي.

العلامات والأعراض

ينقسم مرض الكرسي الى نمطين: النمط الأول يصيب الانسان قبل توليه السلطة، والنمط الثاني يصيبه بعد توليها. تؤكد الأبحاث أن من يصاب بالنمط الأول لا بد أن يصاب بالنمط الثاني. فالذي ينافق الرئيس حتى يحصل على منصب سيستمر في النفاق من أجل الاحتفاظ بمنصبه. العكس غير صحيح فكثيرون من الناس يعيشون بشكل طبيعي ومحترم، لكنهم ما إن يتولوا الوزارة حتى تظهر عليهم أعراض مرض الكرسي، فيتحولون الى ماكينات تبرير لكل ما يفعله أو يقوله أو حتى يفكر فيه الرئيس. أعراض النمط الأول من مرض الكرسي تظهر على الانسان عندما يسعى بالطرق كافة الى الوصول الى صانع القرار وتملقه ولفت انتباهه الى مواهبه، والمريض ـ في هذه الحالة ـ يظهر قدرة غير عادية على معرفة توجهات الرئيس ويستطيع دائماً أن يواكبها. من اشهر حالات النمط الأول لمرض الكرسي ما حدث بعد ثورة تونس العام 2011، فقد أصيب نظام مبارك آنذاك بالفزع من انتقال الثورة الى مصر، عندئذ ظهر في وسائل الاعلام المصرية عدد من الخبراء الإستراتيجيين (كلهم مصابون بمرض الكرسي) وراحوا يؤكدون أن مصر مختلفة تماماً عن تونس، وأن الثورة التونسية لن تنتقل لمصر أبداً، واستعانوا بدراسات ورسوم بيانية ملفقة ليؤكدوا ان طبيعة المجتمع المصري المختلفة عن المجتمع التونسي تجعل من المستحيل علمياً حدوث أي ثورة في مصر فلما قامت الثورة في مصر تحول هؤلاء الخبراء الإستراتيجيون فجأة الى النقيض من موقفهم الأول وراحوا يشيدون بالثورة المصرية ويؤكدون أنهم تنبأوا بحدوثها، لأنها كانت ضرورة لا مفر منها.
يتم الآن إجراء دراسة ميدانية (لم تنشر بعد) عن تفشي مرض الكرسي فيمن يطالبون الفريق السيسي بالترشح لرئاسة الجمهورية، والقائمون بهذه الدراسة يعلمون أن السيسي يتمتع بشعبية حقيقية، لكنهم يرصدون المبالغات التي يطلقها المنافقون (وكلهم مصابون بمرض الكرسي من النمط الأول) فقد قال أحدهم إن الفريق السيسي منحة من السماء لا تجود بها على مصر إلا مرة كل مئة عام، بينما أكدت مذيعة في التلفزيون أن ما أنجزه الفريق السيسي أهم بكثير مما أنجزه الزعيم عبد الناصر، وقد أعلن صحافي معروف أن الفريق السيسي لا يريد ولا يحتاج لرئاسة الدولة، لكن الشعب يرجو سيادته أن يتنازل ويقبل أن يكون رئيساً لمصر. النمط الثاني من مرض الكرسي يمكن ملاحظته في سلوك وزراء كثيرين يسيطر على الواحد منهم خوف مرضي من فقدانه لمنصبه، فيبرر كل قرارات يتخذها الرئيس، حتى ولو كانت ضد قناعاته وتاريخه، فالوزير الذي كان اشتراكياً أصبح يدافع بحرارة عن اقتصاد السوق، والوزير الذي قضى حياته مدافعاً عن حقوق الانسان صار يبرر الاعتقالات باعتبارها ضرورات حتى يتجاوز البلد عنق الزجاجة.

العلاج

مرض الكرسي غالباً غير قابل للشفاء، وقد حاول علماء عديدون تطبيق طرق مختلف للعلاج سواء بالأدوية او بالعلاج النفسي لكنها لم تحقق حتى الآن نجاحاً يُعتدّ به. وتؤكد الدراسات ان حالات قليلة من النمط الثاني من المرض قد تستجيب للعلاج بطريقة "إحداث الصدمة" التي تتلخص في أن يذهب أحد معارف الوزير اليه ويواجهه بما ينحدر اليه من نفاق وتبرير لجرائم السلطة ثم يذكره بتاريخه المشرف ومبادئه التي خانها. أفادت هذه الطريقة في علاج حالات قليلة، لكنها أدت في معظم الأحوال الى سقوط الوزير المريض في حالة من إنكار الواقع، ثم قيامه بالدفاع عن تصرفاته المتناقضة مع مبادئه بطريقة عدوانية حيث يؤكد أنه لا زال مخلصاً لمبادئه، بينما يتهم منتقديه بأنهم مراهقون ثوريون أو مرتزقة أو أغبياء وجهلة لم يقرأوا صفحة من التاريخ، الى آخر هذه الشتائم التي يحجب بها صورته القبيحة عن نفسه.. هنا نتذكر ما كتبه الزعيم الاشتراكي لينين:
"المثقفون أكثر من يخون الثورة لأنهم الأقدر دائماً على تبرير الخيانة".

اختبارت كشف المرض (مقياس بايرنباخ)
أجريت أبحاث عديدة من أجل التوصل الى وسيلة علمية لتشخيص مرض الكرسي مبكراً، حتى توصل العلامة الألماني أستاذ الاجتماع بايرنباخ الى مقياس يكشف درجة الإصابة بمرض الكرسي. وقد أوصى بايرنباخ بتطبيق المقياس على الوزراء وكبار المسؤولين مرة في العام على الأقل. مقياس بايرنباخ يتكون من جزءين: الجزء الأول يسجل فيه الطبيب التاريخ الشخصي والسياسي للوزير، وفي الجزء الثاني يطلب اليه الإجابة عن الأسئلة التالية:
1- هل تشعر بالسعادة لمجرد أن رئيس الدولة نظر اليك وابتسم؟
2- اذا داعبك رئيس الدولة ووجّه اليك شتائم بذيئة أمام زملائك الوزراء، هل تحس بفرح وزهو لأن سيادة الرئيس شرفك برفع الكلفة بينكما؟
3- هل تعتبر من واجبك أن تعلن إعجابك وتأييدك لأي قرار يصدره الرئيس حتى لو كان ضد قناعاتك الشخصية؟
4- أثناء اجتماع مجلس الوزراء اذا طلب منك الرئيس إحضار منفضة السجائر التي أمامك بدلا من أن يطلب ذلك من العامل المختص هل تبادر بإحضار المنفضة للرئيس وهل يسعدك ذلك؟
5- اذا قابلك الرئيس بوجه عابس هل تحس بخوف ويقلقك أن يكون أحد زملائك قد قام بدسيسة ضدك، وهل تجتهد في إرضاء الرئيس ومديحه حتى يسترد ابتسامته الغائبة؟
6- اذا كان الرئيس يتحدث في مجال تخصصك وقال شيئاً تعتبره خطأ من الناحية العلمية هل تلوذ بالصمت لأنه من غير اللائق أن تعلن أن الرئيس أخطأ؟
7- هل تعتبر إقالتك من الوزارة أسوأ ما يمكن أن يحدث لك؟
8- هل يسعدك أن يناديك الناس بلقب معالي الوزير أكثر من لقبك العلمي؟
9- هل تعتبر كل من يعارضون سياسات الرئيس مرتزقة ممولين من الخارج أو خلايا إرهابية نائمة أو طابوراً خامساً أو جهلة ومراهقين وأغبياء؟
10- اذا أدت قرارات الرئيس الى اعتقال أو قتل مواطنين أبرياء أو أي انتهاك لحقوق الانسان هل تعتبر ما حدث تجاوزات فردية لا يجوز الاعتراض عليه في الظروف الدقيقة التي تمر بها البلاد، وهل تستطيع الكذب حتى تغطي على جرائم الرئيس؟
اذا أجاب الوزير بنعم أقل من ثلاث مرات فهو سليم لم يصبه المرض واذا أجاب الوزير بنعم بين ثلاث وخمس مرات فهو على وشك الإصابة بالمرض، أما اذا أجاب بنعم ما بين ست وعشر مرات فهو وزير مصاب بمرض الكرسي، الأمر الذي يحيله من مسؤول محترم الى مجرد تابع ذليل لرئيس الدولة ويفقده الاحساس بالشرف والكرامة… الديموقراطية هي الحل.


صحيفة المصري اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى