ماذا تفعل لو أصبحت سلطانا !

لايمكن لأحدنا تقدير مشاعر ((السلطان)) بشكل حقيقي، لأن أحدا منا لم يصبح سلطانا ليدون هذه المشاعر، فقد يكون الأكثر سعادة في العالم وربما الأكثر تعاسة، وعلى الأرجح الأكثر قلقا وخوفا، وقد شغلني هذا الموضوع طويلا، فقرأت في النوادر والطرائف والكتب والحكايات لعل فيها ما يفيد: سمعت قصصا يشيب من هولها الأطفال عن ممارسات السلاطين وأفعالهم في القتل والسجن والظلم والاغتصاب .. والعدالة!

توقفت طويلا عند أشكال القصاص من الخصوم، من ذبح وسحل وحرق وسجن وصلب وجلد .. وعفو ورحمة !

تذكرت ماقرأته عن أعمال شبيهة في الغرب والشرق والشمال والجنوب، حاولت أن أعود إلى فجر التاريخ والعصر الوسيط وعصر النهضة وعصر الجواري والغلمان عند العرب . بل أنني استعدت صفحة من صفحات أحد روايات الكاتب الكولومبي فيدريكو غارسيا ماركيز ماركيز وهو يحكي عن وليمة العشاء التي دعى إليها الديكتاتور قادة الجيش، فوجدوا الجنرال الذي كان يخطط للانقلاب عليه مطبوخا مع الرز وموضوعا على مائدة الطعام التي سيأكل المدعوون منها!

كل ذلك أعادني إلى سؤال بدائي : من الذي يعطي السلطان القوة ؟!

وفوجئت بالترابط بين القوة نفسها والسلطان حتى في المعنى. وبين الصراع والمهادنة ، وبين الحاجة إلى الأقوى، والخوف من الفوضى ، وتنظيم الصراع الاجتماعي.. ومع ذلك وجدت جوابا سهلا وبسيطا: الذي يعطي القوة للسلطان هم الرعية والحاشية.

لاحظوا مايفعله الرعية وما تفعله الحاشية:

الرعية : يقدمون له الطاعة والولاء.. يقاتلون من أجله فيقتلون ويقتلون.. يخافونه حتى في الحلم ، رغم أنهم هم الذين أعطوه القوة، ثم راحوا يستجدون عدله..
الحاشية : يمارسون التقديس اليومي بين يديه . يقدمون له النساء والمال، ويكذبون عليه ليل نهار بأنه أفضل ماخلق الله على الأرض، وأذكى بني البشر. بل إن أفكاره هي قمة الحنكة والعقل والرشاد .. ومنهم من يضعه مكان الله.. فيستنسر السلطان، ويصبح قويا وظالما إلى الدرجة التي يقتل فيها أعوانه ورعيته ولايجرؤون على الاحتجاج!

وسألت نفسي :

ماذا تفعل لو أصبحت سلطانا ؟!

يا لهذا السؤال كم أربكني … جعلني أستعيد كل ما جمعته من ملاحظات وأضعها أمامي، فهل سأفعل بخصومي ما فعله السلاطين بخصومهم؟ وهل سأبني القصور وأقيم الولائم وأدعو إليها القيان والغلمان ؟ وأي شكل سأتبنى وأنا أصدر الأوامر بالقتل : هل هو الذبح أم الصلب أم سلخ الجلد؟ ومتى سأعفو ؟ ولمن سأقدم العطايا؟ ومن سأقرب من حاشيتي ؟

وخطر لي سؤال لايخطر على بال إلا الصحفيين الكسولين: وماذا ستفعل بالقضايا العالقة ؟!

أعجبتني كلمة ((العالقة)) .. لكن الهلع مالبث أن عاد إلي :

هل ستفعل أفعال السلاطين ؟!

خفت أن يكون ذلك قدري، وأوقفت لعبة الأسئلة ، ورحت أفكر بالقضايا العالقة !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى