ماذا يبقى من سورية؟ (غسان شربل)

غسان شربل

 

ماذا يبقى من سورية حين يتكرس شغور مقعدها في الجامعة العربية ويعتاد العرب على غيابها؟ وحين تعلق عضويتها في منظمة المؤتمر الاسلامي ولا تنجح مشاركة الرئيس محمود احمدي نجاد في تجنيبها هذا القرار؟ وحين تحاصرها الجمعية العامة للامم المتحدة بـ 133 صوتاً وتطالبها ببدء انتقال سياسي للخروج من محنتها؟
ماذا يبقى من سورية حين يغادرها خالد مشعل يائساً من قدرته على اقناع سلطاتها بأن الحل سياسي وليس امنياً وان ما يجري ثورة وليس ارتكابات عصابات مسلحة؟ وحين يخسر محور الممانعة الضلع السني الوحيد الذي كان يوصله الى قلب غزة وقلب النزاع الفلسطيني – الاسرائيلي؟.
ماذا يبقى من سورية حين يجرؤ جهاز امني لبناني على اعتقال الوزير السابق ميشال سماحة بعد ضبطه متلبساً بنقل عبوات ناسفة؟ وحين تتداول وسائل الاعلام اللبنانية معلومات عن ان سماحة تسلم البضاعة من ارفع مسؤول امني سوري؟ وحين يعلن الرئيس ميشال سليمان انه ينتظر اتصالاً من نظيره السوري؟ وحين يضطر العماد ميشال عون الى الصمت المعجون بالندم لأن سماحة كان منسق علاقته مع دمشق وجذور مار مارون وتحالف الاقليات؟
ماذا يبقى من سورية حين تنهال دبابات الجيش على احياء في دمشق التي كانت اكثر عواصم المنطقة امناً واستقراراً؟ وحين تلتهم المدافع ما تبقى من جدران متفحمة في حمص؟ وحين تنقض الطائرات لتدمي حلب او لتشطب قرية من هنا واخرى من هناك؟
ماذا يبقى من سورية حين يتكدس ابناؤها لاجئين في مخيمات في الاردن؟ وينتظرون الحصص الغذائية في خيام في تركيا؟ او يقيمون في شمال لبنان وبقاعه وعاصمته موزعين بين الحزن والخوف لأسباب كثيرة؟
ماذا يبقى من سورية حين يقال ان الازمة الانسانية فيها هي من بين الاسوأ في العالم؟ وان مليونين ونصف مليون شخص بحاجة الى مساعدة انسانية عاجلة؟ وان مليوناً و200 الف اجبروا على ترك منازلهم؟ وان اعمال القتل المروعة صارت مشهداً يومياً وعادياً؟ وان العثور على جثث بلا رؤوس لم يعد حدثاً او خبراً؟
ماذا يبقى من سورية حين يسارع البعثيون الى الفرار من الارياف هرباً من هجمات العمال والفلاحين الذين كانوا يدعون تمثيلهم والتحدث باسمهم؟ وحين ينشق آلاف الضباط والجنود ويغسلون ايديهم من جيشهم على شاشات الفضائيات؟ وحين يرتكب «الشبيحة» ما تخجل العيون من مشاهدته؟
ماذا يبقى من سورية حين تصطاد متفجرة كبار حراس الهيكل في معقلهم؟ وحين يوافق بعثي منضبط على تولي حقيبة رئاسة الوزراء ليبدأ على الفور ترتيب رحلة انشقاقه؟ وحين ينشغل العالم باستطلاع حقيقة من قتل ومن انشق ومن يستعد للقفز من السفينة؟
وماذا يبقى من سورية حين يصبح مستقبلها مرهوناً بقرار فلاديمير بوتين والمرشد الايراني والسيد حسن نصرالله وتفهم رئيس الوزراء العراقي بعد ان كانت لهؤلاء حليفاً ثميناً وورقة رابحة او عمقاً استراتيجيا؟ وحين تفتح خريطة سورية هنا وهناك ويجري الحديث عن خرائط صغيرة وجزر مذهبية واستحالة العودة الى ما كان؟ وحين يستبيح حدودها مقاتلون جوالون يشكل وجودهم على ارضها مشكلة جدية للمعارضة ومأساة مقبلة للبلد؟
لم يعد سراً أن سورية التي نعرفها انتهت. سورية الأمن المفرط والاستقرار الصارم. سورية اللاعب الذي يحرك اوراقه خارج حدوده. سورية التي تمتلك حق النقض في الموضوعين الفلسطيني واللبناني. سورية المؤثرة في استقرار العراق والاردن وتركيا. ذهبت تلك الصورة. أغلب الظن أن سورية ستغرق في حرب أهلية بلا رحمة. وأن نسيجها الوطني سيزداد تمزقاً. وأنها حين تخرج من موسم القتل الطويل ستخرج مدماة وضعيفة ضائعة بين الصراع القاتل بين السوريين والتنافس الاقليمي والدولي الشديد على رسم مستقبل الملعب السوري. سيرزح اللاعب السوري طويلاً تحت جروحه.
كأننا في وداع سورية التي نعرف. ومن عادة سورية ان تترك بصماتها على ملامح الاقليم سواء كانت قوية أم مريضة.

صحيفة الحياة  اللندنية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى