ماهي لعبة الأمم الأميركية؟

لعبة الأمم الأميركية

ليس هناك هذه الأيام ما هو أبعد عن الجدية، وأكثر مدعاة لإثارة السخرية من جهة والريبة والشك من جهة ثانية، من تصدي الولايات المتحدة الأميركية لقيادة تحالف دولي وإقليمي لمحاربة تنظيم “داعش“. وهو أمر يدعو للريبة والشك من بداياته حتى نهاياته، مروراً بمساراته المتعددة.

فمنذ البداية، أو حتى ما قبل البداية، أي قبل أن تحمل مثل هذه الحركات مسمياتها الراهنة، وتتخذ أشكالها الجديدة، قامت عملية تحريك كوامن التخلف في عواطف الجهاد الديني، لاستخدامها في سياسيات شديدة الحداثة والمعاصرة، على أكتاف الاستخبارات الأميركية عند مواجهتها للنفوذ السوفياتي في أفغانستان. وبرغم الاستعانة في تلك العملية بعدد من أجهزة الاستخبارات العربية والاقليمية، إلا ان زمام القيادة ظل معقود اللواء على الاستخبارات الاميركية.

صحيح ان الجذور التاريخية لمثل هذه الحركات هي في الأساس جذور محلية، تمتد إلى أعماق العصور القديمة، وتتصل بمحاولات استنساخها حرفيا، في عملية تراجع حضاري لا مثيل له، إلا ان لعبة تحريك مثل هذه الرواسب المحلية وتوظيفها سياسيا واستخباريا، كانت وما زالت في أيدي القوى الكبرى، وفي المقدمة منها الولايات المتحدة، ومراكز أبحاثها، التي تعج بخبراء شعوب من شتى أنحاء العالم.

فإذا تجاوزنا هذه البدايات الاولى، والمسارات التي تضج بالأدلة حول تحديد مراكز المسؤولية عن تحريك واستخدام مثل هذه الرواسب التاريخية، فبإمكاننا الانتقال الى الصورة الحالية، التي لا تقل إثارة للريبة والشكوك، عن البدايات والمسارات.

هل فهم أحد حتى الآن بوضوح وصراحة الهدف الاستراتيجي النهائي لهذا التحالف الدولي والاقليمي الذي أنشأته وتقوده الولايات المتحدة الاميركية؟ هل هو الإحاطة بـ”داعش” لوقف توسعها الحالي في نشاطها؟ هل هو لتحجيمها جدياً؟ أم هو لتدميرها بحيث لا تقوم لها قائمة بعد اليوم؟

ان ما يسهل تقديم إجابة واضحة عن هذه التساؤلات، هو قراءة قائمة الدول المدعوة الى التحالف، وبينها دول مثل تركيا وقطر (وغيرهما) تموّل وترعى بالتزام كامل، كل ما تقوم به “داعش” على امتداد المساحة السورية. فكيف تدعو مثل هذه الدول الى عملية يقال إنها لمحاربة نشاط التنظيم؟

ثم ان توقيت تحرك الولايات المتحدة لأداء مثل هذه المهمة هو توقيت مريب. فلو وضعنا جانبا ما تقوم به “داعش” في سوريا من أداء لمهمة أميركية، فإن ما قامت به في الموصل وسهل نينوى في العراق، من تهشيم إجرامي لمكونات المجتمع العراقي الدقيقة التركيب، لم يحرك واشنطن لإطلاق النفير، بل ما أدى الى ذلك هو الاقتراب من مصالحها السياسية والنفطية في اقليم كردستان فقط.

ان “داعش”، ومن يماثلها من الحركات والمنظمات، هي في أساسها ذات مكونات عربية ورواسب محلية، ولا يمكن ان تتولى مهمة تخليصنا منها، تلك القوى التي كانت وما زالت تحركها وتستخدمها لمصالحها في لعبة الامم.

لقد أصبح واضحا منذ انطلاق العملية التي دعت اليها واشنطن أن تدمير “داعش” ليس من أهداف هذه المهمة. قالوها بصراحة لا تتطلب مزيدا من الأدلة. وكما كان ظهور “داعش” من مخلفات التاريخ أمرا يتعلق بنكوصنا عن دخول العصر الحديث بكل مستلزماته، فإن اختفاء مثل هذه الظواهر هو في العذابات التي على مجتماتنا العربية أن تخوضها بنفسها، وتعاني مصاعبها، بدلا من ان تنتظر العلاج من الخارج الملتئم تحت مظلة الولايات المتحدة الأميركية. ولو لم تكن تلك مجرد لعبة سياسية للمصالح المتداخلة، لكان يكفي لشل “داعش” عن الحركة نهائيا، تجفيف منابع تمويلها المعروفة، ووقف التحاق المقاتلين بها، ومحاصرة موارد الدخل الذاتي الذي بدأت تتزود به مؤخرا.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى