أنسام صيفية

ما أشقاني بهذا التاريخ

 

لكم توجعني العودة إلى كتب التاريخ حين أطالع فيه الماضي فأجد فيه قصص البؤس والرعب  والظلم في أحداث العقاب الهمجي والقتل الوحشي ما يجعلني أشعر بطوفان من مشاعر التقزز و الذعر والخجل حين أقرأ عن ضحايا تلك العصور مع أن أصحابها لايستحقون ذلك المصير المفجع الذي انتهوا إليه لا لشي سوى أنهم قالوا كلمة حق في وجه سلطان جائر.

منذ أيام كنت أراجع كتابا عنوانه : ( إبن المقفع الكاتب و المترجم والمصلح ) ألفه الصديق الاستاذ الجامعي اللبناني المعروف ( أحمد علبي) أسرد لكم منه بعضا من فظائع العباسيين مع الاسرة الأموية بعد انتزاع الحكم منهم ، ومع جميع الذين خدموهم من الكتاب وغيرهم مثل ” عبد الحميد الكاتب ” الذي جمعته بإبن المقفع صداقة عريقة و كان أحد الذين لاقوا مصرعهم لنقاذ أمره أيام الأمويين ، كما قتل كاتب آخر يدعى “عمرا”  كان يعمل عند آل” هبيرة ” و من المعروف أن ” ابن المقفع ” سلم من المذبحة سنوات معدودات ثم لم تلبث الأحقاد السوداء أن جاشت ضده فاعتقله والي البصرة ” سفيان بن معاوية بن يزيد ” حين زاره بسبب ما قيل عن إبن المقفع أنه كان ينتقد هذا الوالي في المجالس ، فأمر زبانية بزجه في غرفة منعزلة حيث قيدوه بالأغلال وحين دخل عليه الوالي الحاقد راح يكيل له السباب ، ثم أمر بتنور مسجر- اي أشعلوا فيه النار – و إذا بالجلادين يقطعون أعضاءه ويرمونها في التنور إلى أن أنهوا على جسده تقطيعا ” و سفيان بن معاوية بن يزيد ” الوالي يصرخ به ” يا ابن الزنديقة ” لأحرقنك بنار الدنيا قبل نار الآخرة ” و من المعروف أن الكاتب الكبير عبد الحميد الكاتب قتله ” أبو مسلم الخرساني “بأن رماه حيا في النار ومهما كانت الوسيلة كما ترويها روايات أخرى فلقد قيل بحق : لقد قتل الكاتب المصلح بجرم صغير – ما هو بجرم أصلا – قتلة شنيعة لا تبررها شريعة و لا قانون و يقال أيضا في أسباب قتل إبن المقفع أن الخليفة المنصور نقم عليه بسبب براعته في صياغة كتاب ” الأمان” الذي كلف بكتابته فوضع حدا لسلطة الخليفة الراغب في معاقبة ” سليمان بن علي” فشجع والي البصرة على التخلص منه ، وهو سبب لا يبرر على الإطلاق أن يؤخذ كاتب كبير مثل ” إبن المقفع ” كان الجميع يشهدون بفضله وحسن سيرته بجريرة وثيقة كتابية لم يكتبها إلا بأمر من مولاه الذي كان يحمي ” سليمان بن علي” من غصب المنصور والإثنان من أقرباء المنصور !.

ذكرتني هذه الأخبار بحكايات فظيعة مثلها كالسلخ حيا وإدخال الخازوق في الجوف والصلب و الخنق البطيء ، وتقطيع الأوصال وتشويه الحواس حتى يفقد الشخص عقله من الألم ، وتركه بعد ذلك حياً مجنوناً، وغيرها من فظاعات نزلت بعدد  كبير من الكتاب والفلاسفة والمتصّوفة  كالسهروردي والحلاج والنسيمي ، وكلنا نذكر ما صنعه المأمون بخصومة المعتزلة  و كالمتوكل الذي كان من أقسى المعادين لحرية الفكر كقتله الشنيع بالوزير العالم ” ابن الزيات”!

كنت أقرأ في ذلك الكتاب وأتذكر وأنا أتلمس أطراف جسدي و أحمد ربي على أنني ما أزال على قيد الحياة سليماً معافى مع أنني إرتكبت في رأي السلطات عددا لا بأس به من جرائم الرأي الآخر وسلمت فما أشقاني بما قرأت .. و ما أسعدني أنني نجوت حتى الآن !…

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى